مثلّثات تعيد رسم خرائط العالم من جديد
طاهر محي الدين
لماذا فجأة ظهر وعلى نحو غير متوقع الإعلان عن عقد جنيف 3 وتزامنه مع كلام الوزير لافروف الذي قال: «لا بد من وضع حد للإرهاب في سورية فوراً»؟ هل تغيرت الموازين لمصلحة المعارضين على الأرض؟ أم لأن نتيجة هزيمة أردوغان حسمت في الانتخابات؟ أم تقدم الجيش العراقي بقوة ضد الإرهابيين في العراق؟ أم هو اعتراض الطائرات التركية الـ f16 ووضعها على الرادارت السورية المربوطة بنظام الدفاع الصاروخي لمدة وجيزة وتوجيه رسالة قوية للأردوغاني أن عيوننا ساهرة ونستطيع الرد في أي وقت؟ أم هو تأكد النصر السوري في أقوى المعارك وأشرسها وأصعبها في كسب بعد زيارة قائد الأركان العماد علي أيوب للنقطة 45 مع قيادات عسكرية عليا في الجيش العربي السوري؟ أم هو تزايد الخوف من أخطار عودة الإرهاب إلى أوروبا من البوابة السورية؟ أم هو بسبب استقالة كيري الذي فشل في الضغط أو إقناع حكومة الكيان بالسير في عملية التفاوض ووقف الاستيطان وانتهاز الفرصة التاريخية التي يمكن أن تتوافر من جديد في فترة مقبلة؟
المؤشرات كلّها تدل على فشل المشاريع الأميركية في المنطقة من الضربة القاضية التي تلقاها في أوكرانيا، إلى قوة الإيراني التفاوضية في ملفه النووي وإرغام المتعنّت الأميركي على تسوية « غير سيئة « كما يدعي الأميركي الذي ركع صاغراً على ركبتيه واضطر إلى الجلوس إلى طاولة المحادثات مع المفاوض الإيراني وبشروطه وفق سياسة الإمام القائد الخامينئي، والأميركي المترنّح اقتصادياً والمضطر إلى الانسحاب من أفغانستان ويريد ترتيب أوضاع حلفائه في المنطقة قبل انسحابه، لا بد له من تقديم أوراق إلى الروسي والإيراني والصيني لتسهيل عملية انسحابه المدوّية، بعدما فشل في كسب أي ورقة عن طريق القوة والعنجهية الأميركية، فأدواته كلها في المنطقة من أعراب الخليج إلى العثماني الطوراني، وسليل البريطانيين في الأردن، أسقطوا جميعاً في الحرب السورية وأحاطت بهم سرداق لعنة دمشق، وأحرقتهم نيران الدم السوري المقدس، وتلقي ربيبته «إسرائيل» الضربة الصاعقة بـ120 صاروخاً من المقاومين في غزة، وفشل منظومة القبة الحديدية التي كلفت الكيان مليارات الدولارات، كما فشلت قبلها «الميركافا» وأسقطت أسطورتها تحت ضربات رجال الله في لبنان، وتكريس علو كعب المقاومة الإسلامية في حزب الله في حرب الأدمغة، وارتفاع جهوزيته لخوض حروب تحرير المدن، والتطور النوعي والكمي على ما أكّد سيّد المقاومة في إطلالته الأخيرة ، وانهيار منظومة الممولين في الخليج فلا عاقل في الكون إلاّ تأكد من تقهقر منظمة دول مجلس التعاون الخليجي وأصبحت دول المجلس شتاتاً بل في خلافات حادة في ما بينها.
صرح بان كيمون أن الاتفاق على عقد جنيف 3 تم، وأكد الوزير لافروف أن أجندة الاجتماع حددت تقريباً، وما نعتقده يقيناً نحن السوريين أنه سيعقد تحت بند أساسي هو مكافحة الإرهاب بحسب أجندة الحكومة السورية، وهي النقطة التي انتهت عندها جولة جنيف 2، فمكافحة الإرهاب المتدحرج للمنطقة، خاصة إلى أوروبا، باتت أمراً لزاماً، وأبرز مؤشراتها القرار الذي أصدرته حكومة المملكة المتحدة بإعادة النظر في طبيعة عمل تنظيم «الإخوان المسلمين» على أرضها، علماً أن هذا التنظيم الإرهابي هو أصلاً من تشكيل الاستخبارات البريطانية نفسها وتدبيرها، وكان هذا التنظيم وضع على لائحة الإرهاب العالمية مع مجموعة أخرى تشبهه مثل «النصرة» و«داعش» إلى آخر التنظيمات الإرهابية المسلحة المتعفنة. والحرب على الإرهاب هذه ستطيح رؤوساً كبرى في الحرب على سورية، من قطر مجدداً حيث سيطاح رأس الفتى تميم، بعد الإنجاز في السعودية، وربما يكون التالي تعليق الجرس في العثماني الذي ترسم آخر لوحات هزيمته في سورية، بحرمة دم الأرمن الذين تعرضوا للتهجير الثالث على يدي العثماني المتجبر في كسب التي ستكون آخر المسامير في نعوش «الإخوانين» في كسب.
في هذه الجولة الخاسرة أيضاً من جنيف، لا يعلم أعضاء «اعتلاف» نعاج الدوحة، ومن ورائهم بعض الرؤوس الحامية، أنهم يقادون إلى جنيف ليتم إسقاطهم بالضربة القاضية وأنهم بيعوا وأحرقت ورقتهم بعدما فشلوا أمام ضربات كتيبة الأسود الموفدة إلى جنيف والتي ستنهي آمالهم كلها، وقد يكون ذلك آخر ظهور لهم، بحسب ما قال نبيل العربي من أن الائتلاف هو جزء من مفاصل المعارضة السورية وليس الممثل الوحيد لها، بعدما وضعت السعودية «الإخوان» أيضاً على قائمة التنظيمات الإرهابية والمحظورة، وبات مؤكداً، اعتماداً على نتائج الانتخابات البلدية التركية تراجع المزاج «الإخواني» وبداية انهياره فعلياً، كما رُحّلت أدواته إلى مزابل التاريخ يومياً في كسب، وهو المنتهى الحتمي لأردوغان العثماني الجديد.
قد يتوهّم المشتبهون ممّن يسمّون أنفسهم «معارضات» أنهم في هذه الجولة سوف يستطيعون تثبيت نقط التواجد عبر كسب، ويهيّأ لهم أن جنيف هذا قد يفضي إلى وقف العمليات العسكرية ويتثبت كل طرف في المناطق التي يسيطر عليها، لكن: هيهات لأوهام الخونة والشياطين أن تتحقق، وفي الميدان أسود الجيش العربي السوري ورجال الله. فما لم يستطيعوا هم وأسيادهم من الأميركان والصهاينة والأعراب من الحصول عليه في ميادين الحرب لن يحصلوا عليه بالسياسة على الإطلاق.
أوروبا تعصف بها أعاصير التقشف والإنهيار الإقتصادي، والأميركي من هزيمة إلى انكسار في المنطقة، والكيان الصهيوني تدكّه صورايخ المقاومين، والقيادة الفلسطينية إلى الطريق الصحيح وعودة التقرب من الحضن الدافئ سورية، خيم العربان إلى زوال وتناحر، وإيران نووية شاء من شاء وأبى من أبى، ومصر إلى الأمام مثلما نأمل مع السيسي، والعراق على أبواب الانتخابات فلنترقّب، ولبنان في المنطقة الرمادية، وروسيا أقوى الأقطاب مع حليفها الصيني، وذلك كلّه من بوابة الصمود السوري مع حلفائه في محور المقاومة، سورية التي باتت قاب قوسين أو أدنى من حسم معركة الإرهاب الكوني عليها، وتتويج أسد التاريخ سيّداً على الجغرافيا.
بلى أيها السادة، هي المعادلات الذهبية التي رسمها سماحة السيد نصرالله في لبنان من جيش وشعب ومقاومة، ومثله الثالوث المقدّس في سورية الشعب والجيش والقائد. إنّها المثلثات التي تعيد رسم خرائط العالم من جديد.
فصبراً أيها السوريون العظماء، فما نصرنا إلاّ صبر ساعة.