عقل الإرهاب «الاقتصادي» و«المخابراتي» في الحمرا
روزانا رمّال
كشفت شعبة المعلومات بالتعاون مع استخبارات الجيش اللبناني عن دقة كبيرة في متابعة ملف الإرهاب والمجموعات المسلحة في الإنجاز الذي حققته بإيقاف جريمة بحق لبنان والناس و»السلام» الذي تسعى أغلب القوى فيه لتثبيته في مرحلة ما بعد انتخاب الرئيس ميشال عون وتثبيت دعائم وركائز العهد القادرة على التماسك في وجه الإرهاب أكثر فأكثر.
بيان مشترك عن الأجهزة الأمنية صدر عن هذه الحادثة فيه «بعملية نوعية ومشتركة بالتنسيق مع فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، أحبطت قوة من مديرية المخابرات حوالى الساعة 10.30 من مساء السبت، عملية انتحارية في مقهى «كوستا» في منطقة الحمرا، أسفرت عن توقيف الانتحاري المدعو عمر حسن العاصي الذي يحمل بطاقة هويته، حيث ضبطت الحزام الناسف المنوي استخدامه ومنعته من تفجيره. وقد حاول الموقوف الدخول عنوة إلى المقهى، ما أدى إلى وقوع عراك بالأيدي مع القوة العسكرية، ونقل على الأثر إلى المستشفى للمعالجة.
العملية أو محاولة التفجير «المفترضة» لا تقع ضمن سياق العمليات المتوالية لتنظيم داعش أو غيره في المنطقة. فهي تأتي بعد فترة من الاستقرار والهدوء الذي عاشه لبنان «عنوة»، في وقت حكي الكثير عن أسبابه حتى ترافقت مع نيات دولية للمحافظة عليه لأسباب تتعلق بالمرحلة المقبلة في سورية. فبين مَن يعتبر ان لبنان سيكون مركز استقبال المفاوضين والمانحين الاقتصاديين وأولئك الرأسماليين الأوروبيين والاجانب أصحاب الشركات التي ستلتزم اعادة «إعمار سورية»، حسب مصدر رفيع لـ»البناء»، هناك ايضاً من يرى انّ من بين العوامل الخطوة المتقدمة التي أرختها نتائج مشاركة حزب الله العسكرية في سورية، حيث استطاع إبعاد خطر تمدّد الإرهاب نحو الداخل بحربه الاستباقية عليه.
عملياً، أشياء كثيرة في المشهد اللبناني لا ترضي المجموعات التكفيرية التي جنّدت عمر العاصي للقيام بعملية انتحارية في شارع الحمرا، اشياء تتعدّى السياسة وترسم علامات استفهام كبيرة. وبغض النظر عن الأهداف العقائدية التي تعتري المنفذين والداعمين لهذا المشروع، فإن الرسالة وصلت من دون شك لمن يهمّه الأمر.
استهداف شارع الحمرا ليس رسالة موجّهة لحزب الله هذه المرة، وليست ايضاً لحصد اكبر قدر ممكن من الأرواح، فلو كان المخطط تفجير مصالح وشوارع تابعة لحزب الله وجمهوره لكان تقدم باتجاه هدف آخر، حيث حزب الله وقاعدته وما يتعلق بتأييد النظام السوري ومصالحه. وقد استطاع الإرهاب في وقت سابق النجاح بتنفيذ عمليات والوصول الى مبانِ وشوارع محصنة أمنياً في وقت متقدم من الازمة السورية وتأثيرها على لبنان في ذروتها مثل لحظة استهداف السفارة الايرانية في بئر حسن وما بعدها في برج البراجنة والضاحية.
استهداف شارع الحمرا يكشف عن أن داعش لا يعمل بعقل سياسي فقط انما بعقل مخابراتي – اقتصادي بحت. فهذا الشارع يعني بالنسبة للبنانيين والاجانب مقياساً لنسبة السياح والإقبال على زيارة لبنان. والمفارقة الارتفاع الملحوظ لنسب السياح، بالمقارنة مع السنوات الماضية اولاً وبالمقارنة مع باقي دول الجوار ثانياً، في وقت تعيش تركيا أسوأ ايام السياحة الداخلية والخارجية وتتأثر دبي بشكل خاص وبعض الدول الخليجية سلباً بفترات الأمان الطويلة نسبياً في لبنان.
«إسرائيل» أيضاً واحدة من تلك الدول التي لا يمكن أن تتحمل فكرة إطالة نسب الهدوء الأمني في لبنان، فهي منافسة اساسية في مواسم سياحية شتوية اضافة الى سعي دائم على خضّ الاستقرار وإدخال لبنان في ازمات داخلية لحسابات مختلفة.
بالعودة الى اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري وتخصيص انتحاري للقيام بهذه العملية، كشفت تقارير متعددة عن اسماء متورطين عرب وأجانب في هذه العملية إضافة للبعد السياسي، فالتخلص من الحريري الذي أعاد إعمار بيروت وشكل منها نافذه سياحية منافسة بالمنطقة هدفٌ لما أضرّ بدول نامية، خصوصاً الخليجية منها التي شهدت ازدهاراً «مدهشاً» وملحوظاً منذ انشغال لبنان بمرحلة اغتيال الحريري وما بعدها. وهذا ليس بعيداً عما أسست له القوى الجهادية منذ أول تأسيسها في الثمانينيات، حيث العمليات التي كانت تتعدى الحسابات السياسية لتصل الى الاقتصادية المخصصة لضرب قطاعات تجارية وسياحية لدول عديدة عبر ضرب بنى تحتية ومطارات ومرافق حيوية وابراج تجارية صنف جزء كبير منها ضمن دائرة ضرب الاقتصاد في دول آسيوية عديدة.
عملية واحدة في شارع الحمرا تتكفل في إعادة عقارب الساعة الى الوراء وانخفاض نسب السياحة وتراجع الاستثمارات التي تعول كثيراً على «العهد» الجديد الذي أرخى علامات تفاؤل كبرى بالتعاون المطروح بين الأفرقاء.
المرحلة التي يعيشها لبنان سياسياً تشكل ضرراً على دول اقليمية كبرى غذت التصادم فيه، وهي مرحلة «التوافق» التي يستبشر منها اللبنانيون خيراً، حيث تشكل في الوقت نفسه أكثر الأسباب المشجّعة على نسفها.
بالمحصلة ليس مقبولاً بمرحلة يعمل حزب الله وحلفاؤه على تكريس المشاركة في مصير البلاد أو فرض أجندة محددة وعناوين مرحلة مقبلة، وليس مقبولاً أن يتعاون رئيس الجمهورية مع قوى سنية أساسية مثل تيار المستقبل على تكريس تماسك المرحلة. ضرب «العهد الواعد» أمنياً وسياسياً هو محطة أساسية بالنسبة لمشغلي المجموعات المتطرفة «الدولية» التي باتت تؤدي أكثر من دور بأكثر من مفهوم لخدمة القضية التي يُجنَّد فيها الانتحاري، فتتداخل الحسابات المحلية بالحسابات التي تخدم «الدولة» الواقعة ضمن منظومة التطرف.