قراءة في المشهد الفلسطيني 2016 4 … الانتهاكات «الإسرائيلية» والاستيطان
رامز مصطفى
الانتهاكات اليومية وسياسة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، مفردات عمل ثابتة في ممارسات كيان الاحتلال الصهيوني منذ اغتصابه للأرض الفلسطينية، وهي في تصاعد متواصل منذ العام 1948، والهدف منها تكثيف الاستيطان وبناء المستعمرات على حساب الفلسطينيين وممتلكاتهم وأرزاقهم. وقد ازدادت عمليات الاستيطان وبناء البؤر الاستيطانية على أراضي الضفة والقدس خلال العام 2016 بشكل ملحوظ. مضافاً لذلك جملة الانتهاكات التي أقدم عليها الكيان «الإسرائيلي»، وهذا ما أكده تقرير صادر عن الأمم المتحدة: «إنّ السلطات الإسرائيلية هدمت وصادرت 1089 مبنى يملكها الفلسطينيون في أنحاء الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية المحتلة عام 2016». وقد أدّت عمليات الهدم إلى تشريد 1593 فلسطينياً، وانعكست سلباً على حياة 7101، بحيث حظيت المنطقة ج والتي تمثل 60 من أراضي الضفة المحتلة، على النصيب الأكبر في عمليات الاستيلاء «الإسرائيلي» لصالح بناء المستعمرات.
وقد أشار التقرير ذاته، إلى أنه مع نهاية تشرين ثاني كان نحو 51 ألف فلسطيني في قطاع غزة لا يزالون مشرّدين بسبب الحرب عام 2014. مؤكداً من جانب أخر أنّ عدد الضحايا الفلسطينيين في كانون الأول الماضي بلغ 109. ولاحظ التقرير انخفاضاً في عدد الجرحى، وبلغت 3427 فلسطينياً. وفي تقرير حقوقي فلسطيني أفاد أنّ جرافات جيش الاحتلال هدمت أكثر من 120 منشأة أوروبية التمويل في الضفة في الربع الأول من العام، وآخر أشار إلى هدم أو مصادرة 600 مبنى في الضفة بعد تحرك الاتحاد الأوروبي لوسم منتجات المستوطنات.
أما في الاستيلاء على الأراضي ومن ثم الاستيطان، فقد استولت سلطات الاحتلال خلال عام 2016 على أكثر من 12326 دونم تحت ذريعة أنها «أراضي دولة»، كما تمّ الاستيلاء على مئات الدونمات على الطريق الواقع بين مفرق حوارة ومفرق جيت على طريق «يتسهار» نابلس، بهدف بناء ستة أبراج عسكرية لحماية طريق المستوطنين. كما تقوم طواقم ما تسمّى «الإدارة المدنية» بمسح أكثر من 62 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية وترسيمها، بهدف ضمّها في ما بعد لصالح المستوطنات.
ووثقّ مركز عبد الله الحوراني نحو 27335 وحدة استيطانية جديدة في مراحل البناء والتخطيط والمصادقة، منها 19 ألفاً فقط في مدينة القدس، كما تمّت المصادقة على بناء 4416 وحدة في مستوطنة «موديعين» غرب من رام الله، وعن مخطط هيكلي جديد لمستوطنة «مخماش مزراح»، يهدف لتحويل مستوطنات «معاليه مخماش»، و»ريمونيم»، و»بساجوت» و»كوخاف يئير» إلى «ضاحية سكنية كبيرة»، وبناء 2500 وحدة سكنية جديدة، إضافة إلى 98 وحدة سكنية جديدة ستستخدم لإسكان مستوطني بؤرة «عمونا» الاستيطانية التي بنيت على أرض فلسطينية والمقرّر اخلاؤها، والإعلان عن مئات الوحدات الاستيطانية في مستوطنات بيت لحم والخليل وسلفيت ونابلس. وبهدف شرعنة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة، عمدت حكومة نتنياهو إلى إقرار قانون تسوية الأراضي أو ما يسمّى بـ «تبييض المستوطنات».
من المؤكد أنّ عمليات الاستيلاء على الأراضي وبناء المستعمرات عليها، تأتي في سياق فرض الاحتلال وقائعه الميدانية الهادفة إلى وأد أيّ أمل في إقامة دولة فلسطينية يتطلع إليها الفلسطينيون، وبالتالي قطعاً في الطريق على أية إمكانية للسير بما يسمّى بـ «حلّ الدولتين».
في الإخفاقات والنجاحات
لا شك أنّ العام 2016 قد شهد جملة من الإخفاقات والنجاحات الفلسطينية على الصعيدين الداخلي والخارجي. على الصعيد الداخلي حيث تجلى بالإخفاقات التالية:
مثّل استمرار الانقسام نكسة كبيرة للقضية الفلسطينية، من خلفية أنّ الانقسام سمح للاحتلال بتوظيفه في طحن العناوين الفلسطينية…
ـ تطيير الانتخابات المحلية بالكامل، بعد أن كانت المحكمة العليا قد أجازت بعدم إجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة.
ـ الاستمرار في تغييب المنظمة والقفز على قراراتها، وتمثل قرارات المجلس المركزي التي لم تنفذ بعد مرور ما يزيد عن السنة والنصف عليها، الأمر الذي أدانته مختلف الفصائل والهيئات والنخب الفلسطينية
ـ إفراغ القضاء في السلطة الفلسطينية من مضامين عمله، بعد أن منحت المحكمة الدستورية صلاحيات رفع الحصانة، وهو ما اعتبر أنّ العام 2016 عام القضاء على «القضاء»
استمرار التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية للسلطة، وأجهزة الأمن «الإسرائيلية»، وبوتيرة عالية.
ـ التراجع عن التهديدات السابقة بحلّ السلطة وتسليم مفاتيحها للاحتلال باعتبار أنها غدت سلطةً بلا سلطة.
ـ المزيد من التهميش للقضية الفلسطينية، بسبب ما تشهده العديد من دول المنطقة من حروب، وبالتالي الهرولة المتسارعة التي تبديها عدد من الدول العربية في التطبيع مع «إسرائيل»، بعد أن تحوّلت اللقاءات والزيارات للعديد من الوفود «الإسرائيلية» بالصفة الرسمية والرياضية والتجارية، أمراً اعتيادياً إلى عواصم تلك الدول من خليجية وغيرها، مع إبداء تلك الدول الرغبة في استبدال أولويات الصراع في المنطقة، ليتحوّل مع إيران، بعد أن تورّطت هذه الدول خلال السنوات الماضية في الحرب ضدّ الدولة السورية.
أما في النجاحات، فإنّ من أهمّها:
ـ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو تبنّت قراراً ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق، ويعتبرهما تراثاً إسلامياً خالصاً.
ـ اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة، لثمانية مشاريع قرارات تتعلق بوكالة الأونروا، واللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في ممارسات الاحتلال «الإسرائيلي»، التي تمسّ حقوق الإنسان للشعب الفلسطين.
ـ تبنى مجلس الأمن الدولي بأغلبية ساحقة، القرار 2334 الذي يُدين الاستيطان «الإسرائيلي» ويطالب بوقفه في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس والجدير ذكره أنّ دول السنغال وماليزيا وفنزويلا ونيوزلندا تقدّمت بمشروع قرار ضدّ الاستيطان لمجلس الأمن الدولي للتصويت عليه. وعلى رغم أنّ القرار معنوي ولا يتضمّن عقوبات، إلا أنه يؤسّس لمرحلة جديدة في مواجهة الاستيطان على الساحة الدولية
البعثة الفلسطينية في بريطانيا تُطلق حملة واسعة لمناسبة مئوية «وعد بلفور»، وطالبت فيها الحكومة البريطانية باعتذار رسمي وتحمّل مسؤوليتها عن هذا الوعد الذي منح اليهود وطناً قومياً لهم في فلسطين، على أن يكون الاعتذار مربوطاً بالاعتراف بدولة فلسطين.
حملة المقاطعة B D C
مع توسع حملات المقاطعة الدولية B D C ، فقد اكتسبت تلك الحملات زخماً متزايداً باعتبارها ساحة من ساحات المواجهة مع الكيان «الإسرائيلي»، الذي ينظر إليها بقلق بالغ لسببين:
الأول بسبب هذا التجاوب الشعبي العالمي مع نضالات الشعب الفلسطيني وتحسّس ما يعانيه من الممارسات الإجرامية لـ»إسرائيل».
الثاني بسبب تلك الخسائر الفادحة التي تكبدها الاقتصاد «الإسرائيلي»، والتي بلغت 31 بليون دولار، ما اضطر حكومة نتنياهو إلى وضع خطة لمواجهة حملات المقاطعة، وخصصت مبلغ 26 مليون دولار، لهذه الغاية.
وقد حققت الحملة اختراقات هامة، حيث كان تجاوب العديد من النقابات العمالية والمنظمات الكنسية والجامعات ومؤسسات الفنون والثقافة والمجالس المحلية، وما رافق ذلك من عرائض وقعها مشاهير تدعو إلى إنهاء الاحتلال. وقد نجحت الحملة في تحقيق الآتي:
ـ حمل فرنسا على التراجع عن شراء طائرات من دون طيار «إسرائيلية».
ـ المجلس الوزاري الأوروبي يُعلن التزام الاتحاد ودوله التقيّد بالترتيبات الخاصة بوسم منتجات المستوطنات. وبدأت سلطات الجمارك الأميركية أيضاً بوسم منتجات المستوطنات.
ـ أعلن صندوق التقاعد التابع للكنيسة الميثودية، أكبر طوائف أميركا، وقف التعامل وسحب الاستثمارات من 5 بنوك «إسرائيلية» لدورها في مشاريع الاستيطان.
ـ صادق مجلس حقوق الإنسان بالغالبية على مشروع يحدّد قائمة سوداء بالشركات التي تتعامل مع المستوطنات.
ـ أقام ناشطون أميركيون من أصول فلسطينية دعوى قضائية ضد الأثرياء الداعمين لإسرائيل.
ـ انضمّت الحركة المدنية الاجتماعية الاحتجاجية «حياة السود مهمة» إلى مقاطعة إسرائيل باعتبارها دولة فصل عنصري.
ـ أغلقت شركة «جي فور أس» مكاتبها في إسرائيل بفعل حملات المقاطعة.
ـ قيام «حملة التضامن مع فلسطين» بمقاضاة الحكومة البريطانية بسبب القيود التي وضعتها على سحب الاستثمارات من شركات متورّطة في انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطيني.