هل أدرك المكابرون الخطر وفتحوا طريق الإصلاح الانتخابي؟
العميد د. أمين محمد حطيط
كان على مجلس النواب اللبناني أن يُقرّ قانون انتخاب عادلاً منذ أربع سنوات، وهو ما تعهّدت به الحكومة الأولى التي انبثقت عن انتخابات 2009، ولكنّ تجاذباً وصراعاً دارا بين تيارين حال دون ذلك، فكان تيار يريد العدالة وصحة التمثيل ولا يراها إلا في قانون انتخاب جديد يقوم على النظام النسبي والدوائر الانتخابية الموسّعة، واجهه تيار يتمسك بالقانون النافذ الذي مكّنه في العام 2009 من الحصول على أكثرية مطلقة في مجلس النواب، رغم أنه لا يملك الأكثرية الشعبية، وقد عجز الفريق الأول عن فرض رؤيته العادلة والإصلاحية نظراً لعدم امتلاكه أكثرية ملائمة في مجلس النواب أولاً، ثم لأن بدعة ابتدعت في التشريع تتمثل بتفسير الميثاقية التي تعني أو تعطي أي مكوّن طائفي أو سياسي حق الفيتو على أي تشريع لا يناسبه، وهنا كان تيار المستقبل الذي وبموجب القانون الأكثري الظالم يحتكر تمثيل الطائفة السنية وبالتالي يمنع إقرار أي قانون انتخاب لا يناسبه شاهراً ما أسمي سلاح الميثاقية المبتدعة.
في ظل هذا التجاذب ومع رفض الأكثرية النيابية مراجعة قانون الانتخاب لإقرار قانون عادل، ورفض الأقلية أو القوى السياسية التي تمثلها أقلية في مجلس النواب اجراء انتخاب وفقاً للقانون الظالم، معطوفاً على عدم جهوز بعض القوى السياسية للانتخابات خاصة تيار المستقبل الذي يعاني منذ اربع سنوات من تفكك وتشرذم تنظيمي وبنيوي ومن قلة وإعسار مادي، في ظل هذه الظروف كلها ابتدع أصحاب المصلحة الذريعة الأمنية زوراً للقول بتعذر اجراء الانتخابات ومدّدوا للمجلس النيابي بطريقة لم يتقبلها الرأي العام اللبناني، لكنها نفذت وخضع الجميع لمفاعيلها واستُغني عن دورة انتخاب كاملة.
أما اليوم ومع اقتراب نهاية ولاية المجلس الممدّد لنفسه، فقد كادت أن تجري المناورة نفسها على يد الفئات ذاتها التي حالت دون تشريع انتخابي جديد يكون عادلاً ويحفظ الجميع أكثريات وأقليات شعبية وطائفية وسياسية وحزبية، حيث إن هذه الفئات التي يتقدّمها مكونان حزبيان كل منهما يحتكر تمثيل الطائفة التي ينتمي اليها السنة والدروز ، رغم أنهما ليسا محل إجماع في طائفتيهما التي فيها معارضات لهما ذات صوت وازن يكاد يتعدّى الـ 30 من مجموع الطائفة، ولم تكتف هذه الجهات بالتحصن بسلاح الأكثرية النيابية وبدعة الميثاقية التشريعية، بل اضافت اليه سلاحاً جديداً خطراً هو سلاح الطائفية أيضاً مهوّلة بالأمن والاستقرار فشهرته أو هدّدت به ممنية النفس أن يخاف الفريق الآخر الحريص على أمن البلد، فينصاع لما تطلب ويستجيب لأحد مطلبين تريدهما اما انتخابات وفقاً للقانون الأكثري الفاسد، أو تمديد قسري ثالث لمجلس النواب بما يضيع فرصة الإصلاح في لبنان مرة أخرى.
لكن لعبة التهويل والطائفية أو المذهبية البغيضة فشلت هذه المرة، وحتى الآن بكل وضوح لأسباب لم تدر في خلد فئات اغتصاب حقوق الآخرين. وكان مردّ الفشل عائداً لمتغيرات أساسية أهمل مغتصبو حقوق الآخرين أخذها بعين الاعتبار او استخفوا بها قياساً على ماضٍ مارسوه ونجحوا فيه بفرض ما يريدون. وأهم هذه المتغيرات:
الظروف الراهنة المتصلة بموقع رئاسة الجمهورية وصلاحية الرئيس في صيانة الدستور. تصوّر فريق الاستئثار السياسي بأنه ومتذرعاً بانصرام المهل ان بإمكانه وضع رئيس الجمهورية امام الأمر الواقع، فيتم تعطيل إقرار قانون انتخاب إصلاحي ويتم الذهاب للانتخاب وفقاً للقانون النافذ. شمّر وزير الداخلية عن ساعديه مجترئاً على مقام الرئاسة بما لا يليق بوزير في مواجهة الرئيس الذي وقع مرسوم تعيينه وزيراً. وقد قلّد هذا الوزير وزراء في حكومة السنيورة بعد قتل رفيق الحريري في العام 2005 حيث مارسوا السياسة مغادرين دوائر التهذيب واللياقة والأصول الدستورية في معاملة الرئيس متمترسين يومها بأكثرية نيابية ووزارية تحميهم في وجه رئيس الجمهورية. لكن اليوم تغيّر المشهد وعلم هذا الوزير ومن يقف خلفه أن الزمن تغير وأن رئيس الجمهورية يملك التأثير في مجلس الوزراء، كما وفي مجلس النواب وبإمكانه أن يقطع الطريق على أي مغامرة، مهما كانت خطتها محكمة الحبك ولن يسمح بتمديد جديد، ولن يسمح بانتخابات وفقاً لقانون فاسد وإذا كابروا وأصرّوا على المكابرة فإن المستقبل الذي سيواجهون سيتدرّج من فراغ في مجلس النواب، الى إمكانية قيام فراغ في الحكومة الى ضرورة البحث عن مخرج قد لا يكون الا بمؤتمر تأسيسي يطيح الطائف الذي جاء بما جاء به من احكام جعلتهم اليوم في الموقع المتقدم الذي هم فيه.
فعالية المنظومة الأمنية القائمة في لبنان وقدراتها. لقد ظنّ أصحاب هذه النظرة أن التسبب بإلاخلال بالأمن هنا او هناك سيعيد إنتاج الذريعة مجدداً ما يحمل المجلس القائم على التمديد لنفسه، إذا لم ينجح في فرض امر واقع بانتخاب حسب القانون الأكثري النافذ، ولهذا كان من بعض رافضي تصحيح قانون الانتخاب التهويل بالأمن والتلويح بأكثر من ورقة بما فيها وبكل أسف بأوراق من خلف الحدود. لكن وكما يبدو جاءت الردود بالطريقة صارمة ذاتها وبالشكل الذي يفهمه جيداً أصحاب الرسائل المفخخة أنها ردود مفادها ان الامن خط أحمر وان نعمة الامن التي يتنعم بها لبنان ليست مطية بيد أحد ولن يسمح لأحد أن يتلاعب بها اما إذا جازف وفعل فعليه ان يترقب النار في حضنه أولاً، لأنها لن توفره ولن يكون بمقدوره تجنّب لهيبها. وهنا كان الوضوح الحاسم صارماً من قبل المعنيين بالشأن الأمني بشكل رسمي او غير رسمي، بما عطل سعي الخارج ونزوع بعض الداخل حتى الآن، كما يبدو.
أهمية قيام نخب شعبية ومدنية عابرة للطوائف تطالب بالإصلاح ورفض إلغاء دور الأقليات الوطنية او السياسية او الطائفية او داخل الطوائف ما افسد على حيتان السياسة الطائفية لعبتهم الغيضة وجرّدهم من سلاحها الذي يحمون به مصالحهم الشخصية. ولقد كان لدور أقليات درزية وسنية دور هام في توجيه الصفعة للمكابرين.
ولذلك يمكننا أن نقول إنه وحتى الآن نجحت منظومة السعي لإصلاح القانون الانتخابي في إدارة معركتها وحققت إنجازات تبدأ في تسليم الجميع بأن القانون الأكثري النافذ، انما هو قانون فاسد لا يصلح لتنظيم انتخابات جديدة، كما والتسليم بأن التمديد مجدداً لمجلس النواب ليس بالأمر المتاح. سلّموا بذلك بعد ان تأكدوا ان الرئيس العماد عون لن يؤخذ بالتهويل ولن يخضع للأمر الواقع وأنه بين تزوير الإرادة في الانتخاب او عدم الانتخاب أصلاً، فإنه يختار الثاني لأنه أقل سوءاً، اما الكلام الآخر والمؤكد لفشل المناورات فقد جاء وبصراحة ما بعدها صراحة ووضوح في كلمة السيد حسن نصرالله الذي ذكّر مَن يعنيه الأمر بكلمته الشهيرة في السابق «إذا أردتم رئيساً للجمهورية انتخبوا العماد عون أو لا رئيس». وحقق ما يريد والآن يقول لهم إن أردتم الانتخاب فتوافقوا على قانون عادل لا يلغي طائفة من الأقليات ولا أقلية ضمن أي طائفة وإلا لا انتخاب متقاطعاً أو متطابقاً كلياً مع الرئيس عون.
والآن، يبدو أن المعرقلين المناورين فهموا أخيراً أن مناوراتهم لن تجدي فانحنوا ظاهراً أمام عاصفة الإصلاح الانتخابي الذي يقودها الرئيس عون والمقاومة، ومعهما نخب شعبية وازنة، فأطلق أحدهم مقولة استعداده لمناقشة أفكار جديدة بعد ان كان مصراً على القانون الأكثري وصرّح الآخر بأنه مستعد للمشاركة في الانتخابات وفقاً لأي قانون يقره مجلس النواب في موقف جديد هو الآخر، فهل يلتقط مجلس النواب اللحظة ويسارع الى إقرار القانون المنشود من دون أن يتوقف عند خاطر هذا أو ذاك ومن دون أن يتذرّع بميثاقية مبتدعة، خاصة أن مثل هذا القانون لا يتطلب لإقراره سوى نصاب 65 نائباً للانعقاد و33 نائباً للإقرار. وهذا نصاب متوفر بأكثر من المطلوب أيضاً؟