حلب في أستانة: روسيا راعٍ وأميركا مراقب… والسعودية خارج الحلبة الاندفاعة السياسية الإيجابية تُحبط خطرين أمنيّين.. في البقاع وبيروت

كتب المحرر السياسي

تكفي المقارنة بين مؤتمر جنيف حول سورية بصيغته المنعقدة قبل عام ومؤتمر أستانة عشية انعقاده، لمعرفة حجم التغيير الذي أدخلته معركة حلب على المشهد السياسي والتفاوضي. فالدور الأميركي ينتقل من القيادة إلى المشاركة الرمزية بصفة مراقب، والمشاركة الروسية في الرعاية كشريك ثانٍ يعترف بالقيادة الأميركية تتحوّل إلى رعاية أحادية في أستانة. يبذل وفد الجماعات المسلحة جهوده لمغازلة دورها كوسيط مقبول من الجميع. وبالمقابل السعودية الركن الإقليمي الأول في صيغة جنيف ممنوع من الصرف بفيتو إيراني، والتركي الشريك من الصفوف الثانية برعاية المعارضة ينتقل إلى الصف الأول تأسيساً على دوره في إنهاء معركة حلب، وسورية الذاهبة بوفدها إلى جنيف باعتباره منصة سياسية إعلامية لم تنضج بعد للبحث الجدي في التفاهمات، ترسم بلسان مفاوضها السفير بشار الجعفري خريطة الطريق لأستانة تحت شعار الحرب على الإرهاب هي البوصلة، فهل نضج الأتراك بعد نزفهم المتواصل تحت ضربات الإرهاب للتسليم بهذه الحقيقة وإدراك أنّ الفوز بالحرب لا يستقيم مع التمادي في انتهاك السيادة السورية والتعجرف في ادّعاء قوة لم تفلح بعد في التقدّم أمتاراً قليلة في مدينة الباب خلال ثلاثة شهور؟ وهل تخلص واشنطن لشعارات رئيسها الانتخابية بجعل الحرب على الإرهاب بوصلة التحالفات والعداوات وتغيّر معادلات تعاملها مع الحرب على سورية؟

هذه الأسئلة التي تضمّنتها المواقف السورية عشية المؤتمر ستكون على جدول أعماله اليوم وغداً، لتظهر النتائج حقيقة السياسات، وما إذا كانت تركيا ستضع ثقلها للحفاظ على ما حصدته من مكانة ودور بتموضع نهائي في ضفة الحرب على الإرهاب، أم أنها لا تريد تخطي ما رسمته من سعي لتثبيت وقف للنار بدون حسم الموقف من جبهة النصرة، بانتظار دخول إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مفاوضات مع أنقرة تطال مستقبل العلاقة بالملف الكردي ومستقبل الداعية التركي المعارض فتح الله غولن؟

لبنان المنقسم على النظر لقانون الانتخابات النيابية، بين فيتو على السير بقانون الستين وفيتو على السير بقانون يعتمد النسبية، وتحوّل خطر الفراغ الدستوري إلى فرضية لا يمكن تجاهلها، يقارب خلال الأيام المقبلة مزيداً من محاولات البحث عن حلول في منتصف الطريق، من دون التفريط بالتوافق السياسي الذي منحه مظلة أمان ظهرت نتائجها الأمنية في إحباط تفجير انتحاري في شارع الحمراء شغل لبنان واللبنانيين، نجحت القوى الأمنية في استباقه وإحباطه بقوة نجاحها في عمليات وقائية واستباقية، واستنادها لمناخ توافق سياسي سهّل تعاونها وتبادل المعلومات والخبرات والعمليات بين أجهزتها، بعدما ظهرت نتائج المناخ السياسي الإيجابي ذاته في البقاع بالنجاح الذي حققه بسام طليس كمبعوث شخصي لرئيس مجلس النواب نبيه بري محاطاً بالتعاون من الأجهزة الأمنية، في تحرير المخطوف سعد ريشا الذي كاد يتحوّل اختطافه فتيلاً لفتنة بقاعية.

الحمرا تنجو من عملية إرهابية

نجت الحمرا ليل السبت الماضي من عملية إرهابية كان انتحاري ينتمي الى تنظيم داعش الإرهابي ينوي تنفيذها في مقهى «كوستا» في شارع الحمرا الرئيسي، قبل أن تتمكن الأجهزة الأمنية بلحظات من إحباطها وتوقيف الانتحاري ومنعه من تفجير الحزام الناسف الذي كان بحوزته، بعملية مشتركة بين مديرية الاستخبارات وفرع المعلومات.

وفي التفاصيل، فإنّ العناصر الأمنية ألقت القبض على الانتحاري ونزعت الحزام الناسف منه قبيل دخوله المقهى. وأصدرت قيادة الجيش بياناً في هذا الصدد جاء فيه: «في عملية نوعية ومشتركة بالتنسيق مع فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، أحبطت قوة من مديرية المخابرات حوالى الساعة 10.30 من مساء أمس السبت ، عملية انتحارية في مقهى costa في منطقة الحمرا، أسفرت عن توقيف الانتحاري المدعو عمر حسن العاصي الذي يحمل بطاقة هويته، حيث ضبطت الحزام الناسف المنوي استخدامه ومنعته من تفجيره. وقد حاول الموقوف الدخول عنوة إلى المقهى ما أدّى إلى وقوع عراك بالأيدي مع القوة العسكرية ونقل على الأثر إلى المستشفى للمعالجة.

كما أفادت قيادة الجيش أنه تبين بنتيجة كشف الخبير العسكري على الحزام الناسف أنه يحتوي على 8 كلغ من مواد شديدة الانفجار، بالإضافة إلى كمية من الكرات الحديدية، بهدف إيقاع أكبر خسائر ممكنة بالأرواح.

واعترف الانتحاري الموقوف لدى الأجهزة الأمنية عمر حسن العاصي، وهو من مواليد صيدا عام 1992، أنه تلقى أوامر تنفيذ العملية من الرقة معقل تنظيم داعش في سورية. وذكر خلال التحقيقات الأولية معه أنه ينتمي إلى التنظيم المتطرف وقد تلقى أمراً بالقيام بمهاجمة المقهى، قبل أن تتمكن قوات الأمن من منعه.

عودة هذا النوع من العمليات الإرهابية، يؤكد أمرين: الأول أنّ تنظيم داعش لا يزال يجنّد أشخاصاً للعمل لصالحه وخلاياه منتشرة في لبنان وناشطة وليست نائمة، الثاني أنّ يقظة الأجهزة الأمنية وتعاونها أدّيا الى كشف الخلايا وإحباط عمليات عدة قبل حدوثها.

وقالت مصادر أمنية لـ«البناء» إنّ «استخبارات الجيش وفرع المعلومات كانا يرصدان حركة واتصالات الإرهابي منذ خروجه من أحد الأبنية في صيدا متوجهاً الى بيروت»، مؤكدة أنّ «الحزام الناسف تسلّمه الانتحاري من مكان قريب جداً من المقهى وليس من صيدا، وذلك بمساعدة أشخاص آخرين سلّموه الحزام، وكانوا ينسقون معه لتنفيذ العملية». ولفتت الى أنّ «اعترافات الإرهابي مفتاح مهمّ للاجهزة الأمنية لكشف المزيد من المعلومات التي بحوزته وبالتالي إحباط العمليات قبل وقوعها». ولم تستبعد المصادر حصول عمليات إرهابية، لكن التنسيق بين الأجهزة ويقظة الشعب يمنعان الإرهاب من تنفيذ أعماله الإرهابية، موضحة أنّ «المنظومة الأمنية المحكمة في الضاحية الجنوبية دفعت الإرهاببين إلى تغيير وجهة مخططهم نحو بيروت العاصمة لتنفيذ عملياتهم».

وبحسب ما علمت «البناء» فإن «الانتحاري دخل الى مقهى «كوستا» بشكلٍ عادي ولم تظهر عليه أيّ حركة غريبة، ثم طلب القهوة من النادل ودفع ثمنها وجلس على المقعد وبعد لحظات خرج لإجراء مكالمة هاتفية، وفي هذه الأثناء كان ستة من عناصر الأمن يتعقبونه بزيّ مموّه ولم تمرّ دقائق حتى ألقوا القبض عليه». كما علمت «البناء» أنّ «القوى الأمنية كانت ترصد وتتعقّب حركة الانتحاري من صيدا وليس من مخيم برج البراجنة، في حين كان عدد رواد المقهى لحظة دخول الانتحاري إليه 40 شخصاً الأمر الذي كان سيؤدّي الى كارثة محتمة فيما لو فجّر الإرهابي نفسه».

إنجاز القوى الأمنية لاقى ترحيباً لدى الأوساط السياسية وارتياحاً شعبياً، فقد نوّه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالعملية وهنّأ القوى التي نفذت العملية الاستباقية. وكان رئيس الجمهورية تابع تفاصيل العملية، واطلع على المعطيات المتعلقة بها كلها.

وأشاد وزير الدفاع الوطني يعقوب رياض الصرّاف بالعملية، وقال إنّ «مثل هذه الإنجازات هي خير دليل على المتابعة الحثيثة للملفات الأمنية والسهر الدائم على أمن الوطن والمواطن».

وكان رئيس الحكومة سعد الحريري قد تفقد مساء أمس، مقهى كوستا في الحمرا برفقة وزيري الدفاع يعقوب الصراف والداخلية نهاد المشنوق وسط إجراءات أمنية مشددة.

وأكد الحريري في تصريح أنّ «هناك تهديداً ولكن يوجد رجال»، مشدّداً على «ضرورة عدم التخوّف مما يحصل في ظلّ وجود الأجهزة الأمنية والجيش اللبناني الساهرين على أمن الوطن والمواطن»، مضيفاً «أننا سنعمل بكلّ جدية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية لمحاربة هذا النوع من الإرهاب، خاصة في ظلّ وجود رئيس الجمهورية ميشال عون الساهر على أمننا». معتبراً أنّ «الإرهابي عمر العاصي لا دخل له بصيدا ولا بالدين ولا بالإسلام، لأنه ولد ضال أضاع طريقه وحياته وحياة أهله ودخل بنفق مجهول ويدفع الآن ثمنه». ولفت الحريري الى أن «عون طلب التنسيق والتعاون بين القوى الأمنية كافة، والإنجاز الذي شهدناه بالأمس هو نتيجة مثمرة لهذا التعاون».

الإفراج عن ريشا

من جانب آخر، وبعد أيام على اختطافه من أمام متجره في قب الياس، أفرج فجر السبت الماضي عن المواطن سعد ريشا من دون دفع فدية مالية، وذلك إثر مفاوضات ووساطة دامت يومين قادها المسؤول التنظيمي للبقاع في حركة أمل بسام طليس، بتكليف من الرئيس نبيه بري.

وتوعّد وزير الداخلية نهاد المشنوق خاطفي المواطن ريشا باقتراب لحظة القبض عليهم، وبإنهاء ظاهرة الخطف واجتثاثها من البقاع ومن لبنان كله. وكشف أنّ الرئيس بري هو أول المطالبين بذلك. وقال: «إنّ إطلاق سراح ريشا لا يعني أبداً وقف ملاحقة الخاطفين، بل لا تراجع قبل سوقهم أمام العدالة لمحاسبتهم وإنزال أشدّ العقوبات بهم»، مؤكداً أن «لا تسوية مع الخاطفين أو غيرهم من المجرمين المرتكبين وأنّ الرؤساء الثلاثة يتابعون هذا الموضوع جملة وتفصيلاً إلى حين إنهاء هذه الظاهرة من البقاع ولبنان كله».

قانون الانتخاب يراوح مكانه

ورغم التطورات الأمنية، إلا أنّ قانون الانتخاب بقي في صدارة المشهد السياسي، لكن أيّ جديد لم يرشح ليكون رأس جسر بين القوى السياسية لمقاربة موحدة في موضوع القانون وإحداث تغيير في النظام الانتخابي والحؤول دون عودة قانون الستين، بل المراوحة سيدة الموقف، رغم اللقاءات التي تتمّ بعيداً عن الإعلام لمحاولة إيجاد صيغة توافقية، وبالتالي فإنّ الاتجاه السائد هو إجراء انتخابات نيابية على قانون الستين، إذا ما حصلت مفاجآت خلال الوقت المتبقي قبل 21 شباط المهلة الأخيرة لدعوة وزير الداخلية الهيئات الناخبة.

وفي غضون ذلك، واصل وفد اللقاء الديمقراطي جولته على المسؤولين لنقل «هواجس» رئيسه النائب وليد جنبلاط من اعتماد «النسبية» في قانون الانتخاب. فبعد لقائه الرئيس عون، حطّ وفد اللقاء الذي ضمّ الوزيرين مروان حمادة وأيمن شقير والنواب: أكرم شهيب، وائل ابو فاعور، هنري حلو وعلاء الدين ترو في عين التينة، حيث التقى الرئيس نبيه بري أمس الأول، على أن يلتقي الثلاثاء المقبل الرئيس سعد الحريري في السراي. وعقب اللقاء، قال حمادة: «نجد دائماً عند الرئيس بري كلّ التفاهم والتفهّم لطرحنا ولأحقية طرحنا بالنسبة لمقاربة قانون الانتخاب»، متمنياً «أن يكون هناك حلّ وطني يؤمّن صحة التمثيل للجميع، وليس تأمين التمثيل الصحيح لشريحة ما، ونحن معها، ونلغي هذا التمثيل عن الآخرين».

وأكدت مصادر نيابية لـ»البناء» استمرار تمسّك المستقبل والنائب جنبلاط بالقانون الأكثري، فكلاهما لا يريد تقلّص حجم كتلته النيابية لا سيما تيار المستقبل الذي عانى من مشاكل داخلية طوال المرحلة الماضية، وبالتالي لا يستطيع الحريري تحمّل خسارة جديدة، رغم أنه سيخسر بعض المقاعد على الستين، لكن تبقى محدودة مقارنة بقانون النسبية».

وأشارت المصادر الى أنّ «الشهر الحالي سيكون حاسماً إزاء اقرار القانون أم لا، وربما تبرز مفاجآت بالتفاهم على قانون جديد في ربع الساعة الأخير، كما حصل في موضوع تشكيل الحكومة بين ليلة وضحاها، ولا شيء مستحيل».

وأكدت المصادر «تضامن قوى 8 آذار ورئيس الجمهورية وتكتل التغيير والاصلاح والتيار الوطني الحر برفض الستين وإقرار قانون جديد، وأن إجراء الانتخابات على القانون الحالي له تأثيرات سلبية كبيرة»، موضحة أنّ «القضية ليست مراعاة بقدر ما هي تفاهمات وأنّ الأمل لم يفقد بعد، بل الحريري أعلن عدم ممانعته إقرار قانون جديد إذا توافق عليه اللبنانيون وننتظر منه تنفيذ كلامه»، مضيفة: «ربما نصل الى صيغة على قاعدة النسبية بشكلٍ أو بآخر ربما يكون المختلط أحد المخارج والصيغ المتوفرة، لكن لن نعود الى الستين».

ونقل زوار الرئيس بري عنه لـ»البناء» أنّ «إجراء انتخابات وفق القانون الحالي ستنال من بريق العهد وستصيب الشارع بصدمة وخيبة أمل وستولد غضباً على الحكومة والمجلس معاً، وأنه إذا لم يتمّ التوافق على قانون حتى 21 شباط المقبل، فإنّ الانتخابات ستجرى على قانون الستين، بحسب الدستور ولا خيار آخر، لأنّ بري متفاهم مع وزير الداخلية على منع الفراغ في المجلس النيابي»، ويلفت إلى أن «لا يمكن لمعارضي النسبية أن يتجاوزوا القوى السياسية والتيارات والكتل التي تطالب بقانون جديد فضلاً عن كلام الرئيس عون أمام السلك الدبلوماسي الى جانب المطالب الشعبية بالتغيير».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى