الحكومة تتحرّش بالمجلس

هتاف دهام

نشطت الحركة السياسية الخاصة بقانون الانتخاب بعيدة عن الأضواء على هامش الجلسة العامة في يوميها الأربعاء والخميس، وبعيداً من أروقة ساحة النجمة ومكاتبها. محور هذه الاتصالات أربع قوى تتلاقى في ما بينها بقنوات عديدة وهي: حركة أمل – حزب الله – التيار الوطني الحر – تيار المستقبل، في ظلّ مناخات مستجدة تشدّد على ضرورة إنجاز قانون الانتخابات قبل 21 شباط المقبل وهي المهلة الحاسمة لدعوة الهيئات الناخبة.

لا تزال صيغة التأهيل تتصدّر الخيارات، علماً أن ليس من المستبعد أن تولد صيغة جديدة من خارج المتداول في اللحظة الأخيرة. الحوار الثنائي في عين التينة كان حواراً ايجابياً، وعلم أنّ المجتمعين ناقشوا الدوائر الـ 13 على قاعدة السعي، جدياً للوصول إلى قانون جديد يلبّي الطائف من ناحية ويدخل النسبية من ناحية ثانية إلى النظام الانتخابي.

وليس بعيداً أكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري، خلال الجلسة العامة، أمس ضرورة أن نعتبر أنّ الانتخابات حاصلة غداً وهيئة الإشراف على الانتخابات مهمة وتتوقف عليها مهمة إبطال الانتخابات، وأرجأ إلى الأسبوع المقبل اقتراح قانون يرمي إلى تعديل المهل المتعلقة بقانون الانتخاب المقدّم من عضو كتلة القوات اللبنانية النائب أنطوان زهرا.

يبدو أنّ الأجواء أكثر من إيجابية. دأب رئيس الحكومة سعد الحريري خلال الجلسة التشريعية، على تأكيد أننا أمام حقبة جديدة تختلف عن فترة الصراعات والانقسامات الماضية، بقوله إننا اليوم فريق واحد. يتخفف رئيس الحكومة من إرث الحكومة السابقة. إرث يعبّر عن صراعات داخل تياره خلال وجوده خارج لبنان.

رمى موبقات تلك «الجولة» وممارساتها داخل الحكومة وخارجها على شمّاعة الانقسام ليقول إنه يكرّس اليوم وحدة تيار المستقبل والانسجام مع الكتل السياسية الأخرى على قاعدة التهدئة ومنطق التعاون.

لاقى حزب الله الشيخ سعد في منتصف الطريق. طلب عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب نواف الموسوي الكلام أكثر من مرة خلال الجلسات الأربع ليثني على موقف رئيس الحكومة. إشادة النائب الجنوبي تشكل نوعاً من الدينامية الإيجابية التي تحكم علاقة «المساكنة» ما بعد تشكيل الحكومة، وإضاءة نوعيّة على مسيرة الهدوء والتهدئة بين الطرفين التي تحكمها عوامل داخلية أكثر منها إقليمية.

استحوذ إقرار قانون الإيجارات معدلاً على مجمل اقتراحات ومشاريع القوانين التي طرحت في الجلسة العامة أمس. اعتمدت صيغة لجنة الإدارة والعدل بعد إضافة بعض التعديلات على بعض المواد التي من شأنها أن تُعيد التوازن بين المالك والمستأجر.

وضعت اللجنة هذه الصيغة للاستجابة للقرار الملزم الذي أصدره المجلس الدستوري وبموجبه أبطل مواد ثلاثاً وكان لا بدّ من إعادة صياغة القانون بما يتناسب مع هذا الإبطال. إبطال جزئي بنتيجته حصل ما يشبه شرذمة بالاجتهاد القضائي لجهة تقويم أثر الإبطال على القانون بأكمله. فقضاء قال إنّ القانون لم يعد صالحاً للتطبيق، وقضاء قال إنه صالح للتطبيق باستثناء بعض المواد. لكن المشكلة تكمن أنّ القانون هو كلّ متكامل لا يطبّق جزئياً.

أتت صيغة لجنة الإدارة لتربط بين تطبيق القانون في ما خص حساب المساعدات، سواء كانت هناك مراجعات قضائية قائمة أم أحكام صدرت ولم تنفذ في موضوع الإخلاءات أو بدلات الإيجار.

كلّ الأحكام المتصلة بالصندوق أو بالحساب تمّ تعليق مفعولها، كما المراجعات القضائية، لحين يدخل الحساب حيّز التنفيذ. عندما يبدأ الحساب بالدفع، تبدأ عملية التعاطي مع المستأجرين المعنيين بالصندوق.

وفق المعنيين، ستدخل هذه الصيغة السكينة الى المستأجِر، وفي الوقت نفسه لا تجعل المالك القديم يعتبر أنّ هناك مساً بحقوقه، لأنّ التعليق والتأجيل مرتبطان بإنشاء الصندوق ودخوله حيّز التنفيذ.

لن يطبق القانون إذا لم تدخل إيرادات على الصندوق. لن يكون هناك خطر على المستأجر، فما حصل من تعديلات لأجل تأمين ما يسمّى الاستقرار القانوني والاجتماعي.

في المقابل، باءت بالفشل محاولات إقرار اقتراح القانون الرامي الى تعديل القانون المتعلق باكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية العقارية. اجتماع رئيس الحكومة والنائبين ألان عون وحسن فضل الله لم يفضِ الى إعادة طرح الاقتراح في الجلسة المسائية. صولات النائب العوني وجولاته داخل القاعة العامة، ومشاوراته الجانبية المتكرّرة مع رئيس المجلس النيابي لم تجدِ نفعاً.

وفق مصادر وزارية، يشكل هذا الملف تجاذباً، في ما خصّ تملك الفلسطينيين بمن فيهم المقيمون والمسجلون بسجلات وزارة الداخلية. وهذا يتعارض مع الدستور ومع قرارات سابقة للمجلس الدستوري حسمت أنّ موضوع السكن هو مظهر من مظاهر التملك السكني، ومظهر من مظاهر التوطين.

أما في ما خصّ الاقتراح المقدّم من تكتل التغيير والإصلاح والمستمدّ من اقتراح قانون سابق معجل مكرر مقدم من رئيس الجمهورية، فقد دمجت لجنة الإدارة والعدل بين اقتراح النائب وليد جنبلاط واقتراح التكتل. وفق العونيين «لا مانع من النظر في الاقتراحين. نحن نعارض تملك الفلسطينيين، ونؤيد ما ورد في اقتراحنا حول رفض تملك الأجنبي». لكن نتيجة التعادل السلبي أدت الى تأجيل الاقتراحين معاً وتأجيل بتّ الضوابط التي وضعت لتملك الأجانب عامة. حصل همس وغمز تحت قبة البرلمان. أجمع الرئيس فؤاد السنيورة ووزير التربية مروان حمادة أنّ التوقيت ليس مناسباً لإرسال هذه الإشارة الى الخليجيين، بعد زيارة الرئيس عون إلى المملكة السعودية واستعداد الرياض لعودة استثمارات مواطنيها الى لبنان.

كانت جلسة أمس، بجولتيها الصباحية والمسائية منتجة، لكن إنجازات أصحاب السعادة كانت استنسابية. إذ ارتكبت النائب بهية الحريري جريمة بحق أساتذة الجامعة اللبنانية رغم الغبن الذي يلحق بهم واعتراف رئيس المجلس النيابي ووزير التربية بذلك. أسقط عن الاقتراح صفة المعجل وأحيل إلى اللجان.

لم تغِب مظاهر «الطبقية» عن نواب الشعب. لم يرحموا من في الأرض ليرحمهم مَن في السماء. لم يأبه هؤلاء في غالبيتهم إلى محاضر الضبط بحق أصحاب الدخل المحدود. الأمر غير مستغرَب. طريقة تعاطيهم مع اقتراح المتعاقدين في الإدارات العامة خير دليل.

اجتماع وزير الإعلام ملحم رياشي ووزير المال علي حسن خليل والنائب حسن فضل الله مع الرئيس بري، لم يتوصل الى إعادة البحث في الاقتراح مجدداً أمس، هذا فضلاً عن أنّ الرئيس الحريري بقي متشبّثاً بضرورة أن تدرس الحكومة ملف المتعاقدين وتحيله الى المجلس خلال عشرة أيام.

وضع اقتراح النائب سيرج طورسركسيان الرامي الى تعديل قانون السير جانباً. لم يبت به لا سلباً ولا ايجاباً أمام المداخلات والآراء المتناقضة. أيد النائب علي عمار هذا التعديل. أعطى مثلاً عن شخص يتقاضى 700 ألف ليرة وسطر بحقه محضر ضبط. أدى عدم دفعه في الوقت المحدد إلى تراكم الغرامات حتى وصل المبلغ الى 6 ملايين ليرة.

رفض وزير المالية علي حسن خليل تخفيض الغرامات، لكنه أبدى استعداداً للنظر في بعض التعديلات. لم يتأثر الرأسماليون لحال المواطن الذي تسطر بحقه أحياناً كثيرة محاضر ضبط بطرق عشوائية غير مبرّرة، كركن السيارة للحظات مثلاً.

انتفض النائب محمد قباني ضدّ طورسركيسيان وعمار، مع العلم أنه وفق زملائه يلغي محاضر ضبط الكثير من معارفه، في حين تكدّس أخرى بحق الفقراء.

لم يقتصر الأمر عند هذا الحدّ. لم يقرّ المجلس اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي الى تجريم التحرش الجنسي والإساءة العنصرية المقدم من النائب غسان مخيبر. لم يصل النائب الموسوي مع رئيس المجلس إلى نتيجة في ضرورة إقراره في جلسة الأمس.

اعترض عدد من النواب على هذه الصياغة الواردة في الاقتراح. طالبوا بإعادته إلى اللجان ووضع ضوابط له. كذلك تحدث وزير الدولة لشؤون المرأة جان اوغاسبيان طالباً سحبه إلى الحكومة التي أعطيت مهلة 10 أيام لدرسه وإرساله إلى مجلس النواب.

غالبية اقتراحات القوانين «المعجل المكرر» التي قدّمت في الوقت الذي كان فيه التشريع معطلاً سقطت عنها هذه الصفة، وأحيلت الى اللجان المعنية.

أما الحكومة فواصلت أمس على غرار جلسة الأربعاء، «تحرّشها» بالمجلس، إذ سحبت إلى الاقتراحين السابقين – الاقتراح المتعلق بقانون القضاء العدلي – اقتراح قانون معجل مكرر للموافقة على قرض بقيمة مئة مليون ليرة بين لبنان ووكالة التنمية الاميركية – اقتراح ترقية أشخاص مقبولين ومفتشين في المديرية العامة للامن العام من حملة الإجازة اللبنانية في الحقوق إلى رتبة ملازم.

بدا أن الرئيس السنيورة والوزيرين خليل ومحمد فنيش مستنسخون، كما وصفهم النائب عمار، وأنّ أصحاب السعادة يعانون «التكلس» جراء عدم التشريع.

عاد النواب الى القاعة العامة أكثر فوضى. عدم التفات الرئيس بري إلى رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، دفع الأخير إلى الصراخ بأعلى صوته (هوه) … لكنه سرعان ما اعتذر عمّا تلفظ به. لكنه اضطر لذلك، كما برّر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى