فرنسا في طهران.. هل جازفت بعلاقتها الاستراتيجية مع الإدارة الأميركية؟

روزانا رمّال

بخطوة مفاجئة يزور الفرنسيون العاصمة الإيرانية طهران من دون الوقوف عند أصول العلاقة التي تربط فرنسا استراتيجياً مع الأولويات الأميركية، ما يثير الريبة نحو الخطوة ويعطي زخماً للبحث في أبعاد المتغير على صعيد الإدارة او الحكومة الفرنسية التي لا تزال واقعة ضمن سلطة الرئيس فرانسوا هولاند المعروف بتبعيته التقليدية للبيت الأبيض ومقرراته، وعلى صعيد القرار الذي اتخذه ترامب وجديته وحيثيته أيضاً. فعشية إصداره قرار وضع إيران على رأس الدول الشرق اوسطية الممنوع على مواطنيها دخول الولايات المتحدة رسمياً يزور ما يشبه أكبر الوفود الفرنسية السياسية والاقتصادية طهران منذ توقيع الاتفاق النووي الإيراني عام 2015.

يترأس الوفد الفرنسي وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت ويناقش قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن منع مواطني دول محدّدة من الدخول إلى الولايات المتحدة من قلب طهران، وهو يقف الى جانب نظيره الإيراني محمد جواد ظريف المعنية بلاده بالملف منتقداً الخطوة بشدّة، معتبراً أنها لن تساهم في مكافحة الإرهاب.

ترسل باريس إشارات قلق نحو ما أسمته «الموقف الفردي» الذي اتخذته واشنطن بدعوى مكافحة الإرهاب مع تأكيد دبلوماسيتها على أنه قرار بعيد عن «العقلانية».

الحديث عن الخطوة الأحادية يفتح الباب نحو التناغم السياسي والتنسيق المعروف بين الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا الواقعة ضمن فلكها منذ عقود، وإذا كان من المفترض أن يؤشر القرار الأميركي من دون الرجوع لتداعياته على الحلفاء أمراً خطيراً، فبالتأكيد انه من المبكر الحديث عن تضعضع العلاقة بين واشنطن وحلفائها، ومبكر ايضاً اعتبار أن ترامب ينوي نسف علاقات تاريخية بحجم العلاقة مع فرنسا التي تشكل أغلبية الرأي العام الأوروبي ونسيجه الذي يتطلع لعلاقة جيدة مع إيران والشرق الاوسط، أقله لجهة التنسيق بعد الازمة السورية وما أرخته من مشاكل لجوء ونزوح نحوها. وهو الأمر الذي بدأت فيه جهات اوروبية زيارة سوريا من أجله، وكان آخرها وفداً جمهورياً من النواب الفرنسيين الذين خطوا خطوة متقدمة وزاروا مدينة حلب بعد تحريرها.

بثقل وهالة الوفد الاقتصادي الفرنسي المؤلف من مندوبين عن 60 شركة الذي زار طهران، والمهمة التي جاء لتنفيذها, يتسلح وزير الخارجية الفرنسية جان مارك ايرولت للاعلان عن ان بلاده تسعى لعلاقات طويلة الأمد مع إيران في مختلف المجالات، كاشفاً أن العلاقات بلغت أكثر من ضعفين، وأننا إيران وفرنسا نسعى لتسهيل تأشيرات الدخول، بعدما دخلنا مرحلة جديدة اثر توقيع اتفاق فيينا اي الاتفاق النووي بين إيران والغرب، وان شركة «توتال» بدأت بشراء النفط الإيراني، وهي واحدة من شركات أخرى تتوزع بين مجالات عدة خطت نحو تثبيت العلاقات وعقود العمل بين البلدين.

يتحدث إيرولت عن مسألة «تسهيل التأشيرات» تحديداً في الوقت الذي تدعو فيه واشنطن الى تعقيدها الأمر نفسه يظهر عن الديبلوماسية الإيرانية التي تؤكد أهمية العلاقة بين البلدين كأساس لحل مشاكل عديدة في المنطقة بعد نجاح فرنسا في دورها بالتوصل للاتفاق الغربي مع طهران من دون تناسي أن العلاقات الثنائية شهدت خلال العقود الأخيرة منعطفات عديدة.

تصف الخارجية الإيرانية اليوم العلاقات الإيرانية – الفرنسية بـ»الجيدة» منذ ما بعد توقيع التفاهم النووي مع التأكيد على أن تطوير العلاقة السياسية سيؤدي إلى أن تؤسس لانطلاقة ترسخ وتوسع التعاون الاقتصادي والعكس صحيح.

معالجة مسألة التناقض بين الموقف الأميركي والموقف الفرنسي تأخذ نحو تقسيمه ضمن احتمالين.

الأول: أن يكون خلاف جدي أو عمودي قرّرت فيه باريس إرسال رسالة للأميركيين عبره تؤكد فيها أن على واشنطن الحذر من مغبة التمادي في هذا الأمر، لأن الموقف الفرنسي قادر على ان يؤثر على كافة الدول الاوروبية المرتابة أصلاً من قدوم ترامب، وأنها ليست بصدد الا العمل بما تطلبه مصالحها، مثل ان تسعى للتمسك بالاتفاق مع إيران وتعزيزه بمثل زيارة إيرولت الاخيرة ومباشرة العمل بعقود مالية ضخمة أسست فيها فرنسا أرضية اطمئنان منحتها لطهران وأظهرت فيها جديتها بالعلاقة المستقلة عن الموقف الأميركي، وهو سيكون موقفاً أحادياً وجديداً من الحكومة الفرنسية.

ثانياً: أن يكون القرار الأميركي أصلاً غير دائم او غير جدي بالإصرار والمتابعة التي تطلب من حلفاء واشنطن مسايرتها تحت طائلة تعريض العلاقة للخطر بمعنى أن يكون الموقف الأميركي توجّهاً عاماً وخطة المرحلة المقبلة، وهو ما لا يبدو كذلك. بالتالي هناك احتمال أن تكون واشنطن ايضاً تريد إرسال رسائل تطمين انها ليست بصدد الضغط باتجاه إلغاء مفاعيل الاتفاق النووي والضغط على الدول المعنية فيه مثل فرنسا، بل إنها تركت هامش مد الجسور مفتوحاً عبر الاوروبيين.

لا يمكن الحديث عن انعطافة فرنسية سريعة بقيادة الرئيس فرانسوا هولاند، والتنصل من العلاقة التاريخية التحالفية «الممتازة» مع واشنطن في هذا التوقيت المبكر، لأن هذا يعني أن تخرج باريس لتغرّد في سرب غير الادارة الأميركية، وهو مستبعد بطبيعة العلاقة بين البلدين، خصوصاً أن التغيير المقبل في فرنسا بات مؤكداً وبالحديث عن المرشحين الأوفر حظاً فرانسوا فيون وألان جوبيه هناك قواسم مشتركة ستجمع فرنسا بترامب أكثر، خصوصاً في ما يتعلق بمكافحة الارهاب في المنطقة والانفتاح على الدول سياسياً لحل أزمات اللجوء، وهي أخطر ما تعانيه أوروبا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى