كيف تفعل قوانين نيوتن للحركة عندنا!؟
نصار إبراهيم
أحيانا أتأمل بعض ما يجري حولنا في الواقع الفلسطيني والعربي من تصرفات جماعية أو فردية عفوية أو واعية… فيأخذني الخيال إلى ما يشبه الفانتازيا أو الإحالات السيريالية…
منذ أيام سألت نفسي – من باب التفلسف طبعاً: هل هناك يا تُرى علاقة رياضية بين تلك التصرفات وقوانين اسحق نيوتن للحركة…!؟
وقوانين نيوتن المقصودة هي ثلاثة قوانين فيزيائية تربط القوى المؤثرة على الجسم بحركته.
فمثلاً… هناك أفراد أو جماعات يسير منحنى حياتهم بصورة رتيبة جداً.. وكأنهم سيعيشون هكذا إلى ما لا نهاية… حركة رتيبة ومملّة إلى حدّ السكون… ذكرني ذلك بقانون نيوتن الأول الذي يقول: «يظلّ الجسم على حالته من سكون أو حركه منتظمة في خط مستقيم ما لم تؤثر عليه قوة محصلة تغير من حالته»… بمعنى أنّ هذا النمط من الناس لا يبادر… إنه فقط ينتظر قوة خارجية ما تدفعه لمغادرة وضعية السكون.. وفي حال حصل ذلك، فإنه من جديد ينتظم في حركة رتيبة تقارب السكون… بل وإنه يحاول بكلّ ما يملك أن يبتعد أو يحيّد أو يتجاهل أية احتكاكات أو تناقض أو مواجهة أو مقاومة مع التحديات التي تواجهه، بما يلغي تقريباً معامل الاحتكاك الذي يؤثر على تلك الحركة الرتيبة.
أما الظاهرة أو السلوك الآخر الذي لفت نظري فهي العلاقة بين سرعة التقدّم في العمر للفرد أو الجماعة البشرية أو النظام أو الحزب السياسي وسرعة تحقيق الأمنيات والطموحات والبرامج… فدائماً هناك أمنيات وبرامج متراكمة… ولكن دون مبادرة فاعلة وحقيقية لترجمتها إلى واقع في الزمن المتاح.. وهكذا تمضي الحياة… حتى يصل الفرد أو الجماعة أو التنظيم السياسي او النظام إلى حالة من الاستعصاء والتناقض ما بين سرعة تقدّمه في العمر وشروط تحقيق الأمنيات والبرامج التي يردّدها بدون حساب… ألا يذكرنا هذا بقانون نيوتن الثاني الذي يقول: «إذا أثرت قوة أو مجموعة قوى على جسم ما، فإنها تُكسبه تسارعاً يتناسب مع محصلة القوى المؤثرة، ومعامل التناسب هو كتلة القصور الذاتي للجسم»… ألا يفسّر هذا القانون الإشكالية المشار إليها أعلاه…؟ حيث إنّ الكثير من الأفراد والجماعات والقوى السياسية تمضي في حياتها بما تكتسبه من تأثير القوى الخارجية… ولكنها لا تنتبه لعامل الزمن… وقانون القصور الذاتي… فتبدّد الفرص المتاحة من دون فعل حقيقي… حتى تأتي لحظة يصبح فيها تسارع هرمها أعلى بكثير من قدرتها على تحقيق أحلامها وأهدافها في الزمن المتاح… وهكذا تواصل الحركة، ولكن في سياق حالة القصور الذاتي لا أكثر.
ولكن يبقى أجمل وأروع وأغرب قانون هو قانون نيوتن الثالث الذي يقول: «لكلّ فعل ردّ فعل، مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه .» هذا القانون المدهش، الذي ترتكز عليه كلّ صناعة الصواريخ وغيرها من إبداعات علمية ورياضية، يفعل فعله وينطبق بصورة مدهشة على كل شعوب الأرض وأممها… ولكن حالما يحاول الفعل في شروط الواقع العربي… فإنه يغيّر من طبيعته وخصائصه بصورة استثنائية فورية، هنا يكون الاستثناء، حيث لا يعود لكلّ فعل ردّ فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه، ما يحصل عندنا هو أنه حين تتعرّض حقوق الشعوب العربية لفعل أو نهب خارجي… لا يكون أيّ ردّ فعل، بل وفي حال حدوث «ردّ فعل» ما فإنه يكون عجيباً وغريباً، ذلك أنه لا يكون معاكساً للفعل الخارجي بل متوافقاً معه بما يكرّس سطوته وهيمنته… فيمضي في الاتجاه ذاته.
فعلاً شيء غريب… بل ويزداد الأمر غرابة حين نكتشف أنّ هناك الكثير من القوانين الكونية تغيّر جوهرها وطبيعتها عندنا… إنها تتخلى عن صرامتها الكونية.. وتتصرف بغرابة شديدة… مثلاً قانون حفظ الطاقة، هذا القانون يفعل فعله بإبداع عند شعوب الأرض، لكنه عندنا يأخذ شكل قانون تبديد الطاقة، سواء أكانت على شكل ثروات طبيعية أم بشرية…
وفي هذا السياق يأتي أيضاً قانون الطاقة الوضعية أو المختزنة، تلك الطاقة الهائلة التي تحتفظ بها المجتمعات لألف سبب وسبب وتستخدمها بما يطلق الإبداع، بينما في واقعنا العربي إما أننا نتجاهلها، أو نهمّشها، أو نحتقرها، وفي حال تمّ استخدامها فإنها تتجه نحو الداخل… في عملية تدمير ذاتي مروّع… هذا ما يحدث الآن بالضبط.
بعد كلّ هذا أعتذر وبأشدّ عبارات الأسف من السير اسحق نيوتن وتفاحته التي نحمّلها كلّ هلوسات نصفنا السفلي… آسف… أقصد عالمنا «السفلي»… عذراً على هذا الالتباس.