ترامب رئيساً… ذعر في أوروبا والخليج

د. تركي صقر

بعد تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية وتسلمه مقاليد الأمور في البيت الأبيض، بات كلّ ما أدلى به من تصريحات نارية وغير نارية، أثناء حملته الانتخابية، مدعاة للقلق الشديد لدى الكثير من الحكام، لا سيما في أوروبا والخليج، حيث تغدو، هذه التصريحات، قابلة ومرشحة للتنفيذ خلال السنوات الأربع المقبلة من رئاسته. وسبق أن نزل خبر فوز ترامب في الانتخابات، كالصاعقة على الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة وعلى الطبقات الحاكمة في الدول الأوروبية. وأصيبت أنظمة الخليج والسعودية، على وجه الخصوص، بالرعب، نتيجة تهديده لهم بدفع ثمن حماية أميركا لهم وتفعيل قانون «جاستا» الخاص بمحاكمة رعاة الإرهاب، بدءاً من أحداث الحادي عشر من أيلول وحتى تفاقم ظاهرة الإرهاب في العالم، الذي سخرت المملكة السعودية جل ثرواتها النفطية لدعمه.

ويمكن القول: إنّ المشهد الدولي، بعد وصول ترامب إلى كرسي البيت الأبيض، سيتغيّر ولن يبقى على حاله. وإنّ ما بعد وصوله، لن يكون كما قبله. وإن ّحملات التشويش الإعلامية المستعرة والمتواصلة على تصريحات ترامب «هستيرية وانفعالية وغير متوازنة. وستمضي أدراج الرياح عندما ينتقل من ترامب المرشح إلى ترامب الرئيس»، لن تصمد أمام تكرار تصميمه على تنفيذ وعوده الانتخابية. ولعلّ أهمّ ما يؤثر في الساحة الدولية في المرحلة المقبلة ويمكن أن يحدث تغييرات بالغة الأهمية في المشهد العالمي، إقدام ترامب على ترجمة ما قاله حول الاتحاد الأوروبي والـ«ناتو». وحول السعودية ودول الخليج. وحول العلاقة الجديدة مع الاتحاد الروسي.

– بالنسبة للاتحاد الأوروبي والـ«ناتو» قال الكثير وركز على أنّ الولايات المتحدة تحمي أوروبا من دون مقابل، تقريباً، فهي تدفع أقلّ من 20 في المائة من النفقات العسكرية التي تدفعها واشنطن. وهدّد بالخروج من الحلف وترك أوروبا بلا مظلة عسكرية، في حال استمرار الوضع على حاله. كما ينظر إلى أوروبا على أنها غدت القارة العجوز، مثلما كان يطلق عليها دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأميركي الأسبق. وأضيف إلى عجز الاتحاد، بروز رغبة الانسحاب منه. وظهر ذلك في الانتخابات الأوروبية التي جرت منذ عام 2014 ، حيث فازت الأحزاب اليمينية بنسبة كبيرة من المقاعد. وهذه الأحزاب تسعى إلى زعزعة كيان الاتحاد الأوروبي واستقراره وعودة كلّ دولة إلى وضعها السابق، لأنّ الاتحاد الأوروبي اليوم، يعيش أزمة اقتصادية كبيرة، رغم الادّعاء بأنّ اقتصاده قوي ولا خوف عليه.

– شكّك ترامب بقيمة حلف شمال الأطلسي وفائدته، بقوله: إنه كان نتاج عصر آخر في الماضي، وأضاف: «إنّ أميركا لم يكن لديها واجب الالتزام بحماية ركاب مجانين، لم يكونوا مستعدين للاستثمار في دفاعهم». كتب فيليب ستيفينس «إن ترامب قانع بترؤس حل نظام التحالف الأميركي، تاركاً أوروبا غير حصينة»، وقال: مع ترامب كرئيس للولايات المتحدة، ستستبدل الأممية التعاونية بالقومية التنافسية. بكلمة أخرى، فإنّ ستيفينس يأسف لإمكانية استبدال السيطرة الإمبريالية الأميركية والكتلة الإمبريالية المتماسكة، بالعودة إلى سيادة الدولة وكلمة التعدّدية القطبية. يكفي أنه باسم «الديمقراطية» و«حكم القانون»و«حقوق الإنسان» و«الليبرالية» عملت الولايات المتحدة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كجلاد لبلدان أخرى، حيث شنّت حروباً ضارية ضدّ الشعب الكوري والفييتنامي واللاووسي والكامبودي وقتلت معاً تسعة ملايين إنسان. وألقت، خلال هذه الحروب، من القنابل أكثر مما ألقي طوال الحربين العالميتين.

– نوّه ترامب، في تصريحاته الانتخابية، بالمال السعودي الضخم. وطالب النظام السعودي وجميع الحلفاء، بما يشبه دفع «الجزية» نظير الحماية والخدمات التي توفرها الولايات المتحدة لهم. وقد وصفها بالهائلة جداً. وقال في هذا الصدد: «هل تتخيّلون أننا ندافع عن السعودية، بكلّ الأموال التي لديها، نحن ندافع عنها وهم لا يدفعون لنا شيئا؟»، لافتاً إلى أنّ السعودية لديها أموال طائلة وهي تجني يومياً نصف مليار دولار. وهم «لا يملكون شيئا البتة… إلا المال ولا شيء آخر غير المال».

– حملت تصريحات ترامب الانتخابية تجاه السعودية، خشونة واضحة جداً. كما كانت نعوته للسعودية مادة إعلامية مثيرة وعناوين لمقالات صحافية عديدة، مثل «البقرة الحلوب»، حين تداولت بعض المواقع الصحافية تصريحاً منسوباً لترامب، يقول فيه: «إنّ السعودية بمنزلة بقرة حلوب لبلاده. ومتى جفّ ضرعها ولم يعد يعطي الدولارات والذهب، عند ذلك نأمر بذبحها، أو نطلب من غيرنا أن يذبحها». حاولت مواقع أخرى التخفيف من لهجة هذا التصريح، بالقول على لسان ترامب: «علينا حلب السعودية السمينة قدر الإمكان. وحين يصبح المشايخ الأثرياء عديمي الفائدة، يجب علينا مغادرة الشرق الأوسط».

بالنسبة للعلاقات الأميركية مع موسكو، أحدثت تصريحات ترامب صدمة كبيرة وقلقاً عميقاً في الدوائر الغربية كلها، لا سيما عندما أبدى عزمه على تحسين العلاقات الأميركية الروسية، عموماً. وعلى وجه الخصوص، تقوية الصلات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإبداء إعجابه بقيادته لبلاده، حيث امتدح ترامب، في سياق الحملة الانتخابية، الرئيس بوتين وعبّر عن الرغبة في علاقات جيدة مع روسيا، لتجنب أي نزاع بين أقوى بلدين في العالم عسكرياً.

لا يمكن الجزم، حتى الآن، بأيّ اتجاه سيحسم ترامب أمره بصورة عملية وواقعية، لا سيما في القضايا الدولية، على الأقلّ. ولا يزال صندوقاً مغلقاً إلى حدّ كبير، لكن يمكن القول إنّ مجيء ترامب إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، أثار ذعراً وهلعاً لدى الكثير من الأنظمة في الغرب والسعودية، الذين راهنوا على الاستثمار بالأعمال الإرهابية وتدمير دول وبلدان وسفك دماء أبنائها وتحقيق مشاريعهم على حساب آلام الشعوب وويلاتها.

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى