لماذا اتصل ترامب بالرئيس المصري؟
روزانا رمّال
يتحدث ديبلوماسيون غربيون عن العلاقة الواعدة بين الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التي ظهرت منذ ما قبل انتخاب الرئيس ترامب، أي لحظة احتدام السباق الرئاسي الأميركي عندما زار السيسي المرشحين الأميركيين على هامش زيارته للولايات المتحدة في شهر ايلول 2016، للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للامم المتحدة هيلاري كلينتون ودونالد ترامب.
تصرف السيسي بواقعية من دون أن يصطفّ او يعزل مرشحاً عن الآخر تبعاً لرغبات عربية ما او «إسرائيلية» او سعودية. وعلى هذا الاساس بدا ترحيب ترامب بالزائر «الرئيس». يقول متابعون للقاء الاول بين الرجلين في نيويورك انّ علامات التركيز والإصغاء والاحترام المتبادل كانت طاغية على الجلسة من الطرفين. وبهذه الزيارة اكد السيسي ان مصر تتطلع لرغبة بعلاقة مع الرئيس الأميركي الجديد.
يلفت اليوم اختيار الرئيس الأميركي الاتصال بالرئيس المصري كأول اتصال يتمّ مع رئيس بلد عربي، حيث أشاد بجهود القاهرة في مكافحة الإرهاب، مؤكداً التزامه بـ»المساعدات العسكرية لمصر والعمل معها للتأكد من أن هذه المساعدات تدعم المعركة العسكرية ضد الإرهاب».
المفارقة هنا، هي أنها ليست المرة الاولى التي يبادر فيها رئيس أميركي بالتواصل مع مصر كأولوية عربية، فلقد اختار الرئيس الأميركي باراك أوباما أن تكون مصر اولى زياراته لبلد عربي عام 2009. وفي هذا الكثير مما تحمله دلالات العلاقة الأميركية المصرية وموقع مصر المتقدّم في الحسابات الأميركية، مهما كان شكل العهد فيها. فالخطوة الأميركية تدلّ على خلفيات وثوابت تتعامل معها المؤسسة الأميركية الحاكمة في واشنطن في تفصيل وتقدير حجم مصر وحضورها في المنطقة. وهذا خلافاً لما هو معتقد عن ان حضور الدول الخليجية هو اساس العلاقة او الرابط بين الخارجية الأميركية والشرق الاوسط. وهنا تحضر العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لتظهر وكأنها ليست علاقة سياسية او تاريخية بقدر ما هي علاقة ظرفية او مصلحية تتعلق بحسابات وإيداعات مالية أو ما تظهر فيه السعودية من منبع للنفط وليس راسماً للمعادلات السياسية او الاستراتيجيات بالنسبة للولايات المتحدة.
ليست مصادفة، حيث لا يوجد صدف سياسية من هذا النوع في أول عهود الرؤساء الأميركيين، وما تؤشر أولى خطواتهم من معانٍ ودلالات والتعاطي مع مصر بالنسبة لترامب أخذ يتخطى ما يمكن اعتباره علاقة عادية، بعدما تبين اهتمام الرئيس السيسي بملف مكافحة الإرهاب تُضاف إليه العلاقة مع روسيا التي تعززت بعد تولي السيسي الرئاسة ضمن المنظومة نفسها التي تتوافق على ضرورة مكافحة الارهاب. وهذا يعني الكثير بالنسبة للمرحلة المقبلة في الشرق الاوسط. وها هو الرئيس الأميركي الجديد يبدي استعجاله او استعداده للتواصل مع أكثر الدول اهتماماً في هذا الملف ضمن المنطق نفسه الذي توافق عليه الأميركيون والروس في مسائل مثل سورية والعراق. لا يبدو الرئيس السيسي مبالياً بمسألة اسقاط الرئيس السوري بشار الاسد، بل على العكس أرسل أكثر من إشارة ورسالة واضحة نحوه داعماً الجيش السوري في معاركه ضد الارهاب، معتبراً أنه شريك الجيش المصري أيضاً في هذا المسار.
قاسم مشترك قادر على التأسيس لمكانة مميزة لمصر في المنطقة وهو العامل الروسي والعلاقة الجيدة التي ترتسم ما بين الرئيسين ترامب وبوتين وهو العامل الأكثر حضوراً بعدما خصص ترامب اتصاله للبحث في مكافحة الارهاب كأولوية أميركية.
أكبر بلد عربي وحجر الزاوية في العمل السياسي، بالنسبة للأميركيين هي القاهرة. ولا يبدو ان الشراكة الجديدة في المنطقة ستكون بمعزل عن دور فعّال لمصر ستغيب فيه الدول الخليجية، خصوصاً السعودية عن المشهد الصانع للمراحل الكبرى. فالرئيس ترامب لم يخفِ حالة التوتر والعداء التي أظهرها للسعودية في أكثر من خطاب عندما كان مرشحاً منتقداً إياها في مجال شراء السلاح وسياستها في اليمن وحروبها. كلّ هذا يضاف الى اتهاماته الشديدة التأثير والوقع على الرأي العام المؤيد له في مسألة التصويب على العلاقة بين المرشحة هيلاري كلينتون وأفراد آخرين من الإدارة السابقة والتواطؤ مع السعودية لتعزيز وجود داعش في المنطقة وما سمح بانتشار نشاطها في كل العالم.
الكثير من السياسة بين واشنطن، والقاهرة قادرة على خلق وصناعة عناوين المرحلة المقبلة، حيث يُذكر فيها عبارات ردّدها الرئيس الأميركي عقب لقائه السيسي بنيويورك مخاطباً احد الصحافيين قائلاً إنّ «السيسي رجل رائع… كانت توجد كيمياء جيدة بيننا. أنت تعرف حين تكون لك كيمياء جيدة مع الناس.. كان يوجد شعور جيد بيننا». وعد الرئيس ترامب أثناء حملته الانتخابية أنّ الولايات المتحدة ستكون صديقاً مخلصاً لمصر، وليس مجرد حليف، يمكن لمصر أن تعتمد عليه في الأيام والسنوات المقبلة.
زيارة مرتقبة للرئيس السيسي، حسب المعلومات الى واشنطن يجري الاعداد لها عبر القنوات الدبلوماسية، لاستكمال التنسيق والتشاور بين الجانبين بما يحقق تطلعات الإدارتين في ملفات عدة. وهنا بدأت الاسئلة حول ماهية دور مصر في المعادلات الجديدة في المنطقة، خصوصاً في ملفين اساسيين الأزمة السورية والملف الفلسطيني «الإسرائيلي» الشائك، اضافة الى مكافحة الإرهاب كأولوية تجمع اطرافا وتفرق آخرين. والمقصود الدول الخليجية التي ترفض الانخراط ضمن قتال الإرهاب تحت مظلة روسية أميركية مشتركة حتى الساعة، ما يحسم لمصر دوراً ومكانة اساسيين في المنطقة ربما على مستوى استرجاع دورها كمرجعية عربية وازنة.