هل يتكرّر سيناريو جرابلس في الباب؟
معن حمية
واضح أنّ تركيا الأردوغانية لا تزال تتعاطى مع الوضع في سورية، على أساس النهج العدواني ذاته الذي اتبعته منذ العام 2011، وهي تتجاهل عن سبق مناورة ومراوغة، الوقائع الميدانية والسياسية، المتمثلة بالإنجازات العسكرية التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه، وما فرضته من إيقاع سياسي مواكب، وبفشل مشروع تقسيم سورية، وتأكيد مجلس الأمن الدولي 2015 التزامه القوي «بسيادة واستقلال ووحدة الجمهورية العربية السورية، ووحدتها الترابية»، في قراره رقم 2254.
تعتقد تركيا أنه بمجرد سيطرة قواتها والمجموعات التابعة لها على مدينة الباب، فإنّ أبواباً كثيرة ستفتح أمامها، وكان لافتاً خلال الأيام الماضية، أنّ المسؤولين الأتراك تناوبوا على إطلاق تصريحات متناقضة، تارة عن سيطرة وطوراً عن تقدّم في المدينة المذكورة، ما اعتبره متابعون ومراقبون بمثابة رسائل استباقية ترمي إلى إبطاء التقدّم الذي يُحرزه الجيش السوري وحلفاؤه باتجاه المدينة.
ويتصرّف الأتراك كما لو أنّ مدينة الباب أصبحت تحت سيطرتهم، ويشي هذا التصّرف بسيناريو لمدينة الباب مشابه تماماً لما حصل في جرابلس، ما يطرح فرضية إعادة تفعيل التنسيق المشترك بين تركيا وتنظيم «داعش»! وهذه الفرضية لن تبقى طي السرية والكتمان، خصوصاً بعد أن قطع الجيش السوري وحلفاؤه خطوط انسحاب «داعش» باتجاه الرقة.
فرضية تفعيل التنسيق بين تركيا و«داعش»، تأخذ منحىً واقعياً من خلال تفعيل التنسيق بين تركيا وقطر والسعودية، حيث يقوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة إلى كلّ من البحرين والسعودية وقطر، لتوزيع الرسائل في كلّ اتجاه، بأنّ تركيا لا تزال على تموضعها في جبهة الدول المشتركة في الحرب على سورية. وتأكيد هذا التموضع لا بدّ أن يكون معززاً بالسيطرة على الباب، لا سيما أنّ أردوغان أعلن قبيل زيارته أنّ «الهدف النهائي هو تطهير منطقة تبلغ مساحتها خمسة آلاف كيلومتر مربع».
غير أنّ فرضية التنسيق التركي مع «داعش» بخصوص مدينة الباب، من بوابة تفعيل العلاقات مع الدول الخليجية التي لها تأثير على التنظيمات الإرهابية، لن يكون له أيّ أثر على مجرى التطورات المتسارعة، حيث تمكّن الجيش السوري مع حلفائه من التحكم بالمسار الميداني عند تخوم الباب، وقطع طريق «داعش» إلى الرقة، وحيث نجحت روسيا في جعل مؤتمر أستانة منصة انطلاق نحو مفاوضات جنيف على قاعدة التسليم بوحدة سورية وسيادتها، ما يشكل تقويضاً لفكرة المناطق العازلة التي تسعى إليها تركيا. مضافاً إلى ذلك هامش «الخطأ» بالنسبة للطائرات الروسية والذي قد يتكرّر، لأنّ الروس يدركون بأنّ أيّ قوة تسيطر على الأرض وتتحكّم في المنطقة التي تسيطر عليها، إنما هو مقدّمة لخلق خرائط سياسية وتكريس مناطق نفوذ على طريق مشروع التقسيم الذي تمّ وأده بصمود سورية قيادة وجيشاً وشعباً وبدعم حلفائها وبقرار مجلس الأمن الدولي 2254.
وعليه، لا يبدو أنّ أردوغان يقرأ التطورات السورية المستجدة، فهو يتعاطى معها بعقلية التعاطي ذاته مع الداخل التركي المأزوم. حيث لا يزال يتخذ من الانقلاب الفاشل ذريعة لمواصلة إجراءات قمع الأتراك واعتقالهم وزجّهم في السجون، وإقامة نظام رئاسي يكرّسه سلطاناً جائراً. وما لا يدركه هذا السلطان الجائر، أنّ سلطنته ليست مترامية الاطراف، وأحلامه لا تصير واقعاً بمجرد تمكّنه من القضاء على انقلابات والتخلص من «مكائد» حاشيته وحريمه وجواريه…
ما لا يرغب أردوغان في إدراكه، هو أنّ سياسات الدول ومصالحها، لا تجاري أحلامه، فالولايات المتحدة الأميركية بعتوّها كله، لم تستطع منع روسيا الاتحادية من استعادة دورها في المعادلة الدولية، ولم تنجح في إعاقة تقدّم الصين إلى المركز الاقتصادي الأول في العالم، ولم تستطع منع إيران من تكريس حقها في استخدام الطاقة لأغراض سلمية ومواجهة مفاعيل الحصار والعقوبات كلّها، ولم تجعل كوريا الشمالية تتخلى عن تطوير قدراتها النووية.
أميركا المدجّجة بعناصر القوة كلّها، لم تنجح في القضاء على المقاومة في لبنان وفلسطين، ولم تنجح في تطويع سورية وإسقاطها، فهل يعقل أن يصدّق أحد بأنّ تركيا تستطيع أن تحقق ما عجزت عن تحقيقه أميركا وحلفاؤها مجتمعين؟
هدف الحرب الإرهابية على سورية، ليس تفتيت هذه الدولة وتقسيمها فحسب، بل هو أيضاً تصفية المقاومة في لبنان وفلسطين، وبالتالي الحؤول دون تشكل أرضية لصعود دول مثل روسيا والصين وإيران.
للعبرة فقط، قبل عشر سنوات ونيّف، حصل عدوان صهيوني غاشم على لبنان بهدف تصفية المقاومة ونزع سلاحها. وأعقبت تلك الحرب حرب استهدفت سلاح الإشارة الذي شكل أحد أسباب انتصار المقاومة على العدو. أما اليوم، فإنّ رئيس جمهورية لبنان العماد ميشال عون يعلن أنّ سلاح المقاومة «مكمّل لعمل الجيش ولا يتعارض معه». ولهذا الإعلان دلالة واضحة هي رجحان كفة القوى التي واجهت الحرب «الإسرائيلية» وواجهت مشاريع التفتيت والتقسيم.
عود على بدء… فإنّ فرضية تسلّم تركيا لمفاتيح مدينة الباب من «داعش» وتكرار سيناريو جرابلس، لن يمنحها فرصة فتح الأبواب كلّها وتحقيق أحلامها الموءودة.
عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي