المصالحات الوطنيّة.. الطريق نحو إنهاء الحرب
سماهر الخطيب
ينحو مسار حلّ الأزمة السورية إلى منحيين اثنين: «محاربة الإرهاب، والمصالحات المحليّة» التي تنجزها الدولة السورية، والتي تشكّل أرضية صلبة لحوار سوري سوري قائم ومستقبلي.
وفي السياق، نذكر المصالحات التي تمّت في مدينة داريا ضمن اتفاق تسوية بعد مواجهات عنيفة بين الجيش السورية والمسلّحين، استعاد فيها الجيش مناطق شاسعة خلال السنوات الماضية، وهو ما أحدث هزّة وهزيمة نفسية لدى التنظيمات المسلّحة الأخرى في كلّ المناطق، كما عجّل بمصالحات «الهامة» و«قدسيا». كما تمّ تحقيق إنجازات هامّة على صعيد المصالحات في محافظة درعا، وأُنجزت مصالحات أخرى في ريف دمشق الشرقي وريف حماة الشمالي والشرقي وفي ريفَي حمص وحلب، الأمر الذي شكّل انتصاراً للدولة السورية على الإرهاب وهزيمة لأعدائها من باب المصالحات المحلية.
ويعود نجاح المصالحات في درعا إلى انسداد الأفق أمام مجموعة كبيرة من المسلّحين، نتيجة حضور الجيش بقوّة بعد أن كان الأمر يبدو وكأنّ الدولة غير موجودة فيها، لكن الجيش عاد وحقّق إنجازات كبيرة وحضوراً قويّاً على الأرض، ما أدّى إلى انسداد الأفق أمام المجموعات المسلّحة التي خفّ الدعم عنها من دون أن ينقطع نهائياً.
وكذلك المصالحة الكبرى في منطقة وادي بردى، وإعادة مياه نبع عين الفيجة إلى أهالي دمشق بعد أن تمّ تحريره من سيطرة الإرهابيين، كما شهد حيّ الوعر في حمص تنفيذ اتفاق لإخراج المسلّحين منه على مراحل.
ولا تزال مدينة دوما تشهد محاولات اقتحام من الجيش السوري وسط اشتباكات على أطرافها، في وقت ما زالت فيه المدينة تُعتبر أحد معاقل الإرهابيّين الرئيسية في الريف الدمشقي.
وحول دور الأمم المتحدة في المصالحات، فإنّ الأمم المتحدة لم ترغب بالمشاركة في خروج المسلّحين من بعض المناطق، نائيةً بنفسها حتى عن تقديم الدعم المعنوي لهذه العملية. كما أنّها لم تُسهم بأكثر من 20 في المئة من المساعدات الإنسانية التي توزّع في سورية.
وكان اتفاق داريا أثار قلقاً أمميّاً وهمياً، وذلك لعدم مشاركة الأمم المتحدة فيه، فضلاً عن تعبير المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا عن خوفه من اعتماد «استراتيجية» إخلاء مدن محاصرة في سورية من قِبل أحد أطراف النزاع، وتحديداً في معضمية الشام وحيّ الوعر بحمص. وكانت الأمم المتحدة أعلنت انسحابها من تنفيذ اتفاق في حيّ الوعر لأسباب لوجستيّة ولعدم توفّر ضمان أمن الطريق، الأمر الذي أدّى إلى تأجيل التنفيذ لأيام عدّة، قبل أن يتمّ من دون مشاركتها فيه.
واصطدمت المصالحة في حلب بدايةً بالرفض والتصعيد من قِبل المجموعات المسلّحة، ولكن الانتصارات التي حقّقها الجيش السوري وحلفاؤه في حلب كان لها أصداء كبيرة لدى المسلّحين وعوائلهم، ممّا دفعهم نحو الرضوخ للدولة والاتجاه بخُطى المصالحة.
وفي هذا الشأن قال الرئيس الأسد: «في ما يتعلّق بالسياسات التي اتّبعتها منذ بداية الأزمة، فإنّها تمثّلت في دعم الحوار بين السوريين ومحاربة الإرهابيّين ودعم المصالحة، وقد نجحت هذه السياسات، وبالتالي في ما يتعلّق بهذه السياسات أعتقد أنّنا كنّا مصيبين، ونحن مستمرّون على هذه الدعائم في ما يتعلق بهذه الأزمة من أجل مستقبل سورية».
فالدولة لا تعمل بعقليّة ثأريّة، وإنّما يهمّها عودة مواطنيها وتحديداً حاملي السلاح إلى جادة الصواب. في ظلّ هذا الواقع، أصدر الرئيس الأسد المرسوم رقم 15 تاريخ 28 تموز 2016، والذي تضمّن منح عفو عام عن كلّ من حمل السلاح أو حازه لأيّ سبب من الأسباب، أو كان فارّاً من وجه العدالة أو متوارياً عن الأنظار. وهو المرسوم الأشمل حتى الآن للعفو عن المسلّحين.
وفي السّياق، ما تأمله الحكومة السورية هو تثبيت وقف الأعمال القتالية لمدة زمنية محدّدة يتمّ خلالها الفصل بين التنظيمات الموقّعة والراغبة بالتوجّه إلى مصالحة وطنية وبين المجموعات الإرهابية، ممّا ينعكس على الاشتراك في العملية السياسية وتضافر الجهود السورية – السورية في محاربة الإرهاب.
فالجميع مدعوّ للعمل من أجل تحصين الوطن ضدّ وباء الخيانة لصالح قوى خارجيّة، وضدّ العمالة لأجندات تخريبيّة تدميريّة إرهابيّة، انطلاقاً من كون السوريّون قادرين لوحدهم على تجاوز خلافاتهم وبناء جسور حوار مثمر يعيد للوطن الشموخ والعزّة. فالسلام قبل أن يولد في مؤتمرات جنيف وأستانة، لا بُدّ أن يولد في العقول والقلوب، وكلما ازداد عدد المؤمنين بذلك، كلّما كان تعزيز مسار المصالحة والمصارحة الوطنيّة درباً نحو تحقيق السلام، وأساسه حوار سوريّ – سوريّ وبقيادة سوريّة من دون تدخّل خارجي.