ماذا بعد استهداف البارجة؟
مصطفى حكمت العراقي
منذ أن بدأت الحرب الهمجية العدوانية التي تشنها الرياض وحلفها على اليمن، بحجة اعادة الهارب هادي للحكم عنوة والى الان، لم تتقدم خطوة واحدة لجهة تحقيق اهداف المملكة التي رسمتها لنفسها ودخلت الحرب من ورائها، كما لم يتوقف الصمود الشعبي اليمني بالتصاعد، حتى تكاد الأيام لا تخلو من مفاجآت يحققها التحالف الحوثي – الصالحي في اليمن وتحوّل الدفاع الى هجوم. وبساطة الخيارات المتاحة الى خيارات استراتيجية، اذهلت الاصدقاء قبل الاعداء. وآخر تلك الخيارات والردود هو التطور الجذري في الحرب على الشعب اليمني، عندما اطلق «أنصار الله» الحوثيون صاروخا أصاب سفينة حربية سعودية، قبالة ميناء الحديدة في البحر الأحمر، أصابها بضرر كبير وأدى لمقتل عدد كبير ممن فيها. رغم اختلاف الروايات حول عدد من سقط مقتولا داخل البارجة، الا انّ حجم العمل لجهة توقيته وآلية تنفيذه والتقنية المتبعة، تثبت مدى تطور وسائل صمود الشعب اليمني. وقد تنذر بتصاعد اكبر في مسار الحرب، بالنظر الى ما كشفه مسؤولون أميركيون، بقولهم إنّ الهجوم ربما كان يستهدف بارجة أميركية، في موقف قد يمهّد لوضع واشنطن في صدارة هذه الحرب، التي كانت ولا تزال تدعمها بكلّ الوسائل المتاحة.
أما اختلاف الروايات بكيفية تنفيذ الهجوم، من رواية «أنصار الله» التي عززتها بصور على قناة «المسيرة» الفضائية وبين الرواية السعودية التي تدّعي انّ الهجوم كان انتحارياً وليس بصواريخ، كما يدّعي «أنصار الله». حتى أنّ الناطق باسم قوات التحالف السعودي أحمد عسيري، قال إنّ ميناء الحديدة يشكل في الوقت الراهن، تهديداً حقيقياً للملاحة البحرية وأصبح منطلقا للعمليات الإرهابية. وقال عسيري في أول تعليق له على استهداف البارجة، إنّ الإرهاب لم يعد حكراً على تنظيم «القاعدة»، بل إنّ الحوثيين أيضاً، يمارسون العمليات الإرهابية في مناطق سيطرتهم باليمن، على حد تعبيره.
رغم هذا المد والجزر في التصريحات واختلافها وعدم امكانية الجزم بدقتها، إلا أنّ استخدام هكذا نوع من الصواريخ البحرية العالية الدقة، من التحالف الحوثي الصالحي، يحمل رسائل عدة، منها، أن ميناء الحديدة يشكل خطاً أحمر للتحالف الحوثي الصالحي وهو نقطة لا يمكن التنازل عنها، خصوصا أنه يمثل الشريان الحيوي لمرور المواد الغذائية والتجارية، بعد أن حاصر التحالف السعودي أرض اليمن وسماءها وبحرها. كما أن الهجوم ترافق مع قصف صاروخي ومدفعي عنيف لمدن سعودية حدودية. وكأن «أنصار الله» وحلفائهم يقولون بأنهم مستعدون لفتح اكثر من جبهة في وقت واحد. وباستطاعتهم تحقيق الانتصار النوعي في تلك الجبهات. مصادر حوثية أكدت ان الدفاع عن الحديدة بالغ الاهمية، خصوصا أنه الميناء الاكبر الخاضع لسيطرة «أنصار الله». كما أن التحالف الحوثي الصالحي، بحسب مصادر فيه، لن يتهاون بالدفاع بشراسة عن بميناء المخا، الواقع غرب تعزّ، لأنه خط الدفاع الأول عن المدينة، اضافة للتماهي الذي أبدته ادراة ترامب وانقلاب الاخير على تصريحاته التي اطلقها بضرورة ايقاف الرياض عند حجمها. نجده اليوم، ابتدأ ولايته بدعم الرياض في حربها على اليمن. تمثل ذلك في الغارة التي شنتها أربع مروحيات «أباتشي» أميركية قبل ايام، بأيعاز من ترامب قرب مدينة البيضاء، على معسكر لتنظيم «القاعدة»، كما ادعى فريقه الامني. مما أدى إلى مقتل أكثرمن 40 شخصا، نسبة كبيرة منهم كانت من المدنيين والنساء والأطفال، اضافة لإسقاط مروحية للجيش اليمني، راح ضحيتها عدد من الجنود قتلى وجرحى. ذلك اضافة لإتفاق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، اثناء المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما يوم الاحد الماضي، على دعم إقامة مناطق آمنة في اليمن وهو ما رفضته بشده اوساط «انصار الله» والرئيس السابق علي صالح، ما قد ينذر بتصعيد جديد بين اطراف النزاع.
الجرح اليمني ينزف بغزارة. ومايقوم به الجراحون المسؤولون عن تضميد هذا الجراح، لايصل الطموح. كما أن الحرب أصبحت استنزافا ليس إلا. فلم ولن يتمكن أي من الطرفين بتحقيق نصر ناجز واضح، يجبر الطرف الاخر على الاقرار بالهزيمة وايقاف هذه الحرب. كما أن المسار السياسي المتبع، فشل أكثر من مرة. ولا يلوح في الافق نهج سياسي قد تلتقي فيه، بالحد الادنى، الاطراف المتنازعة، رغم أن مسار التسويات الذي بدأ في لبنان وانهى الفراغ الرئاسي والقى بظلاله على الازمة السورية في آستانا، يبدو أن هذا القطار لم يحن وقت احلاله في اليمن بعد، ألا أن يحصل اختراق جديد قد يقلب الطاولة على مسار الحرب ويجبر من بدأها على الخضوع لقرار الشعب والاكتفاء بالهزائم الناجزة الى الان. وكما قال لنا التاريخ، بأن أي غزو لم يخرج منتصرا من أرض اليمن منذ ثلاثة الاف عام والى الآن.