هلعاً من ت/رامبو أم تفجُّعات على هيلاري؟

عادل سمارة

لافت هذا الضخّ الإعلامي من كلّ أنواع العرب ضدّ ت/رامبو مما يضعنا على حافة البكاء على «قبر» هيلاري كلينتون. كما يُنسينا الكوارث التي يغرق فيها العالم العربي بتنوّعاتها. إعلام وساسة ومثقفون متخارجون تماماً، تابعون بالمطلق، وبالتالي هم خطر على العقل والخطاب العروبي الذي ما أحوجنا إليه اليوم خاصة.

مباراة هائلة حتى مع الإعلام الأميركي المضادّ لترامب لإثبات أننا كعرب نبكي هيلاري حتى لنكاد نُحييها.

ت/رامبو مجرد مدرسة في العنف والتقشيط الرأسمالي الأميركي. مدرسة ليست جديدة أبداً، بل هي خليط من كلّ أجنحة النخب الأميركية الحاكمة تبادلياً وهي في الحزبين معاً:

ـ نخبة الإدارة السياسية للبيت الأبيض.

ـ نخبة المجمع الصناعي العسكري.

ـ نخبة المجمع الصناعي المدني.

ـ نخبة الدين السياسي والليبرالية والمابعديات.

ـ ونخبة الإعلام.

وكما تتبارى وتتنافس وتحتكر هذه النخب السلطة والثروة في ما بينها، فهي تتبارى في العنف على الصعيد العالمي.

الغريب أنّ مثقفي الطابور السادس الثقافي العربي يتفجّعون على ما يقوم به ت/رامبو داخل أميركا ويزعمون أنه سيدمّرها. لا بأس، حتى لو، فما الذي يزعجكم؟

تجاه المسلمين وخاصة العرب منهم، فإنّ ت/رامبو لم يأت بجديد بل أعلن ما كان تحت جلد الثقافة والدستور. وبالطبع، فالمتفجعون/ات لا يسألون أنفسهم، لماذا يهرب كلّ هؤلاء الناس من أوطانهم وأهليهم إلى غربة مُهينة؟ حتى قبل القاعدة وداعش؟ ايّ بسبب الأنظمة التي يمالئها كلّ فريق من المثقفين تابع لها.

ت/رامبو مدرسة في خدمة بلاده، فماذا عنكم. لا بل هو لم يغادر حتى سياسات هيلاري وأوباما لأنّ الرئيس إبن النخب ولا يمكنه الوصول إنْ لم يكن ابنا باراً.

ت/رامبو على خطى أوباما

لن أتحدث سوى عن جانب واحد من سياسة إدارة أميركا/ أوباما وهو الأساس لنرى تموضع ت/رامبو فيه.

لننظر ما ورد في المصدر أدناه وللدقة احتفظ بالنص الإنجليزي :

«منذ أن أعلنت سياستها الخارجية «تحوُّل إلى آسيا» بعد وقت قصير من انتخاب باراك أوباما، فإنّ الولايات المتحدة قد قامت باستغلال مكثف لقوتها المؤسساتية والمتنقلة لتشجيع عدم التأميم ايّ عدم التحكم القومي بالاقتصاد – ع.س لدى البلدان النامية التي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على التصنيع والتجارة حيث انّ جزءا من هدف استراتيجيتها أيّ أميركا المعولمة هو توسيع هيمنة رأس المال المالي بأقلّ كلفة ممكنة. إنّ تطوير الشراكة عبر الباسيفيكي Trans-Pacific Partnership TTP هو مسألة أساسية. ومحط عناية. تحلل هذه المقالة استراتيجية الشراكة هذه التي تستهدف الصين، معلنة بأنّ الشراكة هي معركة على شروط التطور الاقتصادي والخطاب في القرن الحادي والعشرين، وكذلك هي توضيح وشرح لإيديولوجيا التكنكراسي الشريحة الطبقية التي تعتمد في تغيير كلّ شيء على التكنولوجيا بما قد يغيّر الإنسان نفسه. والمصطلح مأخوذ من كتابات هربرت ماركوزة في الستينات وهو طبعاً من مدرسة فرانكفورت الدخيلة على النظرية الشيوعية من جهة، والثقافوية من جهة ثانية، والتي لجأ كثيرون منها إلى أميركا تحت غطاء الهرب من النازية من جهة ثالثة، والتي بها خيوط صهيونية من جهة رابعة- ع.س والقوة الناعمة. وأيضاً، فإننا ننتقد دور هذه الشراكة في دورها الذي يقوم بتآكل السيادة الاقتصادية، والتي سوف تستأصل بشكل فعّال اقتصادات الدول النامية لتتخذ شكلاً من التوسع المناطقي لشبه الاستعمار».

ما الفارق إذن بين هذا وبين ما يحشد له ت/رامبو ضدّ الصين؟ وهل قرار ت/رامبو الاشتباك في الداخل الأميركي سوف يعيق حشده ضدّ الصين؟ بالطبع لا. ت/رامبو قرّر منع دخول العرب المسلمين، بينما أوباما وهيلاري قتلوا العرب في بلدان العرب أيّ لم يسجلوا على أنفسهم عنصرية المنع، ولكن قاموا بالاجتثاث الشامل. من لا يعرف فليقرأ كم عدد من قتلتهم طائرات الدرونز الأوبامية؟ كم عدد الشهداء والقتلى في اليمن وليبيا وسورية والعراق على يد جيش أوباما بل جيش أميركا الثالث أي العرب الذين يُعملون ذبحاً في كلّ العالم العربي من الجزائر وحتى صنعاء. وعليه، إذا كان ت/رامبو بلدوزر كشارون، فإنّ أوباما وهيلاري أفاع.

بل علينا أن نسعد لقرار ت/رامبو تدفيع حكام الخليج ما يتبقى في بطونهم من مال بدل أن يجهّزوا به غزوات على بلد الأمويين. على الأقلّ سوف يستخدم ت/رامبو جزءاً منه ضدّ الصين وليس ضدّنا!

ويستكمل المصدر ما يلي: «… بالمقارنة مع الاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة، التي أنشئت عام 1944 لضمان أسواق للإنتاج الصناعي الأميركي بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك مع منظمة التجارة العالمية، التي أنشئت عام 1994 للعولمة ورأس المال الصناعي، فإنّ الجوهر الحقيقي للشراكة عبر الباسيفيك هي اليوم الدفع باتجاه «عدم تأميم/ قومية» بلدان واقتصادات على صعيد العالم».

ما الذي يبقى ليتضح بعد كلّ هذا؟ إنها سياسة الحزب الديمقراطي في احتجاز تطور كلّ العالم. جميع العالم. نحن أمام جوهر العولمة التي اشتغلت عليها الولايات المتحدة الأميركية مقرونة مع السياسات النيوليبرالية. لا تعود التسمية مشكلة، بمعنى هل الأمر هو العولمة أم لا. بل المهمّ أنّ رأس المال الاحتكاري في أميركا بفرعيه: الإنتاجي والممولن Financiliazed على إصرار تامّ باحتجاز تطور المحيط لصالح المركز الرأسمالي في أميركا الذي يحتكر:

ـ المركز المالي واداري.

ـ وتتجمع فيه تحصيلات الربح من بيع الإنتاج الصناعي والريع الذي يسلخه بالمضاربات المالية.

وعليه، يكون الخلاف على أنها عولمة أم لا، بقيت أم لا هو من نافل القوب.

ويضيف المصدر: «… وكما قال باراك أوباما في حديث له عام 2015: «حينما يكون 95 بالمئة من زبائننا المحتملين يعيشون خارج حدودنا، فإننا لا يمكننا أن نسمح لبلد مثل الصين بأن تكتب قواعد الاقتصاد العالمي. نحن الذين يجب ان نضع تلك القواعد، ونفتح أسواقاً جديدة للمنتجات الأميركية وأن نضع مستويات او معايير عالية لحماية العمال والحفاظ على بيئتنا».

ما الفارق هنا بين قول أوباما وبين قول ت/رامبو سواء ضدّ الصين أو لترسيخ سيطرة أميركا على السوق العالمي، سمّها عولمة أم امبراطورية أم تقشيط شامل. لا فرق؟

الانقلاب في موقع آخر

كي يتمكن التيار التروتسكي من تحقيق أممية بالمقلوب وبمفهوم صهيوني، مستخدماً أو مندمجاً مع الإمبريالية الأقوى ايّ الولايات المتحدة أدخل قيادات منه في المحافظين الجدد بما هم تيار اليهو – سيحية دينياً لكن جوهره رأس المال. وعبر هذا كان تدمير العراق. وطبعاً هتف لذلك عرب كثيرون ووصموا صدام حسين بأنه عميل أميركي رغم قرار إعدامه وتحديداً يوم العيد، ولم يتراجع هؤلاء عن وصم صدام. وها هم كلّ يوم على شاشات تزعم المقاومة يفتتحون ثرثرتهم العارية الجسد بشتم صدام بينما في العراق اليوم 15 ألف جندي أميركي يقيمون كياناً بين العراق وسورية داعشي/ سُنِّيْ الهوى! ويقول عراقيو أميركا: بين العراق وأميركا شراكة استراتيحية!

لكي يحمي ت/رامبو اقتصاد بلاده، يلجأ إلى السياسات الكلاسيكية الرأسمالية المعروفة، ايّ الحماية عملياً والانفتاح أو تحرير التجارة الدولية خطاباً وشكلانية. والحماية تعني هنا حماية بلده من المنافسة الأجنبية والذهاب لغزو كلّ شبر في العالم اقتصادياً وإنْ أمكن عسكرياً. أذكر في هذا الصدد أنّ القنصلية الأميركية في عهد بيل كلينتون أصدرت تقريراً مطولاً للراسماليين الأميركيين عن فرص الربح في المناطق المحتلة 1967! هذا هو رأس المال . انظر

البنك الدولي والحكم الذاتي: المانحون والمادحون: دراسة في تبعية وإعادة تثقيف الفلسطينيين. عادل سمارة، مركزالمشرق/ العامل، للدراسات الثقافية والتنموية، 1997، الملاحق الثلاثة

ما يقوم به ت/رامبو لا يتناقض قطعياً مع ما قام به أوباما بل يكمله.

خلاصة القول، إنّ المطلوب وبتواضع جمّ، هو ان نحدّد اين موقعنا في خريطة وطننا، وماذا يريد منا هذا العالم بأنواعه، وليس أن ننشغل في الصراخ ضدّ ت/رامبو الذي يظلّ أميركياً وصهيونياً. فهو إذ يبتز كلّ حلفاء أميركا فإنه يُرضع الكيان. إنّ أميركا هي غيمة هارون الرشيد التي ينتهي خراجها للكيان الصهيوني، أينما ذهبت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى