إنهاء الانقسام والمصالحة الوطنية…!

رامز مصطفى

لا شك أنّ الانقسام واستمراره قد شكلّا حالة من الإحباط لدى جموع الشعب الفلسطيني ونخبه، من خلفية أنّ ذلك قد أتاح فرصة ذهبية للكيان الصهيوني في توظيفه لفرض وقائعه الميدانية على مجمل العناوين الوطنية، وتهويد القدس وشطب حق العودة تقعان في مقدمة تلك العناوين التي تستهدفها السياسات «الإسرائيلية»، من دون إغفال بقية العناوين وأهميتها.

وفي هذا السياق لم تسفر كلّ اللقاءات والاجتماعات التي عقدت بين قيادات حركتي حماس وفتح، وبالتالي لم تفلح جهود الوساطة التي عملت عليها عدة أطراف سواء فلسطينية المجلس التشريعي.. ومبادرة الدكتور رمضان شلح ، وعربية قطر… والرباعية العربية ، ودولية المبادرة السويسرية . وحتى مشاركة حماس في حضور افتتاح المؤتمر العام السابع لحركة فتح، وإلقاء السيد خالد مشعل كلمة في الحضور، لم تحرك دفة المصالحة نحو الأمام قيد أنملة. ولو استعرضنا عدد تلك اللقاءات والاجتماعات والاتفاقات لكانت أكثر بكثير من كافية لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام. فمن القاهرة في آذار 2005، إلى وثيقة الوفاق الوطني وثيقة الأسرى 2006، واتفاق مكة 2007، ولقاء صنعاء واتفاقه 2008، ولقاء السنغال 2009، ومن ثم القاهرة 2009، والخرطوم 2010، ودمشق 2011، والقاهرة في أيار 2011 والتوقيع على اتفاق المصالحة، إلى المغرب 2012، والدوحة 2012، وبيروت 2013، ومخيم الشاطئ نيسان 2014 في غزة، إلى الدوحة 2015، وجنوب أفريقيا 2016، وسويسرا 2016.

ولكن بدلاً من ذلك فإنّ الانقسام قد تعمّق أكثر فأكثر حتى بات أفقياً وعمودياً، والأغرب ما صرّح به الدكتور موسى أبو مرزوق حول خيار الفدرالية بين قطاع غزة والضفة الغربية، على اعتبار أنه الحلّ الأمثل من استمرار الانقسام. سرعان ما نفت حماس وأبو مرزوق هذا الأمر، وأنه لم يُطرح في مؤسسات الحركة لا من قريب أو بعيد. واللافت أن بقية الفصائل من خارج حماس وفتح لم تحرك ساكناً سوى تحميل المسؤولية للطرفين، والتمني عليهما السير بالمصالحة قدماً، من دون أن تبلور في ما بينها رؤية موحدة تتحرك وفقها. والاستعصاء في ملف إنجاز المصالحة مردّه إلى تمسك كلا الطرفين برؤيته وأولوياته في هذا السياق، فرئيس السلطة محمود عباس كان قد طرح على أمير قطر رؤيته لإنهاء الانقسام، بدءاً من تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم ببرنامج المنظمة، ومن ثم إنجاز الانتخابات، أو الذهاب إلى الانتخابات من دون تشكيل حكومة وحدة وطنية، وعدم عقد المجلس التشريعي. وتريد حماس بالمقابل تنفيذ «اتفاق القاهرة» كسلة واحدة، أو حلّ مشكلة رواتب الموظفين في القطاع، وتشكيل حكومة وحدة تستعدّ للانتخابات، وبالتالي تفعيل المجلس التشريعي والإطار القيادي المؤقت للمنظمة. مما يعني أنّ طرفي الانقسام يريد الاحتفاظ بمكاسبه.

الانتفاضة الثالثة

الشعب الفلسطيني كسائر الشعوب التواقة للحرية والانعتاق من نير محتليها، يُدرك بحسه الوطني العالي أن مسؤولياته تُحتم عليه في كلّ مرحلة من مراحل نضاله وكفاحه أن يتحرك في مواجهة ومقاومة سياسات وانتهاكات الاحتلال الصهيوني، وهذا ما ترجمه في الميدان خلال كل الثورات والانتفاضات التي خاضها مؤكداً حقه التاريخي على أرضه فلسطين، كاشفاً الوجه القبيح للكيان «الإسرائيلي» الغاصب. وهذه هي حال الانتفاضة الفلسطينية الثالثة «انتفاضة السكاكين» التي اندلعت في تشرين الأول عام 2015.

طوت الانتفاضة الثالثة صفحة عامها الأول كاتبة أسطرها بأحرفٍ من دم مُسيّج بإرادة وإيمان لا ينضب بعدالة القضية والحقوق التي لن تموت بالتقادم، أو بتواقيع مَن تنازل وفرّط. صفحة تُضاف إلى صفحات العزة والكرامة الوطنية، ومعارك البطولة والشموخ والإباء التي سطرها شعبنا منذ ما يزيد على 68 عاماً من عمر النكبة الفلسطينية والاغتصاب الصهيوني. صفحة في كتابِ مقاومة لن تُكسر إرادتها وإنْ خبت، أو راوحت في المكان، حتى وإنْ تراجعت. صفحة في السياق التاريخي الطويل من الصراع مع عدو قد حدّد شعبنا مساره في الانتصار عليه مهما طال الزمن، وغلت التضحيات.

والانتفاضة بما مثلته من نموذج للمقاومة الفلسطينية الذكية، تستدعي التوقف أمام نقاط أربعة، قبل الخوض في إنجازاتها وحصادها:

أولها اندلعت الانتفاضة من خارج تكهنّات وتوقعات ما كانت تؤكد عليه النخب الحاكمة في الكيان «الإسرائيلي»، لا انتفاضة سيُقدم عليها الفلسطينيون.

ثانيها بدأت الانتفاضة ولا زالت بمبادرات ذات طابع شعبي، وعمليات ذات طابع فردي.

ثالثها الانتفاضة اندلعت من خارج إرادة السلطة الفلسطينية، على اعتبار أنها تلحق الضرر بالتوجهات والخيارات السياسية القائمة على المفاوضات.

رابعها فشل الرهان على إنهاء الانتفاضة وإجهاضها.

أما في حصاد الانتفاضة وإنجازاتها، فهي وعلى الرغم من شحّ الوسائل المتاحة لديها من أجل مواجهة ومقاومة الاحتلال وقطعان مستوطنيه، الذين أملوا ألاّ تتطور تلك الوسائل إلى مشهد العمليات الاستشهادية التي نفذتها المقاومة خلال الانتفاضة الثانية عام 2000، ورغم ذلك تمكنت من:

أولاً: أن توحد قطاعات وفئات الشعب الفلسطيني حولها، إما من الذين قد انخرطوا فيها، أو احتضنوها والتفوا حولها وساندوها.

ثانياً: أن تفرض تأثيرها ووقعها على مجتمع الاستيطان وكيانه الغاصب، نفسياً ومعنوياً واقتصادياً حيث الارتفاع الملحوظ على هبوط مستوى الاستثمارات، وتأثر البورصة والشلل في السياحة بشقيها الداخلية والخارجية خاصة في مدينة القدس.

ثالثاً: أن تؤجّج الخلافات بين المكونات السياسية والحزبية في الكيان، وطفو الاتهامات المتبادلة بينها إلى سطح المشهد الحكومي والائتلاف المكون له حول المسبّب في اندلاع ما أسموه بـ«العنف الفلسطيني».

رابعاً: أن تعمل على مزيد من انكشاف السياسة الإجرامية والإجراءات التي اعتمدتها حكومة نتنياهو، مما أثر على صادرات المستوطنات وعدم استقبالها في معظم دول الاتحاد الأوروبي، واتساع رقعة المقاطعة من خلال حملات B DS .

خامساً: تمكنها من تنفيذ العشرات من الهجمات والعمليات النوعية والتي تنوعت بين الطعن والدهس واستخدام السلاح، والتي نوجز أهمّها عملية «إيتمار» في الأول من تشرين الأول 2015، عملية طعن وإطلاق نار نفذها الشهيد البطل مهند الحلبي في الثالث من تشرين الأول 2015، عملية طعن في ساحة باب العمود نفذها الشهيد محمد سعيد علي في الثالث عشر من تشرين الأول 2015، نفذ الشهيد بهاء عليان والأسير بلال غانم عملية مزدوجة تخللها طعن وإطلاق نار داخل باص صهيوني، عملية دهس ينفذها الاستشهادي علاء أبو جمل في إحدى محطات الباصات، الاستشهادي مهند العقبي ينفذ عملية جريئة داخل محطة باصات في بئر السبع، الاستشهادي محمد حروب يُقدم على تنفيذ عملية قرب مستوطنة «غوش عتصيون»، الاستشهادي نشأت ملحم نفذ عملية في قلب تل أبيب، الاستشهادي عبد الحميد أبو سرور نفذ عملية تفجير باص صهيوني، المقاومان محمد وخالد المخامرة ينفذان عملية إطلاق نار على مقهى بوسط مغتصبة «تل أبيب».

جاءت «انتفاضة السكاكين» كشكل جديد من أشكال مقاومة الاحتلال، إذ يحاول شبان عزل إلا من سكين، مهاجمة جنود أو مستوطنين، لينتهي بهم المطاف إلى الاستشهاد برصاص الاحتلال أو الاعتقال. ونتيجة لهذه الهجمات، استشهد 243 فلسطينياً منذ تشرين الأول عام 2015، فيما قتل 40 إسرائيلياً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى