جدار ترامب وتحجُّر الطائفيين في لبنان!
خليل إسماعيل رمَّال
… وهكذا فعلها ترامب ونفَّذ ما وعد به خلال حملته الانتخابية، حيث لم يمض أكثر من أسبوع على تسلمه مقاليد الرئاسة حتَّى وقّع «أمراً تنفيذياً» للبدء ببناء جدار عازل بين أميركا ودولة المكسيك على أن تتحمَّل الأخيرة نفقات التشييد.
فقد صدر قرار ترامب الرئاسي في أعقاب أسبوع متعثِّر لإدارته أولاً بسبب بلاهة الناطق باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، الذي ادَّعى أنَّ حضور مراسم تسلَّم رئيسه للحكم من الرئيس السابق أوباما، كان الأكثر عدداً في تاريخ أميركا، فكذَّبَه الإعلام بنشر صورة تظهِر العكس تماماً أثناء تنصيب أوباما. ثم جاءَتْ محاولة مستشارة ترامب كيلين كانوي كي «تكحِّل» دَجَل سبايسر فأعمته تماماً عندما اخترعت مقولة إنه كان يسرد «حقائق بديلة»، ممَّا أثار تهكُّم السلك الصحافي برمَّته والسوشال ميديا.
وفي الأسبوع المضطرب نفسه، حصلت التظاهرة النسوية المناهضة لترامب والتي بلغ عدد المشاركين فيها نصف مليون لكي تفسد عليه شهر العسل في الحكم … ومن المقرّر أنْ يقرِّر ترامب أيضاً وقف برنامج هجرة اللاجئين السوريِّين وتعليق تأشيرات دخول للمتقدّمين لها من بلدان عدة. وهذا سيكون قراراً فارغاً لن يحمي أميركا من الإرهاب لسبب بسيط هو أنَّ بعض المجرمين «الدواعش» يحملون باسبورات أوروبية!
هذه هي إذاً استراتيجية ترامب الجديدة للخروج من مأزق الوعود الانتخابية: تمويه الحقائق وابتكار حقائق جديدة بديلة تخلط الأمور، بحيث يصبح الالتباس سيِّد الموقف ويتحوّل النقاش إلى ما هي الحقائق الأصيلة وما هي البديلة؟ من هنا القرار الرئاسي ببناء الجدار والذي لم يحدّد متى وأين يُبنى وكيف تُرصَد ميزانيته، ذلك لأنّ المكسيك لن تخنع له ولن تدفع ثمن جدار يعزلها عن محيطها. وهي إذا بدأت حرب هجرة شاملة لمواطنيها برعاية رسمية، فلن ينتصر فيها ترامب.
إذاً، فالقرار له دلالة رمزية فقط لتطمئن قلوب قاعدة ترامب الانتخابية، ولا معنى عمليا له، لأنّ ما لم يتطرق اليه الإعلام ولا الحزب الديمقراطي الفاشل هو أنّ جداراً موجوداً بالفعل على الحدود الجنوبية لأميركا التي تبلغ 1900 ميل، أمَّا مساحة الجدار فتبلغ 700 ميل بالإضافة إلى أجهزة الإنذار المبكر والأسلاك الشائكة والكاميرات الحساسة. هذه حقيقة ضاعت بين حقائق البدائل والحزب الديمقراطي المتقاعس، الذي أبى أن يتسلم رئاسته سناتور مينيسوتا كيث أليسون وفضَّل قريبة مت رومني الطرية العود عليه لأسباب صهيونية واضحة، هو حزب جبان لا يُعوَّل عليه أيضاً!
وعلى سيرة ترامب والجدار مع المكسيك، فإنّ بعض اللبنانيين تفوّقوا عليه في «التفكير»، وتفتقت عبقرية أحد المشرّعين وكنيته حرب بتقديم مشروع قانون يمنع بيع العقارات من مواطن معيّن إلى آخر من غير طائفته، من دون ان يسري هذا المنع على الآخر! وقبل «عبقرية هذا المشرّع، رفع أحد أمراء الطوائف الصوت عالياً خوفاً من شراء أراضٍ في الجبل منطقة المشرف تحديداً من قبل مواطنين من طائفة أخرى، وبعد ذلك، أُتحفنا بالقانون الأرثوذكسي الطائفي!
بعض اللبنانيين لا يجدون عيباً في التحجّر الطائفي، ليس على الصعيد السياسي فحسب، بل على الصعيد العقاري. انّ «التطهير العقاري» هو على طريقة التصنيف العرقي بل أخطر منه، لأنه يفصل المناطق السكنية عن بعضها بعضاً ويضع كلّ زاروب وحي بعهدة مذهب او أمير طائفي أو رأسمالي متوحش.
تصوّروا لو أنَّ أحد مالكي البيوت في أميركا أو أوروبا تجرّأ ورفض تأجير منزله لأفريقي أسود؟ هناك قوانين تمنع هذه الممارسات التمييزية التجارية العقارية وتعتبرها جرائم موصوفة، لكن في لبنان يتمّ التمييز العنصري على رؤوس الأشهاد. حتَّى في التوظيف!
هذه محرّمات في الدول الراقية، لكننا نتحدث عن نظام غير قادر على إنتاج قانون انتخاب عصري يعتمد النسبية، كرمى لعيون الطائفيين والتقسيميين.
لقد أحسن الرئيس العماد ميشال عون بتفضيل الفراغ النيابي على التمديد النيابي للنواب فوجودهم وعدمه قلة فرق. وأفضل وظيفة في العالم هي وظيفة النائب في لبنان، خصوصاً عندما يكون عاطلاً عن العمل طيلة العام، فالساسة لا يريدون قانوناً عصرياً للانتخاب بل قانوناً مختلطاً وملتبساً وبديلاً. واذا كان ترامب قد بدأ اليوم فقط بترويج الحقائق «البديلة» فسياسيو لبنان منذ القِدَم علّموها للبشرية.