بين قرار ترامب وقانون «الأدلة السرية»
معن حمية
طبيعي أنّ يُواجَه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بهذا الكمّ الهائل من الانتقادات، رفضاً لقراره حظر دخول مواطني 7 دول إلى الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً من قبل مواطنيه الذين يدركون بأنّ هذا القرار لا يلغي التهديدات الأمنية، إنما يلغي الصورة النمطية المأخوذة عن الولايات المتحدة الأميركية بوصفها بلد الحريــــة!
ومن حق الدول التي استهدف القرار رعاياها، أن تعلن مواقف الرفض والإدانة، وأن تلجأ الى اتخاذ خطوات تصعيدية، أقلها إجراء التعامل بالمثل، أقله لإفشال أهداف القرار الذي يُعدّ محاولة لوصم الدول المستهدفة بأنها تصدّر الإرهاب.
أما الغرابة، فهي في المواقف الأوروبية المنتقدة لقرار ترامب، علماً أنّ دولاً أوروبية عديدة، اعتمدت سياسات مشابهة للحدّ من تدفق المهاجرين، وهناك منظمات حقوقية وإنسانية تتحدث في تقاريرها عن جدران عازلة تقيمها دول أوروبية، على غرار الجدار في سبتة ومليلة بين المغرب وإسبانيا، والجدار بين بلغاريا وتركيا، وحتى داخل أوروبا ذاتها هناك جدار بين هنغاريا وصربيا.
وعليه، فإنّ الانتقادات الأوروبية لقرار ترامب، ليست تعبيراً عن الرأفة برعايا الدول المستهدفة، فهؤلاء الرعايا تعرّضوا للقتل والتهجير والنزوح جراء الحروب التي قرّرتها الدول الأوروبية مع الولايات المتحدة الأميركية، ودعمت مجموعات إرهابية متطرفة للقيام بها تحت مسميات عدة.
وانتقاد الدول الأوروبية قرار ترامب ليس دفاعاً عن الحرية و«القيم» الأميركية، بل لتسليط الضوء على المسار الانحداري للولايات المتحدة الأميركية. فالدول الأوروبية الفاعلة سبق لها أن وجهت عبر مسؤوليها ووسائل إعلامها انتقادات لترامب قبل وصوله إلى البيت الأبيض، لأنها ترى في وصوله الى الرئاسة الأميركية تصدّعاً لبنية أنظمتها القائمة.
القارة العجوز، لا تهضم فكرة فقدان «المأوى» الأميركي. وهي تتوجّس من أن يلجأ ترامب إلى وضع دفتر شروط للمنتسبين إلى هذا «المأوى»، خصوصاً أنّ ترامب آتٍ من عالم التجارة، ولا يقدم على أيّ أمر من دون الحصول على أثمان. ولعلّ إعلانه بأنّ «حلف الناتو» منظمة «عفا عليها الزمن»، وإعلانه بأنّ المناطق الآمنة في سورية ستقام بأموال دول الخليج، وأنّ حائطه مع المكسيك لا بدّ أن تدفع ثمنه المكسيك، ونيته فرض رسوم كبيرة على السيارات الألمانية، وغير ذلك من التوجهات والنيات، كلها تدفع الأوروبيين إلى التوجّس والفزع، وضرب الأخماس بالأسداس، حول ما يخبّئه المستقبل للقارة العجوز.
والفزع الأوروبي ليس من أميركا، بل من ازدياد نفوذ روسيا الاتحادية في المنطقة والعالم، وأيضاً من صعود الصين اقتصادياً. وكما هو واضح، فإنّ الحملات الإعلامية والسياسية الأوروبية خلال الانتخابات الأميركية ركزت على علاقة ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتوجّس من تطور هذه العلاقة إيجاباً، بما يضاعف حجم تهميش القارة العجوز.
عود على بدء، فإنّ مفاعيل قرار ترامب بمنع دخول رعايا دول معينة الى أميركا، قد لا يؤثر كثيراً على الرعايا المستهدفين، لكنه بالتأكيد يؤثر على الصورة النمطية لأميركا، ويكشف صورتها الحقيقية التي تتماثل مع دول عديدة تدّعي الحرية ولا تمارسها.
قرار ترامب يستحق الإدانة، لكنه أقلّ ضرراً من قرارات اتخذتها الإدارات السابقة، ومنها قرار دعم الإرهاب لإشعال الحروب في الدول، وقرار اعتماد قانون «الأدلة السرية» الذي استخدم ضد رعايا دول عديدة معظمهم يحمل الجنسية الأميركية، فجرى اعتقالهم وحبسهم وتهجيرهم الى دول أخرى.
إن ما نشهده اليوم، من غضب داخلي في أميركا ضد ترامب وقراراته، هو تصفية حسابات داخلية لا علاقة لها برعايا الدول الممنوعة من الدخول الى أميركا.
وما نشهده من انتقادات أوروبية لترامب، لا علاقة له بالرعايا المشمولين في القرار، لأن هذه الدول مجتمعة مسؤولة عن الحروب التي عصفت في دول عدة، وبالأخص هم يتحملون المسؤولية عن إراقة الدم السوري وتدمير سورية.
ما يحدث من «تصادم» بين الدول الأوروبية والإدارة الأميركية الجديدة، قد يشبه إلى حد كبير ما يحدث بين المجموعات الإرهابية المتطرفة على الأرض السورية.. إنها لعنة سورية على هؤلاء كلهم.
عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي