التحالف العربي «الإسرائيلي».. وستبقى فلسطين قضيّتنا
سماهر الخطيب
منذ تاريخ تلك الاتفاقية الملعونة، اتفاقيّة سايكس بيكو إلى وعد بلفور، ودول المشرق الهلال السوري الخصيب تعيش في صراع إثبات الوجود بكونها أصحاب الأرض وأبناء الحضارة، ممّا يُصعّب في اختراق هذه الحضارة وهذه الأرض، فالكيان الصهيوني الذي اتّخذ من بروتوكولات حكمائه «حكماء صهيون» وصايا يسير على خطاها لتحقيق آماله في تهويد فلسطين، كاستخدامه «حصان طروادة» للتغلغل في عقول وشعوب هذه الدول لتحقيق ما تعذّر تحقيقه في العلن، ليتكاثر بالتالي «يهود الداخل» ويتغلغلون فيشعلوا الحرب في سورية وقبلها في لبنان والعراق، بمحاولة من الصهاينة لتفتيت الداخل السوري وإشغال الدولة السورية ومعها المقاومة بهذا العدوان الكوني على الأرض السوريّة، حتّى تتلهّى عن القضية الأساس «القضية الفلسطينية»، وهو ما لم تسطع تحقيقه.
فمنذ اتفاقيّة كامب ديفيد العام 1979 مع مصر، واتفاقية وادي عربة مع الأردن العام 1994، تناسلت الاتفاقيات والمعاهدات السريّة والعلنيّة التي بدأتها دولة الاحتلال مع دول عربية كالسعودية والأردن والإمارات المتحدة ومصر وتونس، ناهيك عن قطر وغيرها، في خطى التبادل الثقافي والاقتصادي والأمني وحتّى الدبلوماسي، للتوجّه نحو تطبيع علاقاتها مع هذه الدول العربية إن كان علنيّاً أو ضمنيّاً.
وليس بالخافي على أحد، بأنّ المطامح الصهيونية تصبو نحو السكوت عن ممارساتها ضدّ شعبنا الفلسطيني، والاعتراف العلني من العرب بأنّ فلسطين لم تَعُدْ عربيّة، ممّا يعني تنازلات عربيّة لصالح المشروع الصهيوني في المنطقة، وبالتالي القبول بالمشروع الشرق أوسطي الجديد والموافقة العربيّة الضمنيّة على تبديل خارطة المنطقة تمهيداً لتجزئتها وتقسيم ما تقسّم فيها سابقاً لمصلحة هذا المشروع الصهيوني.
كما أنّ هذا الكيان المغتصب لأرضنا لم يتورّع عن الاغتصاب الثقافي والإعلامي لمجتمعنا وتحويل الصراع مع «إسرائيل» في معركة الوجود إلى صراعات داخليّة وطائفيّة تهدّد القضية الأساس، وهي القضيّة الفلسطينية.
وهذا ليس بالجديد ومنذ العام 1947، وجزء كبير من نظام الحماية الصهيونية هو للأسف «حماية عربية»، لا بل وقبل ذلك. فليس وليد المصادفة تأسيس المملكة العربية السعودية العام 1932، أي بعد وعد بلفور بخمسة عشرة عاماً وقبل الإعلان المشؤوم لدولة صهيون بخمسة عشرة عاماً. وكان عبد العزيز مؤسّس السعودية موافقاً على إعطاء فلسطين لليهود، وكذلك الملك عبد الله وقبله الشريف حسين في مراسلاته مع مكماهون.
في السِّياق، الإعلان عن تحالف عربي «إسرائيلي» ليس بالجديد، إنما الجديد هو التصريح العلني بلا حياء اتجاه شعبنا الفلسطيني وما أقرّ به «نتنياهو» سابقاً، أنّ «إسرائيل» لم تَعد عدواً، بل تُعدّ حليفاً للعالم العربي في معركته الحتميّة مع إيران.
وعليه، فلا بُدّ في هذا السِّياق من العودة بالأذهان إلى الزيارة التي قام بها الضابط السعودي المتقاعد أنور عشقي في تموز الماضي إلى القدس الغربية، والتقى خلالها المدير العام لوزارة الخارجية الصهيونية دوري غولد، وذلك بعد لقاء جمع الرجلين قبل سنة في مركز للأبحاث في واشنطن.
هنا نكتشف، على الرغم من أنّ ذلك لا يشكّل أيّة مفاجأة، أنّ علاقاتها بكلٍّ من الدوحة والرياض وبعض العواصم الخليجية الأخرى جيدة للغاية، إضافةً إلى أنّ علاقتها بمصر والأردن والسلطة الفلسطينيّة جيدة بحكم معاهدة التسوية ، وإنْ كانت بعض دول الخليج لا تزال تتردّد في الإعلان رسميّاً عن ذلك.
كما ذكرت «وول ستريت جورنال»، أنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تبحث مع الدول العربية المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، مصر والأردن إمكانيّة إقامة حلف عسكري في «الشرق الأوسط» يكون قادراً على مواجهة إيران، بالإضافة لتبادل المعلومات الاستخباريّة مع الكيان الصهيوني.
ومن المفترض أن يكون هذا التحالف، ببُنيته والقواعد القانونيّة التي تنظم العلاقات بين أعضائه، شبيهاً تماماً بحلف شمال الأطلسي. وسوف يأخذ من الناتو بشكل خاص «مبدأ الدفاع الجماعي»، أي إنّ الهجوم ضدّ أحد أعضاء الحلف سيعدُّ هجوماً ضدّ الحلف بأجمعه.
فيما كان الردّ الإيراني واعياً ومدركاً لغايات هذا التحالف، والذي يهدف إلى إيجاد مبرّر للتطبيع. وجاء في وكالة «إرنا» الرسميّة للأنباء، أنّ «الهدف الحقيقي من فكرة ترامب لحشد محور عربي صهيوني جديد، يكمن في توظيف الخطر الإيراني المبالغ فيه للتطبيع العربي مع دولة الاحتلال، وحلْب ما تبقّى من ثروات لدى دول الخليج لتمويل مشاريع البُنى التحتيّة الأميركية التي وعد بها ضمن حملته الانتخابية».
وفي السياق، شهد الاجتماع الذي عُقد في ميونيخ هجوماً حادّاً من قِبل وزير الدفاع الصهيوني «أفيغدور ليبرمان» ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ضدّ إيران. وكان المتحدّث بِاسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، أكّد سابقاً أنّ «الوفد الإيراني المشارك في مؤتمر ميونيخ الأمني لن يشارك في أيّة حلقة نقاش يحضرها الصهاينة، مفنّداً مزاعم وسائل الإعلام الصهيونية التي ادّعت بأنّ ظريف وليبرمان سيحضران معاً حلقة نقاش مشتركة».
وإذا ما نظرنا بدقّة إلى المشهد الحالي، سنجد أنّ القضية الفلسطينية لا تزال قائمة، رغم توقيع معاهدات تسوية رسميّة بين «إسرائيل» و3 دول عربية، ورغم كلّ التصريحات العربيّة والمؤتمرات والانتقادات والشجب والاستنكار، ستبقى فلسطين هي القضية.