الأحمد: صدى روحه العذب سيتردّد عبر العصور كلّها الطويل: من واجب سورية تكريم أبنائها الأبرار وبركات أحدهم

دمشق ـ آمنة ملحم

بصدى صوت كريستالي لم ولن يبدّده الموت، ودندنة موسيقى عبقرية لطالما تجاوزت عتبة المألوف وغاب في حضرتها وجه الشبه لأيّ كان. بدفء روح عشقت الشام عشقاً أبدياً فاستحقّت تكريمها في الحياة وحتى بعد الممات، رحّب فنّ الموسيقار الراحل ملحم بركات بضيوفه على طريقته الخاصة: « مرحبا بيكم مرحبا، يا هلا بيكم يا هلا، شرّفتونا ونوّرتونا، حبيّناكم حبيّتونا، يا هلا فيكم يا هلا، إنتو منّا وفينا، إنتو أغلى حباب».

هكذا كان افتتاح حفل تكريم الموسيقار الراحل ملحم بركات، الذي حمل عنوان «الوفا لأيقونة الوفا»، الذي أقامته مبادرة «الفينيق السوري» برعاية وزارة الثقافة السورية، وكانت له نكهة خاصة بإحساس خاص يتغلغل في خبايا الروح، ليبثّ البهجة والفخر في قلوب حامليها.

عبقريته جعلته متفوّقاً بأداء السهل الممتنع، فيقع كلّ من يغنّي لحناً له، لأنه ليس ملحم بركات. وفنّه مدرسة تتعاقب عليها الأجيال. أغانيه حكايات وليست مجرد أغنية ترنّ في الأسماع. هو عملاق العصر ودرّة الغناء، وشموخ أرزة سيبقى اسمها محفوراً على صخرة الحياة. لأنه ملحم بركات، استحق تكريماً يليق بِاسمه من قلب العاصمة السورية دمشق، التي لطالما عانقتها روحه وتألمت لأجلها.

حضر الحفل حشدٌ ثقافيّ فنّي سياسي، تقدّمه نائب وزير الخارجية فيصل مقداد، وزير الثقافة محمد الأحمد، وزير الإعلام رامز ترجمان، وزير السياحة بشر يازجي، ووزيرة الشؤون الاجتماعية ريما القادري، إلى جانب عدد من أعضاء مجلس الشعب، وعدد من الشخصيات الإعلامية والفنية والثقافية السورية واللبنانية.

افتتح الاحتفال الذي قدّمته النجمة شكران مرتجى، بعرض شريط وثائقيّ حمل نفحات من أهمّ مراحل حياة المبدع ملحم بركات، وشهادات لعدد من الفنانين والملحّنين اللبنانيين، والشاعر وصديق الدرب نزار فرنسيس، ليكون ختامه بأغنية لسورية ولبنان:

لبنان وسورية رمز الوحدة العربية

حبّينا الأسد يا عرب وعشقنا الحرّية

بيروت ونسمات الشام

مهما تسوّد الأيام رح نبقى سوية.

ثمّ كان حفل غنائيّ برفقة فرقة «أورفيوس الموسيقية» بقيادة المايسترو أندريه معلولي، حيث أدّى الفنان الشاب عماد رمال أغنية «يا حبّي اللي غاب»، وفاجأ نجل الفنان بركات الحضور بأغنية «كيف بتبعد عنّي»، وغنّى حازم شريف «بالحرب بغنّيلك وبالسلم بغنّيلك»، «شوف يا حبيبي»، وأكد في تصريح إلى «البناء» أن من واجب كلّ فنان المشاركة في هذه التكريمات كعربون محبّة ووفاء لنجوم وقامات كبيرة، تبقى خالدة على مرّ الزمان.

وكان ختام الفقرة الغنائية مع الفنان المتألّق معين شريف، الذي قال ملحم بركات في أحد لقاءاته، إنه يسلم الراية له من بعده. فغنّى «تعا ننسى»، و«موعدنا أرضك يا بلدنا».

ووجّه شريف شكره إلى سورية بِاسم روح الفنان بركات وعائلته وكلّ لبنان، كما ردّ كابنٍ لسورية من ناحية الأمّ، فقال لعائلة ملحم ولجمهورية لبنان بِاسم سورية بأنه لا شكر على واجب، فهذه هي سورية حاضنة الفنّ والفنانين.

وفي كلمة ألقاها، قال وزير الثقافة محمد الأحمد: إن مهمّة إسعاد الناس وإدخال البهجة إلى قلوبهم ليست من المهمّات السهلة على الإطلاق. كما أنّ إطرابهم وإمتاعهم وانتزاع الآهات من أفواههم وإغناء أرواحهم، من أصعب الأعمال وأنبل المهمّات التي يمكن أن يأخذها امرؤ على عاتقه.

وأضاف الأحمد: إن ما يخرج من القلب يصل إلى القلب. بهذه العبارة المقتضبة والعميقة يمكننا أن نلخّص إبداع ملحم بركات ومنهجه الفنّي. وأعتقد أنه كان واحداً من هؤلاء بامتياز. وهو لم يكن يؤدّي أغانيه ويخاطب جمهوره بلغة القلب وحسب، إنما بكلّ أعصابه، ويسعى إلى تقديم أفضل ما لديه. لهذا كله أحبته سورية ووقع هو في حبّها، فكان ضيفاً عزيزاً ومرحّباً به دائماً في أيّ مناسبة يُدعى إليها في بلده الثاني سورية.

وقال: إنّ ملحم بركات غنّى أجمل أغانيه على مسرح معرض دمشق الدولي التي كانت على الدوام عاشقة لأغانيه وألحانه، والآن بركات في قلب هذه المدينة.

واختتم الأحمد كلمته بالقول: ملحم بركات النبيل الكريم والصديق والوفيّ يلوّح لنا من عليائه، تاركاً لنا فنّاً عظيماً سيظلّ مثل صدى روحه العذبة، يتردّد عبر كل العصور، حاملاً ذوب قلبه وحبّه للناس.

وفي تصريح صحافيّ، أكد وزير الإعلام رامز ترجمان أنّ ملحم بركات سيبقى خالداً في قلوبنا وعقولنا. فنحن تربّينا على صوته، وسورية تخلّد روحه وأعماله ومحبّته لها ولشعبها، كما أنّ الشعب السوري لا يمكنه أن ينسى أعماله ومواقفه مع سورية، وهو أحد أبناء سورية لا يختلف عن أيّ فرد فيها. وهذا التكريم موقف وفيّ لسورية التي احتضنت ورعت أبا المجد على الدوام.

وفي الختام، كرّم وزراء الثقافة والإعلام والسياحة ورئيس مبادرة «فينيق سورية» عارف الطويل، عائلة الموسيقار الراحل، حيث قدّموا لزوجته رندة عازار عوداً صُمّم خصيصاً لهذه المناسبة، ودرعاً من تجمّع «سورية الأمّ».

وقبل إسدال ستارة الحفل، كانت كلمة أصدقاء ملحم، قدّمها رفيق دربه الشاعر الذي يكتب بالإحساس والمشاعر نزار فرنسيس واستهلّها قائلاً:

الله أكبر يا دمشق

كم يليق بك العشق

وكم أنت في الشرق جميلة

وكم جميل بك الشرق!

وتابع فرنسيس نسجاً لأجمل الكلمات: يا شام، أنت فعلاً قلب الشرق، وشعبك ساكن جواتو، وكل ما قلب الشرق دقّ، يدقّ الكون بيسمع دقاتو، يللي ماتوا عندك بقيوا كبار، يعني بقيوا ما ماتوا».

ووجّه تحية حبّ إلى روح شخصية لطالما كانت رمز العزّ والشهامة، روح الكبير رفيق سبيعي، قائلاً:

ولمّا الكبار بيرحلوا، ببطّل المشهد حلو

يا ريت الدنيا فيلم، نرجعو من أوّلو!

وقدّم فرنسيس مفاجأة الحفل، وهي أغنية لأطفال وشهداء سورية والشام، فهي من روح ملحم إلى عيون أطفال الشام وكلّ الشهداء الذين ينامون نوماً أبدياً، «لينام أطفال الشام»، وتذاع للمرّة الأولى من على منبر دار الأوبرا:

يا شام لمّن أطفالك بتبكي كلّ الدني بترخصلك

من لون جرحك لون الأيام

وأرسم خطّ المرجلة بدمّك

وأكتب اسمك عَ تراب الشام

هون وقعت وترابها لمّك.

وفي تصريح إلى «البناء»، لفت رئيس مبادرة «فينيق سورية» عارف الطويل إلى أن سورية كرّمت ملحم بركات قبل مماته، وقدّرت قيمته واحترمته، وتحار معه، هل هو مواطن لبنانيّ أم سوريّ؟ فكأنما جزءاً من هويته بات سورياً!

وأضاف الطويل: من واجب سورية أن تكرّم أبناءها، وأعتقد أن ملحم بركات هو ابن هذه الأمّ سورية، وأقول لروحه: «أبو المجد ان شاء الله نكون وفيناك حقك، الله يرحم ترابك يا غالي».

الفنانة شكران مرتجى التي قدّمت الحفل وأضفت عليه روحاً خفيفة وجميلة بكلمات وجدانية نسجتها بنفسها، أكدت أنّ تقديم هذه الفعالية شرف لها، إذ إنّها في حضرة الكبار، وحتى لو رحلوا فهم يبقون كباراً، وملحم أيقونة الغناء والوفاء على شكل إنسان، وحبّه سيبقى في قلوبنا حتى الممات.

وأشار الإعلامي اللبناني الدكتور جمال فياض في تصريح إلى «البناء»، إلى أنّ فنّ ملحم لن يموت، وكذا موسيقاه ومحبّته وطيبتعه.

وقال: أتينا لنفرح بملحم، ونسعد بأغانيه وموسيقاه وبإرثه الكبير والجميل، وهو يستحقّ التكريم على الدوام، ونشكر سورية على تكريمها فناناً لبنانياً، وهذا يؤكد أننا كنا وما زلنا بلداً واحداً. وحتى مع الظروف السيئة، تزداد محبتنا، وملحم يستحقّ التكريم بقدر ما أحب سورية، وهي تردّ الجميل إليه، فهي وفية دائماً، وملحم كان يقول إن جزءاً من دمه سوري، وهو فنان كبير سنبقى نكرّمه على مرّ الزمان.

وكانت لـ«البناء» وقفات مع مجموعة من الفنانين السوريين الذين عبّروا عن فخرهم بملحم، واعتزازهم بهذا التكريم.

الفنانة تولاي هارون اعتبرت حضورها التكريم وساماً على صدرها، وتمنّت لو أنّ ملحم بركات كُرّم في حياته. مؤكّدة أن سورية دائماً كريمة ومضيافة. معربةً عن سعادتها بأنها ـ ورغم كلّ ما تمرّ به من ويلات ـ ما زالت تكرّم قامات كبيرة. وملحم فنان لن يتكرّر، «وهو مدرسة بحدّ ذاتها، تربّت عليه أجيال كما تربّيت أنا».

وقال ميلاد يوسف إنّ روح ملحم بركات موجودة في الشام التي كان متواجداً فيها على الدوام. «تربّينا عليه فهو خالد في الذاكرة وجزء منها، والشام تكرّمه اليوم ليبقى جزءاً من ذاكرتها الجميلة».

الفنانة جيني إسبر قالت إنّ ملحم بركات أسطورة تستحقّ التكريم، لا لفنّه العظيم فقط، إنما لمواقفه المشرّفة مع سورية. وخسارتنا كبيرة فيه ولكننا لن ننسى فنّه وتاريخه العريق، وأقول له: «أنت باقٍ في قلوبنا».

ولفتت الفنانة القديرة سحر فوزي إلى أنّ ملحم بركات سوري لبناني ولبناني سوري، ونحن بلد واحد وهو له حقّ علينا كسوريين، ويستحقّ كلّ تقدير وتكريم بتاريخه الحافل وهو باقٍ بفنّه، متمنّية أن يسير الفنانون الجدد على دربه.

الفنانة ناهد الحلبي شكرت القائمين على الحفل، وتمنّت لو كُرّم ملحم في حياته، وألا يقتصر التكريم على الفنانين اللبنانين بل السوريين الكبار أيضاً، وهم على قيد الحياة كي يكون روحاً معنوية إضافية ودفعاً لهم.

وأكدت روعة ياسين أنّ ملحم بركات يستحق التكريم بجدارة، وهو أيقونة فنّية. وتاريخه حافل وعريق، وفنّه لن يزول وسيبقى مخلّداً في الذاكرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى