رحيل شاعر العاميّة المصري سيّد حجاب

توفي الشاعر المصري سيد حجاب مساء الأربعاء الماضي في مستشفى المعادي العسكري، عن عمر ناهز 77 سنة، بعد صراع مع المرض.

وكان لنشأة حجاب في مدينة المطرية بالدقهلية، وهي مدينة صيادين صغيرة على ضفاف بحيرة «المنزلة»، تأثير كبير في شعره، وبدا ذلك واضحاً منذ ديوانه الأول «صياد وجنيّة».

اشتُهر حجاب كأحد شعراء العاميّة الكبار في مصر، وله عدد من الأعمال الدرامية أبرزها بعض فوازير رمضان التي قدّمتها شيريهان، كما كتب أغنيات لكبار الفنانين، ومن أشهر قصائده: «الطوفان»، «سلوا قلبي»، «السلم»، «الكرسي»، و«زي الهوا».

إلى ذلك، وفور تلقّيهم الخبر، عبّر عدد كبير من الممثلين والفنانين في مصر، عن حزنهم لوفاة حجاب، وحرصوا على نعيه عبر صفحاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.

النجمة شيريهان نعت حجاب، وكتبت في حسابها على «تويتر»: «في سلام الله يا حبيبي. زيّ النهارده ثورة يناير، كانت إيدك في إيدينا ونزلنا على ميدان التحرير، حيّاً ترزق في قلبي يا توأم روحي».

الفنانة دنيا سمير غانم، نعت حجاب حيث كتبت: «البقاء لله الشاعر العظيم سيد حجاب، تشرّفت بالعمل معه وبغناء كلماته في مسلسل زمن عماد الدين».

الممثلة صابرين ودّعت حجاب بكلمات من أشعاره، قائلة: «ماتمنعوش الصادقين عن صدقهم ولا تحرموش العاشقين من عشقهم، كلّ اللي عايشين من البشر من حقّهم يقفوا ويكمّلوا ويتوهوا أو يوصلوا… وداعاً سيّد حجاب».

الممثل صلاح عبد الله من ناحيته قال: «وداعاً سيّد شعراء العامية… وداعاً حجاب المحبّة والطيبة والحنّية… وداعاً بحر الإبداع والوطنية، كلّ بحور الشعر تبكي لرحيلك يا سيّدي».

أما الملحّن محمد رحيم فقال: «أتقدّم بأحرّ التعازي بِاسم كلّ المبدعين المصريين لأسرة وجمهور الشاعر الكبير سيد حجاب…».

وقال الفنان تامر حسني: «البقاء لله، مصر فقدت شاعراً كبيراً عبقرياً مثقّفاً متواضعاً صدره رحب دائماً، عمّ سيد حجاب حاتوحشنا وهتفضل سيرتك وأعمالك العظيمة في قلوبنا وهتوحشني مُكالماتك ونصايحك الطيّبة».

الفنانة سيمون نشرت فيديو لأغنيتها «ببكي والبحر واخدني» من كلمات حجاب، وعلّقت: «سيد حجاب عمار الشريعي، من مسلسل حلم الجنوبي… الرحمة لروحيهما».

أما المنتج مدحت العدل فقال: «وداعاً سيد حجاب شاعرنا العظيم الذي تعلّمنا منه، عاش ووطنه في قلبه وعلى لسانه، يغنّي به وله ويحلم به أجمل وأروع من اختمار الحلم ييجي النهار».

الممثل خالد النبوي قال: «الرحمة لروحك يا عاشق الوطن يا مصري. خسارتك كبيره قوي يا عمّ سيد… الرحمة لروح شاعر الحقّ والحرّية… سيد حجاب 25 يناير».

بدوره، قال الشاعر أيمن بهجت قمر: «بقالي يومين مقبوض ومتأكد إني هسمع خبر وفاة أستاذي وعمّي وصاحب أبويا الأستاذ سيد حجاب. مش عارف أقول إيه. راح للغاليين».

الشاعر أمير طعيمة كتب كلمات من «تتر» نهاية مسلسل «المال والبنون»: «بحلم وافتح عنيّا على جنة للإنسانية والناس سوا بيعيشوها بطيبة وبصفو نيّة».

أما المخرج خالد يوسف فقال: «ستظلّ ثورة 25 يناير أنبل الثورات وسيظلّ سيد حجاب واحداً من أهم مفجّريها ومنظّريها وأشرف مَن دافع عنها وعن شبابها».

وفي ما يلي، مقتطفات مما كتبه الزميل أحمد إبراهيم الشريف في صحيفة «اليوم السابع» المصرية:

سيّد حجاب، شاعر له مذاق خاص، لا يشبه أحداً. مكانه دائماً محجوز في روحك، كلماته تنزل على قلبك فتجد لها وقعاً. الشعر لديه ليس مجرّد نَظم كلمات ورصّ حروف، لكنّها الموسيقى التي تأخذ بشغاف القلب، والحكمة التي تغلّف كلّ ما يقوله. كلماته تسكنها الفلسفة، لكن الفلسفة عنده ليست نظريات محفوظة في أطر جافة، إنها حكمة البسطاء الذين يردّدون دائماً رغم تعبهم «ما تسرسبيش يا سنينّا من بين إيدينا/ ولا تنتهيش ده احنا يا دوب ابتدينا/ واللي له أول بكرة حيبان له آخر/ وبكرة تفرج مهما ضاقت علينا»، لكن يبدو أن السنين قد سرسبت ومات سيّد حجاب.

سيّد حجاب واحد من أبرز شعراء العاميّة، شاعر استعاد للشعر التصاقه بالتجربة الحسّية. لُقِّب بشاعر الفقراء، فهو حامل همومهم، تميّز بكتابة الكلمة البسيطة المعبّرة عن رؤى المجتمع المصري، والتغلغل في أعماق الأعمال الدرامية التي يكتب كلماتها.

وُلد الشاعر سيد حجاب لأسرة متوسّطة في قرية المطرية، أقصى الشمال الشرقي من محافظة الدقهلية على شواطئ بحيرة «المنزلة» في مطلع أربعينات القرن الماضي، ورحل إلى مدينة الاسكندرية للالتحاق بكلّية الهندسة.

غادر سيّد حجاب الاسكندرية واستقرّ في القاهرة ليلتقي كبار الشعراء الذين سبقوه، كصلاح جاهين، فؤاد قاعود، فؤاد حداد، وزملاء جيله كعبد الرحمن الأبنودي ويحيى الطاهر وغيرهما، وارتبط ببعض تجمّعات اليسار، واعتُقل لشهور عدّة فازداد عشقاً للناس وللغلابة.

ومع بداياته في القاهرة، قدّم سيّد حجاب مع عبد الرحمن الأبنودي برنامجاً إذاعياً بعنوان «بعد التحية والسلام»، ثم ألّف ديوان «صياد وجنّية» الذي حمل أصداء التأثير الكبير لنشأته في المطرية على ضفاف بحيرة «المنزلة»، حيث تعلّم معنى الكفاح من حياة الصيادين الفقراء، كما تعلّم منهم الشعر الذي شكّل الحادي في حياة هؤلاء الناس، فالحياة هناك كما في كل قرى مصر تمارس بالغناء والشعر في كل لحظة من الميلاد وحتى الموت.

إلا أن أكثر ما أحزن حجاب بعد صدور ديوانه، وعلى رغم الحفاوة التي قوبل بها في الوسط الثقافي ـ آنذاك ـ أنّ شعره لم يصل إلى الجمهور، إلى هؤلاء الفقراء الذين كتب عنهم ولهم، وقد شعر بعبث أن يكتب في وطن تغمره الأمّية. لذلك، توجّه مبكراً إلى كتابة الأغنية التي شعر أنها أقصر طريق يمكن أن يسلكه المبدع حتى تصل رسالته. وقد قدّم في هذا الإطار مجموعة من التجارب الرائعة خلال مشواره الطويل مع الموسيقار الكبير عمار الشريعي وآخرين، أثرت تاريخ الأغنية المصرية، كما عكست إصراره على تقديم فهم مختلف لدور القصيدة، قصيدة تلاحق الحكمة، فتشعر حين تنصت أنك أمام حالة تفكير، تأمل، ووعي حاد يلامس الهمّ الإنساني ويصفّيه فيطالعك وجه الحقيقة الدمس والغامض.

كتب سيّد حجاب عدداً من الأغاني التي ارتبطت بها الأعمال الدرامية مثل: «ليالي الحلمية»، «الأيام»، «الوسية»، «الشهد والدموع»، «المال والبنون»، «حدائق الشيطان»، «ناصر»، «غوايش»، «أحلام لا تنام»، و«الأصدقاء»، وغيرها الكثير من المسلسلات، كما كتب أغاني فيلم «الاراجوز»، وعدداً من الأغنيات التي تغنّي فيها مجموعة من المطربين أشهرهم المطرب علي الحجّار كما في «هنا القاهرة»، و«يا مصري».

حصل سيّد حجاب على عدد من الجوائز أهمها جائزة «كفافيس الدولية» لعام 2005 في الشعر عن مجمل أعماله، كما كرّمه معرض تونس الدولي للكتاب في دورته السادسة والعشرين باعتباره أحد رموز الشعر الشعبيّ في العالم العربي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى