قد لا يكون الحب هكذا… بل هكذا…!
نصار إبراهيم
مع الزمن وتغيّر الإيقاعات وضجيج التناقضات واشتباك المفاهيم والوعي… مع تغيّر عادات الناس ومزاجهم، مع هذا الانفتاح المذهل في العلاقات، مع انهيار الجدران والحدود أمام التجارة والفساد والإفساد والهيمنة… تتغيّر المفاهيم…
مع ارتقاء الوعي أو هبوطه، مع تغيّر خطوط العرض والطول العاطفية… يتغيّر مفهوم الحب أيضاً…
فحركة خط الحب التاريخية تشبه بصورة ما تغيّر خط الفقر في المجتمعات عبر الزمن والخصوصيات… فقد كان خطّ الفقر في مرحلة تاريخية ما أن لا تجد خبزاً، ثم أصبح أن لا يكون عندك بيت، ثم أن لا تأكل لحماً أو سمكاً، ثم أن لا تأكل مانغا أو كيوي، ثم أن لا يكون عندك ثلاجة، ثم أن لا يكون عندك سيارة… هذا فقط على سبيل المثال.
اليوم أصبح خط الفقر أن لا يكون عندك «جاكوزي» مثلاً، أو «آيفون 7 س» أو أن لا يكون عندك «آيباد»، أو أن لا تأكل هامبورغر أو دونالدز… أو أن لا تقضي الإجازة في جزر سيشيل مثلاً.
مثل هذا بالضبط، يحدث على صعيد مفهوم الحب أو خط الحب… فهو يتحرك مع الزمن أكثر تعقيداً بما لا يقاس من حركة الوقت على جانبي خط غرينيتش الوهمي…
كان الحب قبل زمن ليس بعيداً جداً.. نظرة من جبل لجبل… ثم من جبل لوادٍ أو العكس… ثم أصبح نظرة قريبة، ثم ابتسامة.. ثم سلام.. ثم لقاء… وهنا كان يتوقف.. يعني بس.
بعدها تجاوز النظرة مع اختراع الكتابة نحو رسالة من كتيب «رسائل العشاق والمحبين» كان ثمنه قرش أردني ، ثم تجاوز ذلك نحو السلام مباشرة من دون مقدمات.. ثم تطور إلى لقاء دون موعد… ثم تحول إلى مشوار في الحديقة أو السينما.. ثم أصبح مشواراً قصيراً وجلسة طويلة… ولمسة بدون همسة ثم… المهم…
مع الثورة التكنولوجية وثورة الاتصالات العاصفة… تطوّر الحبّ أيضاً… لا بل انفلت من عقاله… إلى الدرجة التي غادر فيها المباشر بعد أن ملّ من قيود الواقع الثقيلة نحو الافتراضي… غادر الخصوصية والملموس… فأصبح مشاعاً على جدران شبكات التواصل الاجتماعي…
انهارت القيود والضوابط والنواظم المعايير… وفقدت المشاعر جزءاً حاسماً من نقاط ارتكازها الراسخة… فانفصلت عن الواقع كنيزك يشق الفضاء وهو يحترق ويتلاشى بالسرعة ذاتها التي نشأ فيها…
ومع تشابك الأزمات والتناقضات النفسية والاجتماعية والأسرية والاقتصادية والقومية والجنسية… ومع سيادة ثقافة التكفير والقتل والذبح والتكفير والحرق والعنصرية والتمييز والأنانية وثقافة الاستهلاك والاستغلال والتحرّش.. مع انتشار ثقافة العار والدونيّة والخوف والحسد والغيرة… ومع البطالة والفساد والنفاق والفقر… في ظلّ كلّ ذلك وأكثر… لم يعُد الحبّ هو الحبّ الذي كان… هو حبّ بس مش حبّ بالضبط.. بس بيظلّ حبّ.. ولكن من نوع آخر.. مختلف.
البعض يقول لقد فني الحب وانتهى! وأنا أقول: نعم لقد انتهى الحب وفني، ولكنّ بالطريقة التي كنّا نعرفه وتعوّدنا عليه بها.
لقد انحرف أو لنقل لقد تراجع عن مواقعه الهجومية واتخذ موقفاً وقائياً أو دفاعياً، أو ربما حيادياً…
وهكذا أصبح الحب في هذه الأيام أقرب للمعادلة التالية: أن أحبك يساوي أو يعادل أو يعني: أنني لا أكرهك، لا أحسدك، لا أغار منك، لا أشتمك، لا أغتابك، لا أثرثر من خلفك عليك، لا أسرقك، لا أوصي بك سلباً، لا أشي بك، لا أشوّه ما تعمل، لا أقف عائقاً في طريقك، لا أشتم دينك أو طائفتك او جنسك أو قوميتك، لا أقذفك بشتيمة من نافذة السيارة، أن لا أتدخل لأنك تلبس لباساً مختلفاً، أن لا أشتمّ إذا مرت فتاة سافرة أو محجّبة… وعلى الأقلّ أن لا أخون وطني..
وهذا معناه حرفياً: أحمد الله، أنني لا أكرهك ومش ضدّك..
أما أنت يا وطني، فاحمد الله أنني لا أخونك!
وعلى هذا الأساس نغنّي: «الحب كله حبيتو فيك… الحب كله»…!