تقرير «العفو الدولية»… الحرب المستمرّة
معن حمية
في السادس من كانون الأول 2016، التأم مجلس الأمن الدولي وأمامه مشروع قرار تدعمه الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، لفرض هدنة في مدينة حلب تحت ذريعة إيصال المساعدات الإنسانية، الا أن المشروع سقط بـ «فيتو» مشترك روسي وصيني، لأن أهدافه مغايرة تماماً للعنوان الإنساني.
بعد أسبوعين من سقوط مشروع القرار واستهدافاته، فرض الجيش السوري وحلفاؤه أمر واقع ميدانياً، فسقطت ورقة حلب من يد الإرهاب، وتمّ إخراج العناصر الإرهابية من شرق حلب، بعد اتفاق وقف إطلاق النار، الذي جرى تثبيته في مؤتمر أستانة، من دون أن يكون هناك أيّ دور للدول التي قدّمت المشروع، أو تلك التي دعمته.
حين أسقط الروس والصينيون مشروع القرار في مجلس الأمن الدولي انهالت المواقف الأميركية والبريطانية والفرنسية المندّدة، ودخلت على الخط منظمات غير حكومية، تحت شمّاعة الأوضاع الإنسانية التي درج استخدامها لتغطية أعمال إرهابية تنفذ ضدّ الجيش السوري والمدنيّين.
واضح أنّ الدول الرئيسة المشتركة في الحرب ضدّ سورية، والمنظمات غير الحكومية التابعة لها، لم تكن تُعير أيّ اهتمام لحياة المدنيين وللأوضاع الإنسانية في مدينة حلب، حيث كان يسقط يومياً عشرات الضحايا جرّاء قصف المجموعات الإرهابية، بل كان كلّ تركيز هذه الدول على تمكين العناصر الإرهابية من تثبيت سيطرتها على منطقة شرق حلب، والحؤول دون انكشاف حجم الدعم الكبير الذي كانت تقدّمه للمجموعات الإرهابية مواد طبية وغذائية وأسلحة حربية . وهذا ما تكشّف لاحقاً بعد تحرير المدينة من قِبل الجيش السوري وحلفائه، حيث عُثر على فائض أدوية وأغذية ومعدّات إجرامية موضّبة ومخبّأة في مستودعات المجموعات الإرهابية المتطرفة.
ولأنّ منظمة العفو الدولية واحدة من المنظمات غير الحكومية التي تؤدّي وظيفة إصدار تقارير «إنسانية» بمعايير أميركية بريطانية، فإنّ الإدارات الغربية تلجأ الى هذه المنظمات في الأوقات التي تشعر فيها بمجريات ومسارات تعاكس مشاريعها ومخطّطاتها. وقد بات معروفاً أنّ المنظمات غير الحكومية، التي ترفع زوراً شعار حقوق الإنسان، هي جزء من منظومة السياسات الغربية. وبالتأكيد فإنّ تقرير منظمة العفو الدولية حول إعدامات مزعومة في سجن صيدنايا المركزي، يندرج في سياق هذه السياسات التي تواجه الفشل تلو الفشل في حربها المفتوحة ضدّ سورية، مقابل إنجازات يحقّقها الجيش السوري وحلفاؤه في مواجهة هذه الحرب الإرهابية.
ما هو مؤكد أنّ تقرير «منظمة العفو الدولية»، عدا كونه لا يقدّم دليلاً واحداً على مزاعم الإعدامات، فإنه جاء مبتذلاً وممجوجاً، حيث استند على ظاهرة «شهود العيان» التي انتشرت مع بدء الحرب على سورية. وهذا الابتذال كانت قنوات إعلامية مثل «الجزيرة» و«العربية» مارسته وبَنَت على «الشهود العيان» جبلاً من الأكاذيب والفبركات.
والتقرير الذي نفت الحكومة السورية صحّته، وصفته روسيا بالكاذب، وقالت إنّه «لا يتطابق مع الواقع» و«ينطوي على خيال مريض»، وهذا «الخيال المريض» ينطبق على كلّ منظومة الإعلام والمؤسسات الإنسانية التي وقفت في صفّ الدول والمجموعات الإرهابية ضدّ سورية.
ورغم إدراك أنّ ما انطوى عليه التقرير من أكاذيب ومزاعم هو من نسج ومقتضيات السياسات الغربية الصهيونية، إلّا أنّه يكشف عن سعي الدول الداعمة للإرهاب إلى تصعيد مواقفها وحربها ضدّ سورية وبأشكال متعدّدة، لأنها تشعر بفداحة فشل أهدافها وتهميش دورها وحضورها في مفاوضات تثبيت وقف إطلاق النار التي جرت في أستانة.
لا شك في أنّ التقرير المذكور وضع خصيصاً لكي تستخدمه أميركا وحلفاؤها أداةً للتصعيد ضدّ سورية وعرقلة المسار الذي تقوده روسيا. فالأميركيون يتلمّسون أنّ روسيا وإيران وحلفاءهما يتقدّمون على أكثر من محور وصعيد، وأنّ هذا التقدّم لن يقتصرعلى إرغام تركيا على الانخراط ولو شكلياً في تثبيت وقف النار، بل يذهب في اتجاه الدفع بالحوار السوري ـ السوري، وفي اتجاه تحرير جامعة الدول العربية من سطوة الهيمنة الغربية المفروضة عليها بواسطة بعض الدول العربية.
المسؤولون الغربيون سارعوا الى تبنّي التقرير فأطلقوا مواقف تصعيدية، وتأبّطه أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، مستحضراً مفردات «القلق» و«جرائم الحرب» الأمر الذي يشي بأنّ ثمة أمر عمليات أميركياً قد صدر وتبلغّته أمانة الجامعة العربية!
تقرير «العفو الدولية» واضح باستهدافاته ومراميه، إنه ذريعة لمواصلة الحرب على سورية…
عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي