البقاع يستقبل رنكوس أمنياً الأمن بين تحديات «البندرة» و«الدحلنة»
كتب المحرر السياسي
تأكدت على لسان مصادر سعودية رسمية المعلومات التي تفرّدت «البناء» بنشرها، عن عودة بندر بن سلطان للعب دور ما في الأمن السعودي، ضمن توازن قوى يريده الأمير مقرن بن عبد العزيز الذي يتولى عملياً موقع الملك وولي العهد معاً، بعد قرار هيئة البيعة بتعيينه ولياً لولي العهد، وبعد زيارة الرئيس الأميركي للسعودية التي كرّست مكانته الأولى في هرمية القرار السعودي، والأمير مقرن الذي تولى رئاسة الاستخبارات السعودية وتنافس مع كلّ من بندر ووزير الداخلية ابن شقيقه الأمير محمد بن نايف يسعى لوضع بندر ومحمد بن نايف كلّ في كفة ميزان ليتسنّى له إدارة التوازن، بدلاً من الوقوع في شباك الارتهان للمسك بملف الأمن وأجهزته، وكما تقول المعلومات إنّ تكليف محمد بن نايف بالملف السوري متفق عليه مع واشنطن مما جعل الملف المتاح تكليف بندر بإدارته هو كل من لبنان والعراق، في ظلّ العلاقة السيئة بين محمد بن نايف وكلّ من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري والرئيس السابق للحكومة العراقية إياد علاوي.
أولى نتائج تولي بندر الملف اللبناني كانت تجميد اندفاعة سعد الحريري نحو التفاهم مع العماد ميشال عون، ورسم سقف لهذا الاندفاع يبقي مفتاحه في الرياض عبر التعامل بإيجابية مع ترشيح رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع لرئاسة الجمهورية، وثانية النتائج منح المجموعات الإسلامية الشمالية التي كانت تتولى إمداد الحرب في سورية بالرجال وتشكل خلفيتها اللوجستية وتتولى تصعيد المناخ المذهبي شمالاً بتفجير الوضع مع جبل محسن، جرعة دعم برسم سقف للتعاون مع الخطة الأمنية هو وقف القتال والمظاهر المسلحة، لكن من دون مداهمات وذلك للحفاظ على البنى العسكرية والأمنية التي راكمتها هذه المجموعات بعيداً عن الخطة.
تغطية بندر لترشيح جعجع والتصعيد شمالاً أربكت حسابات المستقبل بدلاً من إراحته، فبندر لم يعد للعمل من أجل تقديم خدمات لتيار المستقبل، بل لتوظيف قدرات المستقبل كواحدة من أوراق اللعبة التي يريد بندر استرداد موقعه الحاسم فيها، ليتبدّل مناخ الانفراج الذي دخله لبنان مع تنحّي بندر إلى مناخ توتر وقلق.
في قلب الارتباك السياسي والأمني تحت عنوان «بندرة» الوضع اللبناني كانت «دحلنة» المخيمات تقدم الفرصة لإدخالها على خط القلق والتوتر، نسبة لمحاولة المنشقّ عن فتح محمد دحلان اتخاذ لبنان ومخيماته نقطة انطلاق له في إطار المساعي الغربية للضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في ظلّ العلاقة الخاصة التي تربط دحلان بالاستخبارات البريطانية والأميركية، منذ مشروع الجنرال الأميركي دايتون للسيطرة على غزة برجال دحلان والتي ترتبت عليه سيطرة حركة حماس على قطاع غزة.
لا تزال المخيمات تسجل المزيد من عناصر التوتر التي لا تبدو المساعي المبذولة لتهدئتها بحجم الجاهزية اللازمة، بينما كان لاسترداد الجيش السوري للمعقل الأهمّ للمسلحين التابعين لجبهة النصرة في القلمون، الذي تمثله بلدة رنكوس، دور في منح قوة الاندفاع لخطة الأمن البقاعية، التي كانت أولى ثمارها اليانعة أحد أبرز صناع السيارات المفخخة المطلوبين للأجهزة اللبنانية.
الرقص على الصفيح الساخن جاء اجتماعياً في الدوران داخل حلقات مفرغة لسلسلة لا تنتهي من النقاش، حول تمويل سلسلة الرتب والرواتب، وهو دوران سرعان ما يتكشف أنّ التقني فيه سياسي بامتياز، بوجود من يريد تحميل الطبقات المحدودة الدخل أعباء أضافية بحرمانها من بعض حقوقها المكتسبة في السلسلة بداعي ضيق ذات اليد، أو توزيع هذا الحمل على سائر فقراء الشعب اللبناني بزيادة الضرائب غير المباشرة، وكلّ ذلك تفادياً للقبول بنظام ضريبي يقترب من العدالة برفع الضريبة على فوائد المصارف وعائداتها والشركات العقارية وأرباحها الناتجة من المضاربة.
يوم الاستحقاقات الحياتية
أما داخلياً، فلم يكن يوم أمس يوماً عادياً، بل إن الهموم والمطالب الحياتية والاجتماعية المحقة تحرّكت دفعة واحدة، من إصرار هيئة التنسيق النقابية إلى الإسراع في إقرار سلسلة الرتب والرواتب بعد مرحلة طويلة من الانتظار، إلى إقرار تثبيت العاملين والمتطوّعين في الدفاع المدني، إلى مطالب موظفي كهرباء لبنان بالترفيع، مروراً بتحرّك المستأجرين القدامى في مواجهة تحرّك مالكي العقارات والأبنية القديمة وانتهاء بتحرّك متعاقدي وزارة الإعلام.
فعلى وقع الجلسة التشريعية صباحاً وجلسة اللجان النيابية الماراثونية من بعد الظهر حتى منتصف الليل، نفذت الاعتصامات في رياض الصلح ومناطق أخرى للمطالبة بتحقيق المطالب المزمنة، في حين لوحظ الدور المفصلي الذي لعبه رئيس مجلس النواب نبيه بري في ضبط الأمور والحؤول دون المزيد من التصعيد، خصوصاً من خلال ربط النزاع الذي تمكّن من إقامته مع هيئة التنسيق النقابية التي علّقت تحركها حتى مطلع الأسبوع المقبل إفساحاً في المجال أمام استكمال اللجان درس تمويل السلسلة، في حين أقرّت الجلسة التشريعية قانون تثبيت العاملين في الدفاع المدني وفق مباراة محصورة.
بري ينزع فتيل السلسلة
إذاً، فقد نجحت قوّة الدفع التي قام بها الرئيس بري أمس في أكثر من اتجاه إلى نزع فتيل قنبلة سلسلة الرتب والرواتب التي يرجّح إقرارها في الجلسة العامة الأسبوع المقبل، وقد ركّز بري تحرّكه إن على صعيد توفير مناخ تكثيف عمل اللجان المشتركة لإقرار السلسلة ومعالجة مواد التمويل، أو من خلال حدّة التوتر مع هيئة التنسيق النقابية.
وبحسب المعلومات، فإن إيفاده النائب علي بزي أول من أمس إلى الهيئة والذي اجتمع معهم لثلاث ساعات أسفر عن نتائج أزالت التشنّج والتصعيد، وبالتالي شكّلت دافعاً لرئيس المجلس من أجل حثّ اللجان على تسريع وتيرة عملها.
جلسة اللجان المطوّلة
وقد قسّم العمل البرلماني الطويل إلى جزءين، واحد للجلسة التشريعية العامة التي أقرّت عدداً من مشاريع واقتراحات القوانين أبرزها إعادة تنظيم الدفاع المدني عبر مباراة محصورة، والثاني بعد الظهر تمثّل باجتماع اللجان المشتركة ومتابعة درس السلسلة، وقد تمكّنت اللجان من إقرار مواد التمويل حيث مارس الرئيس بري دوراً ضاغطاً في هذا الاتجاه، الأمر الذي أسفر عن هذه النتيجة الإيجابية بعد جلسة اللجان التي استغرقت أربع ساعات ونصف الساعة، وتعود اللجان بالوتيرة نفسها بعد ظهر اليوم لاستكمال درس المواد الإصلاحية لبند النفقات.
وأما الهيئة العامة فتتابع جلستها التشريعية لمناقشة وإقرار خمسة مشاريع قوانين باقية على جدول أعمالها، وتقول المعلومات إن الرئيس بري ربما يرغب في حسم السلسلة وإقرارها في الهيئة العامة هذا الإسبوع، غير أن الحاجة إلى جلسة أخرى للجان يرجّح أن تخصّص للسلسلة جلسة تشريعية الأسبوع المقبل.
أما بنود التمويل التي استكملت وأقرت أمس فهي:
ـ زيادة الرسوم على الشركات المالية المسجّلة في البورصة من خمسة إلى عشرة في المئة وتقدر أن توفّر للخزينة مئة مليار ليرة.
ـ زيادة الضريبة على فوائد المصارف وتقدّر بـ200 مليار ليرة.
ـ الأبنية الخضراء وتقدّر بأكثر من 400 مليار ليرة.
وتركت المادة التاسعة لإدخالها في الموازنة وهي توفّر مئات المليارات.
ـ زيادة الرسوم على الأملاك البحرية وتقدّر بـ 60 مليار.
ـ إعادة احتساب طريقة تنزيل الفوائد الخاصة بالمصارف من الأرباح، وهي تقدّر بحوالى 420 مليار.
ـ ضريبة الدخل على الشركات والأفراد وتقدّر بمئة مليار.
أما المادة المتعلّقة بضريبة الـ TVA فقد تركت للبت بها في الهيئة العامة، مع العلم أن هناك اقتراحين، إما زيادة الضريبة من 10 إلى 15 في المئة على الكماليات وتوسيع مروحية هذه الكماليات، أو زيادتها بأكملها من 10 إلى 12 في المئة على كل المواد والسلع، علماً أن الأمر الثاني تطالب به كتلة «المستقبل».
إجراءات أمنية في البقاع
وبالتوازي مع المعالجات الحياتية والاجتماعية واصلت وحدات الجيش حملة المداهمات لتوقيف المطلوبين في طرابلس، بينما بدأت بوادر الخطة الأمنية في البقاع الشمالي من خلال قيام قوى الأمن الداخلي بنشر حواجز ثابتة ومتحركة في قرى المنطقة لمنع أي مخالفات على مختلف المستويات، بينما ينتظر أن تبدأ وحدات الجيش تعزيز وجودها في المنطقة والانتشار على الحدود الشرقية مع سورية.
وقالت مصادر أمنية إن خطة البقاع الشمالي تختلف عما اتخذ ويتخذ من إجراءات في طرابلس في سياق الخطة الأمنية للمدينة. وقالت إن الخطة في البقاع الشمالي هي خطة أمنية بامتياز، بينما ما حصل في طرابلس مختلف بالكامل لأن الوضع الذي كان سائداً هناك لا يمكن مقارنته بما هو قائم في البقاع الشمالي. وأوضحت أن الإجراءات الأمنية في البقاع هي لتعزيز الأمن وتوقيف بعض المطلوبين ومنع تهريب السيارات المسروقة أو تفخيخها. بالإضافة إلى الانتشار على الحدود الشرقية للحؤول دون أي عمليات تسلّل للمسلحين.
اعتقال أخطر المطلوبين
ومساء أمس، تمكّن فوج المجوقل في الجيش من إلقاء القبض في عملية نوعية على أهم وأخطر المطلوبين في تفخيخ السيارات مع سبعة أشخاص آخرين داخل غرفة عمليات في عرسال، وصادر منها أجهزة كمبيوتر وهواتف خليوية وملفات مهمة جداً.
إلى ذلك، نفّذت وحدات الجيش مداهمات جديدة أمس في عدد من أحياء طرابلس وأوقفت عدداً من المطلوبين، ومن بين هؤلاء مرافق الشيخ سالم الرافعي. وأعلنت قيادة الجيش أنه تم أمس توقيف ثلاثة مطلوبين ومصادرة ذخائر.
كما أعلنت أنها تمكنت من توقيف المدعوّ براء الكك وهو أحد المتورطين في الاعتداء الذي تعرضت له دورية تابعة للجيش في منطقة القموعة في عكار وأدى إلى استشهاد ضابط وجندي وجرح جندي آخر. كما أشار البيان إلى أن المدعو علي طالب وهو مطلق النار على الجيش عثر عليه جثة هامدة بعد إقدامه على الانتحار.
وأقدم مسلّحون مساء أمس على محاولة توتير الوضع في طرابلس من خلال إلقاء أربع قنابل صوتية في بعل الدراويش وإطلاق رشقات نارية.
وفي الشأن الأمني أيضاً، أقدم مسلّحون مساء أمس على إطلاق النار على إمام مسجد صلاح الدين الشيخ عرسال سليمان وهو مسؤول جمعية المشاريع الخيرية في مخيم عين الحلوة، ما أدى إلى صابته بجروح خطيرة، وعلى الأثر حصل توتر في المخيم بينما تجمّع أنصار جمعية المشاريع أمام المسجد مندّدين بالجريمة.