تفاصيل صغيرة
مَثَل عربيّ قديم: «الحرب بالنظارة سهلة»… وربما كثيرون لا يعرفون مصدر هذا المَثَل. وحكايته باختصار أنّ هناك قبيلة تدعى «النظارة»، كان أبناؤها حين تقوم حرب بين قبيلتين يتابعون الحرب من وراء الكثبان الرملية، ويبدأون بالتلويح من بعيد: أنت اِضرب… أنت اُهجم… أنت تقدّم… ولذلك ذهب مَثل «أن الحرب سهلة بالنظارة» بل لعلّ التنظير أيضاً كمفردة لغوية اشتُقّت من «تنظيرهم» في الحرب.
واليوم، ونحن على أبواب نهاية السنة السادسة للحرب، تتنازعنا هواجس ومخاوف بعضها يتعلّق بزمن انتهاء الحرب، وبعضها يتعلّق بكيفية انتهائها، والبعض الآخر يتعلّق بالغموض المكتنف قادم الأيام.
وهنا أودّ أن أتكلّم بصراحة قد تؤذي مشاعرنا كسوريين: هل تعتقدون، ونحن حالياً في معمعمة الحديث عن مسودّة دستور روسيّ لسورية، أن من شارك في الحرب لن يكون شريكاً في اقتسام الغنائم؟
يجب أن نعي حقيقة أن كلّ من كان أداة للأجنبي لتحقيق الأجندات الخارجية، يعرف يقيناً أنه لا يمكن له العودة إلى سورية إلا من خلال اتفاقيات وتسويات دولية تضمن له مشاركة ما في المستقبل. لا من باب استحقاقه هذا الدور، إنما نوع من الحصانة والحماية له لتدرأ عنه نتائج المرحلة السابقة.
كلّ حرب تؤدّي بشكل أو بآخر لانتقاص سيادة الدولة التي تجتاحها. فتجعلها عرضة لتدخل الحلفاء طوّعاً ولتدخّل الأعداء عنوةً. وطالما أن بعض من يجلس معنا الآن ليضع خارطة نهاية الحرب هم من أوقدوا فتيلها وأذكوا نارها. أياديهم أوكت وأفواههم نفخت. فيجب أن نفهم أن السيادة الكاملة سنعاود امتلاكها حين تتعافى سورية الدولة والوطن…
الماضي عشناه، الحاضر نحياه، لكنّ المستقبل ما زال يعوّل علينا… على من أحبّ هذه الأرض وأخلص لها وضحّى لأجلها.
السياسة لا ضمير لها وقد تساوي ما بين القاتل والضحية، لكنّ ذاكرة الشعوب حيّة لا تموت، فهل يسامح الوطن خائنيه؟ نترك الإجابة للتاريخ…
يا ابنة الشمس، يا أمّ عشتار وزنوبيا وجوليا دومنا، إنّ الفجر قريب، وللحديث تتّمة…
منى عبد الكريم