برَي لن يقبل «بالفراغ»
روزانا رمّال
العيون شاخصة باتجاه عشرة أيام «فاصلة» من تاريخ السياسة المحلية اللبنانية التي سيُرسم على أساسها عنوان المرحلة المقبلة «انتخابات» أم «اشتباك سياسي» وجدل لا ينتهي باتهامات ومؤامرات وحكايات عن إفشال العهد الذي بدأ بتسيير أعماله بحكومة مفترض ان تكون «مؤقتة» قبل الشروع بتنفيذ أحكام قانون انتخابات جديد بالمعنى الدستوري وتقديمه للبنانيين على أن يكون جزءاً لا يتجزأ من سعيهم وراء الخلاص المتمثل بالنسبة إليهم بسلسلة إصلاحات تبدأ بنواب عنهم يستحقون أن يدخلوا قاعة مجلس النواب كممثلين عنهم لم تأتِ بهم لعبة المحادل وصفقات السياسة.
وعلى أن ضيق الوقت بات يهدّد بمخاطر أن لا يتوصل المعنيون، «الرباعية « أو غيرها, لاتفاق حول قانون جديد, تبدو الخيارات المتبقية «جدية» بحكم الأمر الواقع. أولها: إجراء انتخابات على اساس قانون الستين وهو ما تمّ رفضه بالكامل من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ما يعني أنها ستكون مهمة شبه مستحيلة لإقناعه بالعودة عما يعتبره يمسّ بمصداقية عهده ووعده لناسه ولشعبه منذ سنين. وثانيها: خيار «التمديد» للمجلس الحالي ريثما يتم الاتفاق على قانون جديد، لأن المهلة الدستورية لم تعد تسمح بإطالة مدة دراسة واستمزاج آراء الكتل والاتفاق على مخارج. أما ثالثها «الفراغ» البرلماني أي لا «ستين « ولا «تمديد» بل ذهاب النواب الى بيوتهم، ورحيل مجلس النواب انتظاراً لخروج العلم الأبيض الى العلن والإعلان عن قانون جديد.
ومن بين قوانين الانتخاب التي تم الحديث عنها القانون المختلط الذي سُمّي قانون «جبران باسيل» وتمّ نسفه لعدم استيفاء رضى معظم الأطراف ولم يلقَ صدى شعبياً ايجابياً. إحدى المحاولات الجديدة أو من بين النيات التي تسعى لتقديم مخارج لحلول وسط هي طرح «متقدّم» من شكل القانون الأكثري ينوي الوزير مروان شربل عقد مؤتمر صحافي لشرح مضامينه على أن تستبق هذا زيارتان الاولى للرئيس ميشال عون والثانية للرئيس نبيه بري في أيام ستحدد مصير هذا الملف، قد تتالى فيها محاولات تقديم نماذج لقوانين أخرى غير «شربل» ممن يجدون في ذلك إمكانية للمساهمة لحسم المسألة.
لكن! وفي الوقت الذي لن يتراجع فيه الرئيس عون عن مسألة البت في قانون انتخاب جديد، يجزم العارفون بالرئيس بري «أنه لن يقبل بأي شكل من الأشكال بالوصول الى «الفراغ» الذي يعتبر مستحيلاً بالنسبة لعقلية بري ونظرته لمجلس النواب وهالته». وتضيف المصادر «أكثر الحذرين والحريصين على الحفاظ على مهابة المجلس ولو كان هيئة «غير منعقدة» هو الرئيس بري، فمجلس النواب يمثل بالنسبة إليه الساحة التي تؤسس لقيامة الحياة السياسية في البلاد». وتسترجع المصادر «جلسة» انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقلق الرئيس بري الملحوظ حينها أمام الزوار العرب والأجانب والضيوف السفراء الحاضرين من ان تفشل جلسة «مصيرية» بقيادته من هذا النوع، وكان مصراً على ضبط إيقاعها. ويمكنكم على هذا الأساس استشراف خطورة فشل الندوة النيابية بالنسبة إليه وحلّها بوجوده رئيساً على رأسها للحظة الأخيرة، وهو ما يشبه الخط الأحمر.
يختم المصدر «احتمال الفراغ غير وارد لا عند الرئيس بري، ولن يكون كذلك عند حزب الله الذي سيجاري بري في هذا الاطار، ويسعى لتذليل العقبات التي تحول دون إنتاج صيغة مرضية. وهنا فإنه من المتوقع أن يبذل بري جهداً استثنائياً للتوافق مع لاعب تاريخي أساسي هو النائب وليد جنبلاط، ومع الرئيس الحريري والاتفاق على قانون كما بات «مرجّحاً»، حسب المصادر، وإلا فإن التمديد سيكون أفضل الحلول بعد رفض عون البقاء على الستين إذا «داهم الوقت المعنيين بتقديم الصيغة المناسبة التي يحسمها ما تبقى من أيام».
الفراغ لا يرضى به الرئيس بري الذي يفضل دائماً تسيير أعمال المجلس وحضوره بالبلاد كهيئة موجودة، ولو بالظل. وهو الأمر الذي لم يحصل في لبنان في أحلك ظروفه السياسية التي لم تفرض حلَه، اي في مرحلة ما بعد اغتيال الحريري وصولاً الى انتخابات عام 2009 ومحطات كثيرة حتى الساعة، فلماذا الفراغ اليوم في اوضاع وظروف وفاقية أبعد من المناكفات والانقسامات العمودية السابقة؟ وما هي العقدة اذاً التي تبدو أصعب من الانقسام السياسي السابق؟
في هذا الوقت يدعو الرأي الآخر للتمسك بالنسبية الكاملة وعدم خسارة فرصة من نوع انتهاز فرصة مماثلة لتلك التي أوصلت البلاد لانتخاب الرئيس العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتجاهل «فزاعة» الفراغ بعد أكثر من سنتين من الشغور الرئاسي في وقت لن تدخل البلاد في الفراغ الكبير بحال «رحيل» المجلس النيابي، بعدما باتت رئاستا الجمهورية ومجلس الوزراء ممسكتين بزمام الامور في البلاد ليعود الجدال حول وعود ما قبل انتخاب العماد عون التي أقلقت الكل، معتبرة أنه يجب أولاً انتخاب رئيس للجمهورية، ثم من بعدها البحث بقانون الانتخاب لا ربط مصير الرئاسة بسلة كاملة وواضحة.
السؤال المطروح هنا عن ذلك «الأرنب» الذي يخبئه الرئيس بري تحت القبعة، فهل سيكشف عن حل بخبرته ومعرفته بمخارج الأمور جيداً؟ أم أن البلاد مقبلة على مأزق سياسي كان قد «تأجل» لحين تعبئة الشغور الرئاسي، لكنه لم «يُلغَ»؟