فلسطين وتجلّيات تراجع النفوذ الأميركي

عامر نعيم الياس

القوة العظمى، القطب الأوحد، راعية عملية السلام، ومَن لم يكن معنا فهو ضدّنا، والحرب على الإرهاب، والربيع العربي، مسمّيات تحولت مع مرور الوقت إلى صفات ومقومات ترسّخت في وعي البعض من المتأثرين بالنموذج الأميركي، والمروّجين له على مستوى المنطقة العربية. ترويج أدواته من النخب السياسية والإعلامية بمختلف فروعها المرئي والمكتوب والمسموع أدّى إلى خلق فوبيا لدى أميركا، تلك القوة الآمرة الناهية التي لا تقهر والتي لا نملك في مواجهتها سوى الاستسلام والانبطاح مستسلمين، لكن هل هذا هو الوضع اليوم؟ هل سنستمر في رؤية الأمور من هذا المنظور؟ وهل سنستمر في الرهان على النموذج الأميركي في بناء عنوانه اليوم الفوضى الخلاقة؟

لا نريد هنا أن ننظر إلى الأمر على أنه صراع بين معسكرين أو بين مستويين من النخب أحدهما مع النموذج الأمريكي والآخر ضده، فنتائج هذا النموذج على الأرض وحدود تاثيره لم تعد خافية على أحد، بل تحولت مع مرور الوقت إلى حقيقة واضحة فرضت نفسها على النخب الغربية وباتت مادةً للنقاش يتوقع أن يزداد حضورها كلما اصطدمت مصالح الدول الكبرى بعضها ببعض وكلما أفرز هذا الاصطدام مؤشراً يحدد شكل عالم متعدد الأقطاب.

وبالعودة إلى الشرق الأوسط، رصدت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية مؤشرات تراجع النفوذ الأميركي بدءاً من فلسطين وصولاً إلى الخليج وليس انتهاءً بأوكرانيا، ففي مقال لإدوارد لوس عن «تراجع النفوذ الأميركي على الساحة الدولية»، قال الكاتب إن «هذا الواقع الأميركي يترجم في الفترة الأخيرة مع قرب فشل المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية بعد جهود مضنية بذلها وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي قام ب 12 زيارة خلال الأشهر الـ13 الماضية».

وأضاف لوس إن وزير الخارجية كيري لم يلفت نظر الإدارة الأميركية إلى تراجع نفوذها في المنطقة إلا منذ أسبوع تقريباً، وذلك عندما «عرض على الإسرائيليين إطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد في محاولة لتحريك عجلة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية». ودفع «إسرائيل» إلى إطلاق الدفعة الأخيرة من الأسرى التي كانت مقررة، إلا أن أياً من ذلك لم يتحقق».

في فلسطين، لم يضع أوباما خطوطاً حمراء، يبدو أن لونها تغيّر!! أو أنه يدرك ان ربيبته «إسرئيل» ستمحي هذه الخطوط دون تأمين اي مخرج ملائم له كما حصل عندما توجه إلى الكونغرس في ما يخص سورية، أو كما واسى نفسه بتعليق عضوية روسيا في مجموعة الثماني جراء ما جرى في القرم، لكن على رغم ذلك، وفي ملف المفاوضات الفلسطينية «الإسرائيلية» تحديداً، يجب الإشارة هنا إلى أن جون كيري بدأ وإدارته الحديث عن إطلاق المفاوضات بين الجانبين للوصول إلى اتفاق نهائي وذك منذ 9 أشهر، وما لبث أن تحول ذلك إلى اتفاق إطار بينهما، ثمّ تحوّل إلى مسودّة اتفاق إطار مع تسجيل الطرفين الفلسطيني و«الإسرائيلي» لتحفظاتهما عليه. أما اليوم، فإن كيري ومساعديه يتحرّكون بين الطرفين المتفاوضين على أمل انتزاع موافقتهما على تمديد المفاوضات ستة أشهر إضافية.

إذاً، إنه «التراجع»، و«انحسار التأثير والنفوذ» هذه حال واشنطن اليوم، حال في ضوء تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما عن أن روسيا دولة إقليمية لا تنبئ بوعي أميركي لحال الامبراطورية، أمر من شأنه أن يضاعف من محاولات كسر العظم على الساحة الدولية في محاولة لإثبات شباب نموذج بدأ يعاني أمراض منتصف العمر.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى