الحوار في أستانة لا يُعفي الإرهابيين من المحاسبة

جمال محسن العفلق

انطلقت المباحثات في أستانة، وقد سبقتها تصريحات كثيرة عن العدد والمشاركين ومَن سيمثلون وعلى أي ورقة سيتمّ الإجماع في قضية الحرب على سورية، فلا اسم للمباحثات هذه. ونعلم نحن السوريين أن المباحثات تدور مع مشغّلي تلك الجماعات اولاً ووجود ممثلين عن الجماعات الإرهابية في هذا المؤتمر هو وجود تقني لا أكثر ولا أقلّ ليعلن في النهاية انّ المباحثات سورية سورية وهي عملياً تفتقد هذه الصفة، فمن جاء الى استانة اليوم هو ممثل المموّل ولا يُخفى على احد ان هذه الجماعات قد استبقت المباحثات بتصريحات هزيلة وغير أخلاقية وفي كثير من الاحيان تعبر عن مدى ضعف تلك الجماعات لا برنامج وطني مطروح من قبلها ولا رسائل تطمين حقيقية للشعب الذي طالما ادعت تلك المجموعات انها تمثله. فوفد الجماعات الإرهابية عدده خمسة عشر ومعه أحد وعشرون مستشاراً، وهذا لا يشمل الذين يتابعون من خارج استانة ويرسلون التعليمات عبر الرسائل النصية.

وفي التفاصيل، إن حلفاء سورية الروس والايرانيين يقاتلون على الساحة السياسية لإنجاح المؤتمر في وقت ذهب فيه الوفد السوري بورقة واحده تقول وعلى لسان رئيس الوفد الدكتور بشار الجعفري «لدينا توجيهات بالمشاركة في النقاشات بإيجابية ونقل وجهة النظر السورية الرسمية والشعبية». والورقة الرسمية السورية تحتم على الوفد السوري عدم التحاور مع وفد الحكومة التركية الذي يمثل القاعدة الرئيسية في دعم الإرهاب بشكل مباشر او من خلال أخذ دور السمسار لدول أخرى، ومنها الدول العربية التي تدعم الحركات الإرهابية وتتقاسم مع الولايات المتحده الأميركية هذا الدور.

وما حاولت الجماعات الإرهابية الممثلة اليوم باسم ما يسمى ائتلاف الدوحة الخائن والذي أمطرنا بالبيانات والتصريحات قبل موعد المؤتمر حول ورقة المعارضة لا يوحي أن هذه الجماعات ذاهبة للتفاوض ولا لتسليم السلاح الخارج عن سلطة الدولة ولا تنوي وقف عملياتها الإرهابية، بل هي تعتبر اليوم أن مرحلة وقف العمليات العسكرية هي مرحلة استجماع للقوة وتحضير لأعمال إرهابية مقبلة، ففي كل البيانات التي صدرت وآخرها كلمة رئيس وفد الجماعات الإرهابية التي تعبّر عن فشل ما يُسمّى معارضة سورية ومَن تمّ اختياره ليمثلها هم مجموعة لا تملك أيّ انتماء وطني وهي تعمل بما يُرضي المشغّل وليس في إطار العمل السياسي المعروف وما تقتضية المسؤولية الأخلاقية اتجاة عدوان دولي على وطن.

قد يكون لهذا المؤتمر أهمية على الصعيد السياسي ومن المنطق أن يكون الحوار مفتوحاً وأن لا نضيّع أي فرصة للحوار، ولكن هل هذا سيُعفي الجماعات الإرهابية ومن يموّلها عن كل الجرائم التي ارتكبت بحق الإنسان السوري؟ ومَن يملك الحق في الإعفاء عن كل هذا الدم الذي تمّ سفكه؟

في القانون أصل العفو عن الدم هو لولي الدم نفسه. واليوم الشعب السوري قد يعفو عن أشقاء سوريين، ولكن هل سيُعفي عن جرائم بالجملة بحقه؟ وهل يمكن أن ننسى مذابح وجرائم تلك الجماعات بحق المدنيين والعسكريين على السواء؟ فالأسرى تمّ قتلهم والمدنيون تمّ ذبحهم على الهوية. واستهداف العلماء وقصف الجامعات والمدارس فمن سيدفع الثمن؟ قد يكون السلام في سورية وتحقيق وقف إطلاق النار نهائياً، وسحب الأسلحة كلها من يد الجماعات الإرهابية وإعادة دور الدولة السياسي والخدمي في المناطق المحتلة من قبل الإرهاب ولإخراج الأجانب كلهم وإعادتهم الى بلدانهم هو ثمن مقبول لإحلال السلام في سورية وغير ذلك فهذا المؤتمر لا يعني شيئاً ولا يمكن ان يكون قاعدة لمؤتمر نهائي في جنيف، وإن كنا كسوريين نفضل ان يكون مؤتمر وطني جامع في دمشق.

اما الملف الانساني، وهو أكثر الملفات الماً وصعوبة، فإنّ المجتمع الدولي ومَن يمثله من مجموعات إرهابية هم المسؤولون فقط عن تدهور الوضع الانساني. وقد شاهدنا ما حدث في حلب وما حدث في دمشق، بعد تخريب مصدر المياه وما يحدث في الفوعة وغيرها من القرى والمدن السورية.

ولا يمكن بعد اليوم قبول ادعاء أي أحد أن الجيش السوري يخرق اتفاق وقف إطلاق النار في وقت تقوم فيه الجماعات الإرهابية بحرمان خمسة ملايين سوري من الماء، ولا يمكن السماح بعد اليوم لوصف الجماعات الإرهابية بأنها معتدلة في وقت تقوم تلك الجماعات بتقديم الدعم بشكل مباشر او غير مباشر لداعش والنصرة، مع العلم أن الجميع إرهابيون ومن دون استثناء، فكلمة جماعة معتدلة هي كلمة اخترعها أعداء سورية لتبرير دعمهم للإرهاب، فالدور التركي لا يتطابق مع التصريحات المتقلبة التي نسمعها كل يوم من أنقرة.

لقد مرت السنوات الست من هذه الحرب والشعب السوري ما زال صامداً ويعلم المجتمع الدولي أن هذه الحرب ما كانت لتستمر لهذا الوقت الطويل نسبياً لولا الصمود الشعبي وإصرار السوريين على وطنيتهم وبناء وطنهم، ولهذا لا يعنينا أي مؤتمر لا يحترم سيادة الوطن السوري، لا اقتطاع ولا مناطق آمنة ولا مناطق نفوذ، فما زال في جعبتنا الكثير وما الاختراقات التركية اليوم من خلال عملية درع الفرات إلا استعراضات فارغة ستدفع تركيا ثمنها. وهي اليوم الضامن كما تشير التقارير للجماعات الإرهابية، اذا ما تم الاتفاق وهذا من مفارقات هذا الزمن أن العالم الذي يدعي محاربة الإرهاب هو نفسه الذي يحمي الدول الراعية والداعمة للإرهاب. وفي انتظار مخرجات هذا المؤتمر علينا أن نتوقع اي فعل معادٍ للشعب السوري. وهذا ما يقوم به داعش اليوم في دير الزور والنصرة في ريف دمشق من أجل إعطاء أوراق تفاوض لتركيا، والأهم لمساعدة الولايات المتحدة الأميركية على المناورة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى