نبض سورية في قلب الأزمة…
رولا عثمان
يواجه السوريّون نقصاً شديداً بالموارد والإمكانيات نتيجة الحرب وما سبّبته من تدمير للبُنى التحتية وسيطرة «داعش» على حقول النفط في ريف حمص ودير الزور وتفجيرها لخطوط الغاز والنفط والكهرباء التي تغذّي مدناً وقرى كثيرة، إضافة لسيطرة المجموعات المسلّحة وتنظيم «داعش» على مدينة حلب لسنوات، وهي العاصمة الاقتصادية لسورية بمعاملها ومصانعها التي سُرقت ونُقلت إلى تركيا، كذلك أدّى قطع طريق السعن – خناصر إلى منع وصول الأدوية من الريف إلى المدينة.
ممّا لا شكّ فيه، أنّ العقوبات التي فرضتها دول أجنبية وعربية على الشعب والحكومة السورية ساهمت كثيراً في تردّي الوضع المعيشي وزيادة الغلاء.
عندما تسير في شوارع دمشق وتسأل الناس عن همومهم وسبب تمسّكهم بالعيش ورفضهم للسفر وترك البلد، ترى في عيونهم دمعة وإصراراً على العيش رغم كلّ المعاناة في تأمين الغاز والخبز والطعام وخسارتهم لأعمالهم بسبب الحرب.
أبو أحمد تاجر حلبيّ يبيع البسكويت والعلكة عند باب كليّة الآداب في دمشق، يقول: «معملي في حلب لدباغة الجلود كان يشغل حوالى عشرين عاملاً سيطرت عليه المجموعات الإرهابيّة، وعلمت أنّهم نقلوه إلى تركيا. لم أيأس.. أتيت إلى دمشق مع زوجتي وأولادي، والحمد لله المهمّ أنّنا بخير خبز الوطن أطيب من مناسف الغربة ».
أزمة المياه الخانقة التي عاشتها دمشق لمدة 45 يوماً بسبب سيطرة المسلّحين على نبع الفيجة زادت من المعاناة والحصار الخانق على سبعة ملايين مواطن يسكنون العاصمة، حيث اضطرّوا إلى استخدام مياه غير معروفة المصدر وغليها ومن ثمّ شربها في المناطق التي لا تصل إليها مياه الآبار الاحتياطية المعقّمة، كثرت حالات التسمّم بالمياه عند الأطفال والكبار وزيادة التلوث، إلى أن حرّرها الجيش السوري يوم السبت 28 كانون الأول 2017، وتمّ الاتفاق على خروج المسلّحين من المنطقة وترحيلهم مع عوائلهم إلى إدلب وعودة المياه النظيفة إلى دمشق وانتهاء معاناة نقص المياه التي اعتُبرت جريمة حرب استخدمها المسلّحون للضغط على الحكومة.
إضافة إلى نقص الغاز والمياه والكهرباء وفقدان الكثيرين لبيوتهم ومصادر رزقهم، اكتفى الشباب السوري بالتفكير بتأمين لقمة العيش وكلّ ما ذكرنا من احتياجاتهم اليومية، وتناسوا فكرة الارتباط والزواج وتأسيس عائلة، واكتفوا بالعلاقات العاطفية على مواقع التواصل الاجتماعي أو الصداقات من دون ارتباط، وأحياناً يلجأون إلى أماكن مشبوهة فقط لإشباع رغباتهم الجنسيّة، وهو سبب إضافي لزيادة نسبة العنوسة بين الفتيات.
أيهم شاب أنهى خدمته الإلزامية بعد تخرّجه كمهندس معلوماتية، إلّا أنّ وضعه المادّي والأسري كمعيل لعائلته، وبعد أن فشل في إيجاد عمل في اختصاصه، اضطرّ للعمل ليلاً في مطعم كصبيّ نرجيلة، وعند الرابعة صباحاً يذهب إلى سوق الهال ويعمل عتال خضرة ، تحدّث لنا عن إلغائه لفكرة الزواج طالما أنّ عمله والرواتب القليلة من المستحيل أن تؤمّن له إيجار منزل ومصاريف الزواج واهتمامه بأهله.
فادي صيدلاني دُمّرت صيدليّته في حرستا وكانت كلّ ما يملك، عمل في شركة أدوية لوقت قصير، إلّا أنّ العقوبات على سورية والتي تشمل المعدّات والأجهزة الطبية كانت السبب الرئيسي في إغلاق الشركة والاستغناء عن خدماته، يقول: «أعمل الآن في مكتب لقطع تذاكر الطيران، حتى وإن كان بعيداً عن اختصاصي لكنّه ممتع، المهمّ أن أعيش بكرامة أنا وأمي، وكلّي أمل أن تنتهي الحرب وأعود إلى حارتي وصيدليّتي، ولم أفكّر قطعاً باللجوء، فقد شاهدت كيف يُعامََل السوريّ إنْ كان في دول الجوار أو في الدول الأوروبية، وكما تقول أمّي من ترك داره قلّ مقداره ، لست أفضل من الجندي الذي يدافع ويستشهد كرمى للوطن. وكما تعرفين، هنالك نساء تطوّعن في صفوف الجيش، وبالتأكيد هنّ مثال لنا جميعاً».
ما يقضّ مضاجع السوريّين أكثر من الغلاء هو الوضع الأمني والخوف من استمرار تساقط القذائف والصواريخ على المناطق السكنيّة والمدارس والأنفاق التي يفجرها الإرهابيون تحت المشافي والمدارس، والتي تتسبّب باستشهاد أعداد كبيرة من الأبرياء… والسيارات المفخّخة التي أدمت قلوب الكثيرين على أطفالهم وأحبابهم. ولكن مع كلّ تلك المآسي، تجد أنّه وبعد حصول أيّ تفجير وما يتبعه من إسعاف للمصابين تعود الحياة في الحيّ الذي تعرّض للدمار إلى طبيعتها، وترى الإصرار عندهم على الاستمرار بحياتهم الطبيعية ورفضهم الخروج من منطقتهم، حتى وإنْ أعادوا التفجير مرّات ومرّات.
في الجانب الآخر، نرى الكثير من ضعاف النفوس وتجّار الأزمات الذين يبيعون ويشترون بدماء وغذاء السوريّين، ويعملون على إطالة أمد الأزمة وزيادة التوتر والاحتقان في الشارع، حيث يحتكرون السلع ويتسبّبون في زيادة أسعارها، وبخاصة الدولار الذي ارتفع مقابل الليرة السورية بشكل كبير، مع أنّ الحكومة السورية استطاعت بفترات طويلة أن تحافظ على ثبات سعر الصرف وفرضت عقوبات على المحتكرين، إلّا أنّ استمرار الحرب لسنوات طويلة أنهك الاقتصاد والمواطن السوري.
غير أنّ عزيمتهم ويقينهم بالنصر القريب على الإرهاب وعودة الأمن والأمان إلى سورية، يؤكّدان لنا أنّهم شعب لا يعرف الانكسار…