بقرادوني: قناعات بمثابة وصايا مقدّسة
اعتدال صادق شومان
اختارت قناة «الميادين» الوزير السابق كريم بقرادوني، صاحب كتاب «صدمة وصمود»، ليدير السلسلة الوثقائية المؤلفة من ثمانية أجزاء، وعنوانها العريض «إميل لحّود»، والتي يبدأ بث حلقتها الأولى عندا الساعة التاسعة من مساء غدٍ الأحد.
يُطلّ كريم بقرادوني هذه المرّة من على شاشة «الواقع كما هو» بمهمة إعلامية، إلى جانب كونه سياسيّاً مخضرماً، عاصر مجمل التكوين السياسي اللبناني، واحتفظ بعلاقات مع كلّ الأطراف على مدى حقب مختلفة من الصراع، إلى جانب حضوره ككاتب سياسيّ مسهب، وفشلت السياسة كلّياً في إبعاده عن مكانته «الكتابية»، وهو الذي شغل يوماً منصب مستشار الرئيس اللبناني الياس سركيس إلى جانب مناصب أخرى في سيرة ومسار طويلين، له فيهما ما له وعليه ما عليه.
كما أنه عُرف عن كريم بقرادوني تناوله سِيَر الرؤساء اللبنانيين، وخصوصاً بشارة الخوري، كميل شمعون، شارل حلو والياس سركيس، في كتابه «السلام المفقود» الذي يشمل معلومات غابت أو غفلت عنها كتبهم. أما كتابه الأخير «صدمة وصمود»، فتناول فيه عهد الرئيس إميل لحّود، مدار موضوع السلسلة الوثقائية على «الميادين»، التي اهتدت إلى بقرادوني ليقدّمها ويدير حبكتها الروائية، بحسب ما أوضح بقرادوني في حديث إلى «البناء».
يقول بقرادوني إنّ «الميادين» توجّهت إليه تستجليه تفاصيل العمل المنتظر، ويوضح أن مهمته في السلسلة، ربط الأحداث وترتيب مجرياتها التاريخية وشخصياتها المحورية ممّن عايشوا تلك الحقبة، والإضاءة على كواليسها المتوارية في الغرف الخلفية، والكشف عن قُطَبِها المخفيّة وبَسْطها أمام المًشاهد، تبياناً لوقائع ومواقف سُجّلت في زمن التحوّلات الكبيرة والهزّات الأمنية الكبرى، التي وسمت عهد الرئيس لحّود، وألقت تبعات كبيرة على عاتقه، خاض فيها الرجل معاركه الأقسى، في مرحلة مفصلية من تاريخ لبنان الحديث، رغم أن السلسلة الوثائقية تأتي بعد مرور 28 سنة على اتفاق الطائف، وتسلّم العماد لحّود قيادة الجيش، ومقاليد الرئاسة في ما بعد، ودخوله نادي الرؤساء على وقع «فرح الناس».
ومع انقضاء عشر سنوات على اليوم الأخير من ولايته في 23 تشرين الثاني 2007 ومغادرته القصر الجمهوري بضمير مرتاح، تاركاً للتاريخ تقويم هذه المرحلة بمحطّاتها الأساسية وأحداثها النافرة وأسمائها المشكّكة، وليدشّن اللبنانيون مرحلة الفراغ الرئاسي الذي استمر أشهراً.
عن كتابه «صدمة وصمود» الذي اعتمدته «الميادين» كصيغه أساسية للبرنامج، وعليه تم اختياره مقدّماً لهذا البرنامج، وعن أوجه التشابه والتمايز بين الكتاب والسلسلة الوئقائية، يرى بقرادوني في حديثه إلى «البناء» أن كتابه جاء من وجهة معايشته العهد، وقراءته الشخصية لمجريات الأمور، بغضّ النظر عن قناعات الرئيس لحّود التي هي بمثابة وصايا مقدّسة عنده، وقد نقلها بقرادوني بتجرّد في كتابه، وأبرزها: أن لا عدو للبنان ورسالته سوى «إسرائيل». لا بقاء للبنان وللوطن من دون جيش وطنيّ قويّ. لا تحرير للأراضي اللبنانية إلا بالمقاومة المسلّحة. لا أمن ولا استقرار من دون التفاهم بين الجيش اللبناني وحزب الله. مكافحة أهل الفساد والإفساد. وحذار الوقوع في إغراءات المال. سلوك طريق الإصلاح الكامل والشامل بدءاً بقانون انتخاب النواب وفقاً لنظام النسبية، على قاعدة لبنان دائرة انتخابية واحدة، ومعالجة قضايا الفقراء والمعوقين والمسنّين وتنفيذ قانون ضمان الشيخوخة. هذه المقتضيات كلّها كانت بمثابة عهد وميثاق تكفّله الرئيس لحّود بدءاً من خطاب القَسَم.
أما «إميل لحّود»، على «الميادين» ـ يتابع بقرادوني ـ فهو برنامج تسجيليّ وثائقيّ يعتمد «صدمة وصمود» بالمنحى العام للأحداث، إنّما من وجهة نظر الرئيس لحّود شخصياً. تماماً كما خاضها وواكبها على مدى تسع سنوات من رئاسته. ويقول بقرادوني: طبعاً أضيفت إليها بلاغة الصورة وبهرجتها بالألوان والأصوات والمؤثرات، بحيث هي محفّز بصريّ وسمعيّ للمُشاهد.
ويضيف بقرادوني: لم تبتعد كثيرا السلسلة الوثقائية عن مضامين الكتاب الذي لم يكن لولا الساعات الطويلة التي قضيتها مع الرئيس لحّود في عزّ حضور الذاكرة والأحداث والصورة. إلا أنّ البرنامج أضاف شهوداً وشخصيات لبنانية وإقليمية وعربية وأجنبية، كان لها دور في ما جرى ويجري، يؤتى على ذكرها في سياقها، أبرزها والأكثر حضوراً أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، وما بين الرجلين من وطائد انتصارين ومسؤليات، مع الرصد الوثائقيّ الكبير الذي أغنى البرنامج ورفع قيمته الوثائقية، وهذا إنجاز يسجّل ويقدّر لـ«الميادين»، خصوصاً في تغطيتها مرحلة تولّي الرئيس لحّود قيادة الجيش، حيث الصمت هنا رفيق الواجب والإطلالة الإعلامية المصوّرة نادرة جدّاً، تقتضيها ضرورات عسكرية وأمنية، وهذه حالة لم تنتفِ حتى في سدّة الرئاسة المكبّلة بالبرتوكول الملزِم، والتصاريح والأحاديت والبيانات ذات الطابع الرسميّ، لذا لم يتسنّ للرئيس لحّود الخوض في الكلام خارج مقتضيات رسميات الرئاسة ومحاذيرها. أما اليوم، وبعد مرور عشر سنوات على خروجه من السلطة، فمن الملحّ أن نرى إطلالة إعلامية بحجم ما تقدّمه «الميادين» يضع فيها الرئيس النقاط على الحروف ويكشف المستور ويضع الأمور في سياقها ونصابها الحقيقيين، موثّقة بالصوت والصورة والشواهد تماماً كما ترتأي «الميادين»… «الواقع كما هو». خصوصاص أنّ عهد الرئيس لحّود كان محفوفاً بالزلازل الأمنية والسياسية والأحداث الكبيرة، ففي عهده أُقرّ القرار 1959 الصادر عن مجلس الأمن الدولي الذي قضى بانسحاب الجيش السوري من لبنان، وما تبع هذا القرار من قرارات ارتدادية لاحقة متعلِّقة بالمقاومة وسلاحها المشهور في وجه «إسرائيل». وفي عهده أُنشِأت المحكمة الدولية من أجل لبنان، على إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وفي عهده كانت حرب تموز 2006 وما شهدته من انسحاب للجيش «الإسرائيلي» من دون قيد ولا شرط، وفي عهده أيضاً انتصارات ومكائد ونيات مبيّتة وآراء متضاربة بقسوة حولها. أيضاً في عهده عُزّزت الثقة بين الجيش والمقاومة على قاعدة تعاون ذهبية لم تزل قائمة حتى اليوم، ترجمتها معادلة «الجيش والشعب والمقاومة». وأيضاً في عهد الرئيس لحّود تألق نجما الرئيس الحالي ميشال عون وأمين عام حزب الله حسن نصر الله، وعزّزت حضورهما المشترك وثيقة التفاهم الشهيرة.
لماذا الآن هذه الإطلالة الإعلامية الضخمة للرئيس لحّود على شاشة «الميادين»؟ سؤال يطرحه بقرادوني على المشاهدين ومتتبّعي البرنامج في بداية بثّ الجزء الأول منه. قبل أن يلوذ بالسكوت عن الكلام المباح، ليضرب لنا موعداً عند الساعة التاسعة من مساء غدٍ الأحد، ليزيدنا تشويقاً وانتظاراً لإطلالة فخامة الرئيس المقاوم إميل لحّود… وبكلّ فخر على شاشة المحطة الموصوفة بمناصرة الرئيس لحّود في مواقفه الوطنية والمنحازة إلى جانب المقاومة وسلاحها، رغم «كيد الكائدين».