زيارة السبهان: المشنوق يلوّح لعون بخسارة الإجماع الداخلي والخارجي «القومي» وحزب الله للنسبية… والرباعية تعود… وباسيل يردّ على جنبلاط
كتب المحرّر السياسي
لا يزال الخطاب الأميركي الخشبي هو ظاهر المشروع الذي يبشّر به الرئيس الجديد دونالد ترامب، بينما تحدث في السياسة الواقعية أشياء عاقلة لا تستجيب لخطاب التصعيد والتهديد، كأنما الحرب ستقع غداً، فمَن الذي قال للأردن أن يشارك في صيغة تحت رعاية تشكّل إيران أحد أركانها في أستانة، وتتولى وقف النار في سورية، والملك الأردني لم يحصل على قسط راحة وتأمل بعد زيارته المليئة بالضجيج إلى واشنطن؟ وهل الكلام الروسي عن اهتمام بتبريد التوتر الأميركي الإيراني هو مبادرة روسية في زمن جفاف روسي أميركي في الحوار وظهور رسائل الجفاء العلني، أم هو تعبير عن رغبة أميركية بالواسطة تلقتها روسيا فنطقت بمضمونها؟
التدقيق بمكانة وضع سورية في ملفات المنطقة، وبالحراك الدائر حولها يوحي بأن التشبيك لا الاشتباك يسود الموقف، عكس الخطابات العالية الوتيرة سواء في ما يخصّ العلاقة الأميركية الروسية أو الأميركية الإيرانية، وضمناً كما تقول حركة الأردن المواقف السعودية و»الإسرائيلية».
داعش كتنظيم يعيش الرسائل الميدانية ويقرأها، ويعرف استخبارياً الكثير مما يدور على الأقل في الأردن والسعودية وتركيا، بحكم تاريخ التشابك، يميز التشبيك عن الاشتباك، فيقرأ حركة الجيش السوري ونخبة حزب الله التي أكملت تموضعها في أطراف مدينة الباب ويبدأ برسائل الاستعداد للانسحاب من المدينة وتسليمها، مع فتح باب التفاوض حول الانسحاب من تدمر، طلباً لتعزيز وضعه في الرقة، أمام متغيرات متسارعة تتحدّث عنها مصادر التنظيم للوسطاء الذين ينقلون رسائل الانسحاب.
لبنانياً، التوتر والتجاذب حول قانون الانتخاب يدخل مرحلة جديدة مع زيارة وزير شؤون الخليج في الحكومة السعودية ثامر السبهان، الذي يقوم بجولة لم تتّضح أهدافها، إلا بما قاله وزير الداخلية نهاد المشنوق بالتزامن معها، عن مخاطرة يقوم بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالانحياز لصيغة من صيغ قانون الانتخاب ملمّحاً إلى الذهاب بعيداً بالتهديد بالفراغ، ليصف مواقف الرئيس بالمخاطرة التي تهدد الإجماع الداخلي والخارجي اللذين رافقا بداية عهده، ليبدو كلام المشنوق حاملاً مضموناً خفياً للرسالة السعودية التي يحملها السبهان بانضمام المستقبل ورئيسه إلى النائب وليد جنبلاط، بقول المشنوق إن التعاون بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة سيكون معرّضاً للانكسار، وبانتظار موقف سعودي للسبهان نفسه يحسم الجدل بين ما اعتبرته محطة أو تي في القريبة من رئيس الجمهورية تأييداً لمواقف الرئيس عون الاستقلالية، وساقت عبره عبرتها وعبارتها، رداً على مَن أسمتهم بالوصائيين، فقالت القناة عن كلام المشنوق من دون تسميته، إنه كلام عقل مهجوس بالجزمات ووعي مهووس بالغزاة، فيما كان وزير الخارجية في سياق مشابه يردّ على النائب وليد جنبلاط بإعلان القبول بطلبه تطبيق اتفاق الطائف، لكن بالبدء من قانون الانتخاب.
على ضفاف المساعي التوافقية كان اللقاء التقليدي لحزب الله وتيار المستقبل مناسبة تأكيد على مواصلة المساعي لقانون انتخاب جديد وتوافقي، بينما كان اللقاء القيادي الجامع لحزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي يجدّد تلاقي الحزبين على الدعوة للنسبية الكاملة كحلّ وحيد يضمن التمثيل الصحيح والمنصف لجميع الأطراف.
قانصو: النسبية هي الصيغة الأمثل
تمنّى رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير علي قانصو أن تؤدّي أجواء التفاهم والحوار المفتوح بين القوى السياسية إلى إنتاج قانون جديد للانتخابات النيابية.
وبعد لقائه على رأس وفد من قيادة «القومي» رئيس المجلس السياسي في حزب الله النائب السابق السيد ابراهيم أمين السيد قال قانصو: «نحن كما الأخوة في حزب الله نرى أنّ الصيغة الأمثل لقانون كهذا، هي الصيغة التي تقوم على النسبية وعلى الدائرة الواحدة، لأننا وبعد تجربة طويلة مع النظام الأكثري الانتخابي توصلنا بما لا يقبل الشك إلى أنّ هذا النظام لم ينتقل بلبنان إلّا من أزمة إلى أخرى، بينما النظام النسبي لم يُجرّب بعد، ولا لمرة واحدة. ويقيننا بأنه أفضل الصيغ لتمثيل كلّ القوى السياسية وبأحجامها الفعلية كما من شأنه هذا القانون أن يؤمّن للعملية الديمقراطية عناصر سلامتها ويؤسّس لتمثيل عادل وصحيح على نحو ما نصّ عليه اتفاق الطائف».
وأمل السيد ابراهيم السيد من جهته أن تصل القوى السياسية بسرعة إلى نتيجة في صياغة قانون انتخابات مُرضٍ ومقبول ويحمل معايير واضحة ودقيقة وواحدة، تؤمّن هذه المشاركة، وتؤمن هذا الحق للبنانيين.
وأبدى أمين السيد أسفه «لأنّ الزمن كان طويلاً لإنجاز قانون انتخابات له هذه الأهمية السياسية في لبنان، وأن تؤجّل الأمور في الزمن المريح ليناقش قانون خطير في الزمن الصعب، هذه مؤشرات ليست سليمة أبداً، ومع ذلك نأمل أن يصل الجميع إلى قانون من هذا النوع».
سفير سعودي في بيروت
وبعد زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى السعودية التي كسرت جليد العلاقات اللبنانية الخليجية، حطّ وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان أمس، في بيروت، وأبلغ الوزير السعودي رئيس الجمهورية خلال زيارته بعبدا، أن المملكة ستعيّن سفيراً جديداً لها في لبنان وستزيد رحلات شركة الطيران السعودية الى لبنان وعودة السعوديين لزيارة وتمضية عطلاتهم السياحية فيه.
وفي المقابل، شكر الرئيس عون للسبهان زيارته، وحمّله تحياته الى الملك السعودي، كما شكر له الإجراءات التي اتخذها في سياق تفعيل العلاقات اللبنانية – السعودية، مؤكداً أن التوجيهات أعطيت للوزراء لاستكمال البحث مع نظرائهم السعوديين في المواضيع المشتركة.
وانتقل السبهان إلى السراي الحكومي، حيث التقى رئيس الحكومة سعد الحريري ثم النائب وليد جنبلاط في كليمنصو.
وقالت مصادر مطلعة لـ«البناء» إنّ «أهمية زيارة السبهان الى لبنان هي أنها الأولى بعد زيارة الرئيس عون الى السعودية، وهدفها البحث في الخطوات التنفيذية لما بعد الزيارة على الصعد الاقتصادية والعسكرية والسياحية في سياق إعادة العلاقات اللبنانية الخليجية الى طبيعتها».
وأضافت: «إذا كانت زيارة السبهان الأولى الى لبنان سبقت الانتخابات الرئاسية، فزيارته الثانية تسبق الانتخابات النيابية، وبالتالي فإنّ موضوع قانون الانتخاب يشكل أحد عناوين الزيارة بمعزل عن شكل القانون، فما يهمّ السعودية هو أن لا يأتي أيّ قانون ضد مصلحة الحريري».
مهلة إضافية للرباعية
وفي غضون ذلك، يعود وزير الخارجية جبران باسيل الى بيروت اليوم، وعلى إيقاع مواقف النائب جنبلاط التصعيدية، تستأنف اللجنة الرباعية اجتماعاتها خلال اليومين المقبلين، بعد أن أعطاها الحريري مهلة إضافية تمتدّ الى نهاية الشهر الحالي.
وقبل عودة أركان الرباعية الى الطاولة، انعقدت جلسة الحوار الـ40 بين «حزب الله» و»تيار المستقبل»، مساء أمس، في عين التينة، بحضور المعاون السياسي للأمين العام لـ»حزب الله» حسين الخليل، الوزير حسين الحاج حسن، النائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري السيد نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن تيار «المستقبل». كما حضر الوزير علي حسن خليل.
وأكد المجتمعون في بيان أهمية إنجاز قانون انتخابات ضمن المهل الدستورية وإجراء الانتخابات في مواعيدها. كما جرى البحث في أهمية الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني.
وقالت مصادر نيابية لـ»البناء» إنّ «المستقبل من الممكن أن يوافق على النسبية الكاملة على أساس 13 دائرة، لأنّ موازين القوى الأكثرية ليست لصالحه في الشمال والخيار الأقلّ إحراجاً له هو الذهاب باتجاه النسبية، كي لا يفقد كامل المقاعد في النظام الأكثري، بينما النسبية تحفظ له حجمه الحقيقي».
ولفتت الى أنّ «حزب الكتائب أمام تحالف التيار الوطني الحر وحزب القوات لا يناسبه على الإطلاق قانون الستين ومخرجه الوحيد هو النسبية الذي قد تكون له فرصة جدية، لكن حتى الساعة لا اتفاق نهائي بشأنه».
وكان الحريري قد استقبل مساء أمس الأول في بيت الوسط رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يرافقه وزير الإعلام ملحم الرياشي، بحضور وزير الثقافة غطاس خوري ونادر الحريري. وتناول اللقاء عرض آخر المستجدات السياسية محلياً واقليمياً والاتصالات الجارية بخصوص قانون الانتخابات. وقد تمّ الاتفاق على وجوب الوصول بأسرع وقت ممكن إلى مشروع قانون جديد للانتخابات يحظى بتوافق الكتل السياسية ويأخذ بعين الاعتبار هواجس جميع الأطراف.
تباين على خط بعبدا – بيت الوسط
ورغم تأكيد الرئيس الحريري أنه متفق مع رئيس الجمهورية وأنه لن يكون هناك انقسام بعد اليوم على مستوى الحكم، وأنه على اتصال يومي مع عون للتباحث في مختلف القضايا والمشاكل التي يواجهها لبنان، أظهرت مواقف وزير الداخلية نهاد المشنوق أمس تبايناً واضحاً في وجهات النظر على خط بعبدا بيت الوسط حول الملف الانتخابي، ففي حين وضع المشنوق تصريح مواقف عون في سياق الكسب الشعبي، تمنّى عليه أن ينأى بنفسه عن الخلاف السياسي حول قانون الانتخاب، وأشار الى أن «رئيس الجمهورية عون مكتمل الزعامة وليس مضطراً لاتخاذ مواقف لكسب الشعبية، ومن هنا أتمنى عليه مراجعة موقفه حيال النقاش الدائر حول قانون الانتخاب الجديد انطلاقاً من موقعه بأن يكون رئيس الخيارات اللبنانية كلها، وحرصاً على ألا يتحوّل مقام الرئاسة وكلام الرئيس الى مسألة خلافية».
انتخابات بموعدها وقانون جديد
وجزمت مصادر في تكتل التغيير والإصلاح بأن الانتخابات ستجرى في موعدها وليس على «الستين»، بل على قانون جديد يراعي صحة التمثيل ويؤمن العدالة، مشدّدة لـ«البناء» على أن «الرئيس عون لن يتنازل عن هذا الموضوع وهو على رأس أولوياته وسيذهب حتى النهاية في إنجازه». وأشارت الى أنّ «التيار الوطني الحر طرح كلّ ما لديه من صيغ قوانين انتخاب ومنها القانون الأرثوذكسي. وهو ليس قانوناً طائفياً بقدر ما يكرّس النسبية داخل الطوائف ويحدد الأحجام الحقيقية لكل حزب من الأحزاب داخل الطوائف، وبالتالي تنتخب على أساسه الطوائف نوابها ما يحقق الاستقرار بين الطوائف وتمّ رفضه من الآخرين، فطرحنا النسبية الكاملة التي يؤيدها رئيس المجلس النيابي نبيه بري ومعظم القوى لكنهم رفضوها أيضاً، وعلى رأسهم النائب وليد جنبلاط، لكي لا تتمثل القوى الأخرى في الطائفة الدرزية والتي ردّت على جنبلاط وأعلنت موقفها المؤيّد للنسبية الكاملة».
وأضافت المصادر: «أنّ عون سيستخدم كلّ صلاحياته وأوراق القوة بين يديه لحث الأطراف للقيام بواجباتهم على صعيد القانون، وهو الذي أقسم اليمين على حماية الدستور الذي رفض البعض تطبيقه للحفاظ على مكتسباتهم». وردّت المصادر على كلام وزير الداخلية معتبرة أنّ «عون ليس مع طرف ضدّ آخر، لكنه مع النسبية الكاملة، وهو لا يطلق مواقف لأهداف شعبية بل لاقتناعه بذلك، وأنّ قانون الانتخاب هو مدخل مشروع الإصلاح والتغيير الذي يؤمن به ويعمل لأجل تطبيقه».
وحول تهديد جنبلاط بالعودة الى الطائف، أوضحت المصادر بـ»أننا لسنا ضدّ تطبيق الطائف وإعطاء الحقوق لأصحابها، لكن إدخال النسبية هو مقدمة لإلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلسي النواب والشيوخ واعتماد اللامركزية الإدارية».
ورجّحت المصادر «احتمال التوصل الى توزيع وتقسيم للدوائر بشكل توافقي، لا سيما تقسيم جبل لبنان الى قضاءين أو ثلاثة، وتوزيع الدوائر ما بين الأكثري والنسبي».
وأكد الرئيس عون، أنه «سيكون للبنان قانون انتخابي جديد يؤمّن تمثيلاً عادلاً في مجلس النواب لجميع اللبنانيين ولا داعي للخوف من النقاش الذي يرافق البحث في القانون الانتخابي العتيد، لأنه في النهاية ستتمّ الانتخابات ويتابع لبنان مسيرة النهوض التي بدأها قبل ثلاثة أشهر».
وشدّد رئيس الجمهورية أنه سيواصل «العمل لإعادة علاقات لبنان الطبيعية مع الخارج، بحيث يستعيد الدور الذي لعبه في السبعينيات وخسره نتيجة الحرب. لكن هذا الدور سيعود وبشكل أفضل من قبل لأننا متجهون نحو فترة استقرار ثابت ليرتاح الجميع مع بعضهم بعضاً ضمن التوازن».
على صعيد آخر، يعقد المجلس النيابي اليوم جلسة نيابية لاستجواب الحكومة، مخصصة للأسئلة، بدعوة من الرئيس بري.