اعتمادات قدّمها ترامب لـ«إسرائيل»

روزانا رمّال

اعتاد الرئيس الأميركي «جمهورياً» كان أو «ديمقراطياً» على ترويض نفسه عند حدود ليس مقبولاً تخطّيها أو إخضاعها لرغباته وحساباته الشخصية، لأن بعضها قد يمسّ بمندرجات تاريخية كمسألة التعاون مع «إسرائيل» واعتبارها «همّاً» أساسياً من هموم الرئيس الأميركي الجديد.

لوحظ مؤخراً في هذا الإطار, كيف بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب عهده بالسعي وراء إرسال رسائل «تطمين» قوية لـ«إسرائيل»، في وقت لم تكن مؤشرات قدومه لرئاسة البيت الأبيض بالنسبة لـ«الإسرائيليين» «إيجابية»، فقد كانت أغلبية اللوبيات المسيطرة على الشارعين في المجتمعين الأميركي و«الإسرائيلي» تعتبر أن «هيلاري كلينتون» ستكون المرشحة الأكثر حرصاً على الايديولوجية والعقيدة التي تمارس «إسرائيل» وجودها على أساسها وعلى العلاقة بين البلدين، فكيف حصل أن أغدق ترامب في دعم «إسرائيل» فجأة كما حصل منذ تسلمه الحكم؟

لم يُخفِ دونالد ترامب حساسيته من العلاقة مع «إسرائيل» عندما كان مرشحاً عن الحزب الجمهوري وهو الأمر الذي لطالما تسلّحت به المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون باعتباره ملفاً أساسياً في حسم فوز المرشح الرئاسي. يروي دبلوماسيون كيف استغلت كلينتون أحد خطابات ترامب التي قال فيها إنه سيعيد النظر في مسألة دعم السلاح المقدَّم من الولايات المتحدة الأميركية للحلفاء، فلوّحت لمسؤولين «إسرائيليين» إلى التفات أنه بحال فوز ترامب فإن العلاقة الأميركية «الإسرائيلية» ستكون في أسوأ عهودها.

التفت ترامب الى الوتر الذي تلعب عليه كلينتون فسارع لتصحيح ما أورده في خطاب «ايباك»، وهو المؤتمر العام للمنظمات اليهودية في واشنطن، مصحّحاً امام اللوبي المؤيد لـ«إسرائيل» بالآتي «بالتأكيد ليست «إسرائيل» هي المعنية بالأمر فهي صديقة للولايات المتحدة, فإذا أصبحت الرئيس الأميركي فسانقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس كما وأن أولى أولوياتي ستكون إلغاء الاتفاق النووي مع إيران». لم يوفر ترامب اللجوء الى ما يحرك مشاعر «الإسرائيليين» أيضاً معلناً عن اعتناق ابنته «اليهودية» وأنه كجد بانتظار حفيد «يهودي» جميل.

لكن كلينتون استمرّت في حملة تكذيب ترامب موجهة انتقادات حادة له عبر المنبر نفسه، أي «إيباك»، قائلة: «نحتاج إلى شخص ثابت، ليس رئيساً يقول إنه محايد يوم الإثنين ومن ثم يقول إنه مؤيّد لـ«إسرائيل» يوم الثلاثاء، ومن ثم يتبنى موقفاً ثالثاً الأربعاء»!

لم يكن ترامب المرشح متيقناً لأهمية العلاقة مع «إسرائيل» في بداية حملته الانتخابية، وهو حاول التصويب على حلفاء أميركا العرب منهم أيضاً، باعتبار أن الرئاسة الأميركية واقعة ضمن هوامش يحدّدها الرئيس ليتبيّن العكس فيتعوّد دونالد ترامب على التطبيع وترويض نفسه مع المؤسسة الأميركية التي يتأكد يوماً بعد يوم استحالة تخطّيها أو تخطي مبادئها الأساسية، فتتغيّر أطباع وقراءات الرئيس الفائز سياسياً ومنهجياً بالنظرة لـ«إسرائيل».

لوحظ أن أول اتصالات ترامب بعد حفل تنصيبه في 20 كانون الثاني كان بنتنياهو، وكان يوم 22 منه، حيث اتصل للتعبير عن نيته نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس فوراً، وهو أول مواقف ترامب الخارجية في تنفيذ سريع لما اعلنه في خطابه أمام «إيباك». الخطاب نفسه الذي أعلن فيه عن نيته إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، فبدأ بخطوات سريعة أيضاً تجاه إيران تشبه «إعلان النيات»، فشمل ضم إيران الى الدول الشرق أوسطية السبع التي يحظّر على مواطنيها دخول الأراضي الأميركية، ثم فرض عقوبات جديدة على طهران شملت عقوبات على شركات عدة ذات علاقة بتزويد إيران بالتكنولوجيا المستخدمة في صناعة الصواريخ الباليستية، رداً على إطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى الأربعاء الماضي كما قيل, ليتبيّن في ما يثير الريبة هو كشف المتحدّث باسم البيت الأبيض شون سبايسر «إن العقوبات كانت قيد الإعداد قبل تولي الرئيس دونالد ترامب الحكم، أي قبل التنصيب، لكنه تمّ تفعيلها في ضوء الأحداث الأخيرة. فهذه النوعية من العقوبات لا تأتي بسرعة، لكن توقيتها ردّ فعل على ما رأيناه في الأيام القليلة الماضية, نعلم أن هذه الخيارات متاحة لنا، لأنها كانت «قيد الإعداد».

تحضير مسبق إذاً لعقوبات وإجراءات ضد إيران قبل تولّي الرئيس الجديد مهامه، أي أن الموقف الداخلي الأميركي الثابت الذي يتحكّم بالرئيس وإدارته يتّجهان نحو تحضير الرئيس ترامب لمثل هذه الإجراءات التي توضع ضمن عنوان أساسي وهو «تقديم اعتماد الرئيس الأميركي الجديد لإسرائيل»، مضافاً الى الإعلان عن نية نقل السفارة الى القدس، وكل هذا هو تطبيق لما جاء في خطاب ترامب أمام القوى «الإسرائيلية» في خطاب «إيباك».

سلّم الرئيس ترامب «إسرائيل» اعتمادات تتراوح بين التطبيق والإعلان العام بدرجة شديدة الأهمية تطال وجودها في الشرق الاوسط. وهو الأمر الذي يريد ترامب تقديمه على انه فاق ما قدمه أوباما خاصة بعد توقيع الاتفاق مع إيران, وعدم إيجاد حل للملف «الإسرائيلي» الفلسطيني, في وقت يشدد ترامب أنه يجب أن يأتي الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات وهم يدركون أن الرابط بين «إسرائيل» وأميركا «قائم ودائم»، ويجب أن يقبلوا بمنع «الإرهاب» الذي يمارس يومياً ضد «إسرائيل»، وأن يقبلوا بـ«إسرائيل» كدولة يهودية وللأبد».

اعتمادات ترامب لـ«إسرائيل» قابلتها اختبارات إيرانية لمواقف الادارة الجديدة «أُحرج» فيها ترامب فأخرَج أعلى مستويات التصريحات والقرارات «دفعة واحدة» تجاه طهران، والتي بدت جاهزة «سلفاً» لتبني إيران على الشيء «مقتضاه» في سياسة استباقية واضحة منها, فهل تقتصر تصريحات ترامب على الإثارة الإعلامية مع الالتزام بحدود العقوبات المفروضة على إيران كترضية و«تطمين» لـ«إسرائيل» مع بداية عهده أم تتجه نحو الأكثر فالأكبر؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى