لبنان في فوضى «داعش» و«النصرة» ينتظر مفاجأة الخليج يدخل من بوابة اليمن الربيع العربي الجديد
كتب المحرر السياسي:
الحدث اليمني المزلزل صار عنوان أحداث المنطقة ومحرك معادلاتها الجدية، راسماً عاملاً موازناً للأهمية التي احتلها تنظيم داعش في الاهتمامات الفعلية للدول المقررة في العالم والمنطقة. الحوثيون ظهروا قوة قادرة ومفاجئة، فقد تمكنوا من إزاحة علي محسن الأحمر الحاكم الفعلي لليمن بتفويض سعودي أميركي، واستولوا على ثكناته ومقراته وتركوه يهرب، وبالمعنى الإستراتيجي اليمن صار بيد الحوثيين، لو أرادوا اعتقال الرئيس عبد ربه منصور هادي واستلام دفة الحكم لكان لهم ذلك، ولو أرادوا مكاسب فئوية يفاوضون عليها لحساب مناصب ومكاسب للجماعة التي يمثلونها لحصل ذلك بأسهل الطرق، لكنهم خاضوا الطريق الأصعب، طريق الحل السياسي مع الفريق التابع للسعودية وأميركا، شرط امتلاكهم مع شريكهم الحراك الجنوبي حق الفيتو على كل شيء، بنص اتفاق أصروا أن يقوم بتلاوته ممثل الأمم المتحدة جمال بن عمر بحضور الرئيس وسائر قادة البلاد.
قد ينشغل الكثيرون بتفاصيل تطبيق الاتفاق، لكنها تفاصيل لن تقدم ولن تؤخر، فالأهم إستراتيجيا هو أن الخليج دخل جدول استحقاقات جديدة، لم يعد أمن الخليج مضموناً بلا التفاهم مع الحركات المعارضة التي يشكل الحوثيون طليعتها من السعودية إلى الكويت والبحرين، ولن تستقر أنظمة الحكم التي تتعرف من بوابة اليمن إلى الربيع العربي الجديد، إلا بتغييرات هيكلية تأخذها نحو مشاركة عادلة لكل مكوناتها في الحكم.
الخليج ومن ورائه أميركا في مصير النفط، يصير همهم سعودياً، فهي الدولة الكبرى في الخليج، وهي المصدر الأول للنفط التجاري في العالم، وهي الدولة الراعية للحكم الذي سقط في اليمن، وهي الدولة التي جعلت القوة التي تمسك باليمن اليوم عدوها الأول، وسعت لتصنيفها دولياً حركة إرهابية.
خسارة السعودية أكبر من القدرة على الاستيعاب والتحمل، فاليمن أكبر وأوزن من السعودية، وخبره السعوديون يوم كان بعهدة جمال عبد الناصر، ويعرفون معنى التحول الذي يجري وترتعد فرائصهم، لذلك لم يتردد وزير خارجيتهم سعود الفيصل بتلبية التعليمات الأميركية بضرورة التقرب من إيران، لأنها الجهة الوحيدة القادرة على إدارة تفاوض سريع للتوصل إلى تفاهمات، تحد من الخسائر التي لا تعد ولا تحصى بسقوط اليمن في حضن حلف المقاومة، التي لا يضير الحوثيين القول إنهم جزء حقيقي وفاعل منها.
في قلب هذا التحول لبنان بلا قبطان ولا دفة ليدير سفينته نحو بر الأمان، سواء في استحقاق الرئاسة أو مستقبل مجلس النواب، خصوصاً قضية داعش وما تفرع منها في قضية العسكريين المخطوفين، بدا لبنان كسفينة تائهة في عرض البحر تتلاعب بها الأمواج، فتارة ترتطم هنا وتارة تطفو هناك، كأن اللبنانيين سياسيين ومواطنين لم يتبق لهم إلا انتظار مفاجأة تقرر ما سيحدث غداً، إما مفاجأة سارة بتفاهمات دولية إقليمية سريعة تتسع لاستحقاقاته وتحرره من عناء الانتظار القاتل، أو مفاجأة دراماتيكية في تحركات داعش نحو شبعا والعرقوب أو نحو الشمال، أو عملية دموية تتلاعب بمصير العسكريين.
وبينما يواجه الجيش أعنف اعتداءات عليه من الجماعات الإرهابية، كشفت مصادر وزارية مطلعة لـ«البناء» عن أن العقود التي بدأ العمل عليها من أجل تسليح الجيش لا تلحظ حتى الآن تسريع إمداده بالسلاح وفق مستلزمات ومخاطر المرحلة في مواجهة الإرهاب. وأشارت في هذا الصدد إلى أن العقد الموقع مع الولايات المتحدة في إطار الهبة السعودية هو بقيمة 50 مليون دولار من أصل 500 مليون مخصصة للجيش، للحصول على طائرات استطلاع غير ذات جدوى مؤكدة أن العدد ليس 18 طائرة كما تردد. أما السلاح الروسي فهو يحتاج إلى أشهر للحصول عليه.
ولفتت المصادر إلى أن رئيس الحكومة تمام سلام سيثير هذا الموضوع في الأمم المحدودة ويشدد على ضرورة الإسراع في تسليح الجيش للقيام بمهمته في مواجهة الإرهاب.
مواقف لنصر الله اليوم
ووسط حملة التحريض المبرمجة ضد حزب الله، يطل الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، الساعة الثامنة والنصف من مساء اليوم عبر قناة المنار، ليتحدث عن التطورات السياسية والأمنية في لبنان والمنطقة.
وأكدت مصادر حزب الله لـ«البناء» أن السيد نصر الله سيتناول في كلمته ملف العسكريين المختطفين والجدل الإعلامي حول تحميل «الحزب» مسؤولية تعطيل المفاوضات، كما سيتناول الوضع الأمني في عرسال، وإمكانيات الجيش العسكرية ومن يعرقل تقوية الجيش وتسليحه.
كما سيتحدث عن الإرهاب والتحالف الدولي لمكافحته والذي استثنى سورية وإيران وروسيا، وموقف حزب الله منه.
مقومات حسم معركة عرسال غير متوافرة
وأكدت مصادر أمنية لـ«البناء» أن مقومات حسم المعركة في عرسال غير متوافرة عسكرياً ولا سياسياً في الوقت الراهن، لأن الحكومة منقسمة بين فئة تريد الحسم، وفئة لا تريده.
وأشارت المصادر إلى أن الحكومة تحاول تجزئة المسألة من خلال إخراج جزء من قادة المحاور الذين تطالب بهم جبهة النصرة من سجن رومية مقابل الإفراج عن العسكريين المخطوفين لديها، في حين أن التفاوض مع تنظيم «داعش» يتطلب معالجة مع السعودية.
وتحدثت المصادر عن أن الخطة الجديدة لتطهير عرسال من الإرهابيين تقوم على تقدم الجيش إلى داخل البلدة ومحيطها القريب، وحزب الله باتجاه الجرود على الحدود اللبنانية، والجيش السوري باتجاه الجرود على الحدود السورية. ولفتت المصادر إلى أن العملية العسكرية التي حصلت في الأيام الماضية أسفرت عن مقتل أكثر من 60 إرهابياً استهدفهم الجيش في عمق مراكزهم.
في غضون ذلك، نقلت زوجة الجندي المحتجز لدى «جبهة النصرة» على البزال عن قياديين في الجبهة قالت إنها التقتهم، إن «مطالب الجبهة غير تعجيزية كما أوحى لنا الرئيس سلام، فهم يطالبون فقط بالإفراج عن أسراهم الذين اعتقلهم الجيش خلال أحداث عرسال، مقابل الإفراج عن العسكريين». وأشارت إلى أن الجبهة أجلت قتل زوجها أسبوعاً شرط الاستجابة لمطالبها. فيما توجهت الجبهة في تغريدة على موقعها على «تويتر» إلى الجيش اللبناني و«حزب الله» بالقول: «سترون ما يسوءكم، فالأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت».
ونشرت الجبهة كلمة صوتية للناطق الإعلامي باسم كتائب عبد الله عزام سراج الدين زريقات ألقاها أمام العسكريين اللبنانيين المخطوفين وقال فيها: «نستطيع دخول بيروت في غضون أيام كما دخلنا العراق»، متوعّداً «المسيحيين بدفع الثمن لأنهم تحالفوا مع الشيعة»، على حد تعبيره.
هيئة العلماء غير مرغوب فيها
في غضون ذلك، فإن المؤتمر الصحافي الذي عقدته «هيئة علماء المسلمين» في الطريق الجديدة أمس، كان من المفترض أن يعقد في طرابلس وفق ما أشارت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلا أن الهيئة لم تتمكن من تأمين حماية أمنية كافية، فقررت عقده في البقاع ليكون على مقربة من موقع الحدث في عرسال إلا أن الأمر لم يحظ بالإجماع، عندها تقرر نقل المؤتمر إلى بيروت وعقده في نقابة الصحافة إلا أن محاولات إقناع النقابة باءت بالفشل، لترفض عقب ذلك إدارتا كل من فندقي كراون بلازا والكومودور استقبال الهيئة التي لم تجد إلا الطريق الجديدة مقراً لمؤتمرها.
وأشارت المصادر لـ«البناء» إلى أن عقد هذا المؤتمر في هذا التوقيت هو من ضمن المعركة التهويلية التي تشن على الحكومة، وتقاطع الأمر مع تحرك أهالي العسكريين المخطوفين لقطع الطرقات. ولفتت إلى أن الإرهابيين في عجلة من أمرهم فهم يريدون العودة إلى ما كانوا عليه قبل الثاني من آب، ويعربون عن خشيتهم من توقف المفاوضات نهائياً معهم، ولا سيما بعدما سرب الإعلام الغربي صور 6 قتلى، ولذلك فهم يريدون إنهاء المفاوضات قبل انفضاح أمرهم.
وأشارت المصادر إلى أن المؤتمر الصحافي للهيئة، أكد بما لا يقبل الشك، أن هذه الهيئة لم تكن يوماً وسيطاً، بل كانت الهيئة الشرعية لتنظيم داعش وممثلة له في المفاوضات مع الحكومة.
وكان رئيس الهيئة الشيخ مالك جديدة ركز في المؤتمر الذي جاء عقب إعدام الإرهابيين الجندي عباس حمية وقبله ذبح الجنديين علي السيد وعباس مدلج، على أحداث عرسال، وأسقط عليها اسم عملية «ذبح عرسال». ولم ير في ذبح الجنود المختطفين سوى كونها «إساءة» لقضية الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية. مطالباً «المقاتلين السوريين»، كما وصفهم، بوقف قتل الجنود، ومحملاً حزب الله مسؤولية عرقلة المفاوضات.
وكان بعض أهالي العسكريين المخطوفين واصلوا تحركهم التصعيدي فقطعوا طريق فالوغا- ضهر البيدر لنحو خمس ساعات بالإطارات المشتعلة قبل أن يعيدوا فتحها بعد اتصال من وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق.
وحمل الأهالي بعنف على حزب الله وحركة «أمل» ورئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، وأعلنوا أنهم يريدون أبناءهم «بمقايضة أو بغير مقايضة».
وأمهلت لجنة الاعتصام في القلمون الحكومة 12 ساعة للتحرك وإلا سيتم قطع طرق المحمرة ضهر البيدر وأوتوستراد القلمون من 4 بعد ظهر اليوم حتى 7 مساء.
«المستقبل»: تعطيل الرئاسة يفرض التمديد
في الشأن السياسي الداخلي، وكما بات معلوماً وتكراراً، لن تنعقد الجلسة النيابية اليوم المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية لعدم اكتمال النصاب.
في هذا الوقت، أكدت مصادر في تيار «المستقبل» لـ«البناء» أن لا تراجع عن الموقف الذي كان أعلنه الرئيس سعد الحريري بعدم المشاركة في الانتخابات النيابية في حال حصولها قبل الانتخابات الرئاسية، «على اعتبار أن هذا الإجراء سيؤدي إلى مزيد من الفراغ في مؤسسات الدولة، بحيث سينسحب الفراغ إلى مؤسسة مجلس الوزراء». إلا أن المصادر رأت «أن الجميع ذاهب نحو التمديد أراد ذلك أم العكس، لأن استمرار تعطيل الانتخابات الرئاسية سيقود حكماً إلى هذا الخيار، على رغم أن الجميع يقذف بكرة التمديد بوجه الآخرين». وأضافت: «إن معظم الأطراف لا تريد تحمل أعباء التمديد بينما بعض هؤلاء هم الذين يعطلون الانتخابات الرئاسية»، مشيرة إلى «أن التمديد هو الخيار الوحيد المطروح إذا لم يتم انتخاب رئيس الجمهورية».
كذلك، اعتبر المكتب السياسي لحزب الكتائب أن الأولوية في عمل مجلس النواب في مرحلة الفراغ الرئاسي، هو لانتخاب رئيس الجمهورية، فقط لا غير، لافتاً إلى «أن تشريع الضرورة الوحيد المسموح به هو انتخاب الرئيس، وإلا نكون قد أدخلنا في أدبياتنا السياسية اصطلاحات جديدة من شأنها تهميش الفراغ الرئاسي إلى أجل غير مسمى، وتعطيل الدستور، ودفع البلاد نحو المجهول».