عون: إستناد «إسرائيل» لسياسة القوة لا يوصل إلى حل عباس يشيد بالتنسيق اللبناني الفلسطيني في معالجة أوضاع المخيمات
أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن «عدم الوصول إلى حل عادل للصراع العربي «الإسرائيلي» هو في أساس ما تعاني منه منطقتنا من تخبّط واختلال توازن وانعدام استقرار، وأن الحاجة أصبحت أكثر من ملحة لإيجاد حلول سياسية للأزمات وسفك الدماء المتواصل في بعض الدول العربية، لأنها وحدها قادرة على وضع حدِ لمعاناة طالت».
ولفت إلى أن «المقاربة التي تعتمدها «إسرائيل» منذ نشوئها، في صراعها مع العرب، والتي تقوم على قاعدة القوة، قد تحقق لها بعض انتصارات آنية، ولكنها لا توصل للحل ولا للسلام، فلا سلام من دون عدالة، ولا عدالة من دون احترام الحقوق».
مواقف الرئيس عون جاءت خلال مؤتمر صحافي عقده مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في صالون 22 تشرين الثاني، بعد محادثات لبنانية – فلسطينية ثنائية وموسّعة في قصر بعبدا.
وقال رئيس الجمهورية: «إن مأساة فلسطين التي بدأت مع وعد بلفور، قد بلغت هذه السنة عامها المئة. وهي الجرح الأكبر في وجدان العرب، وأول ضحاياها الشعب الفلسطيني ثم الشعب اللبناني».
وشدد الرئيس عون على «أهمية دور الرئيس الفلسطيني في المحافظة على استقرار المخيمات الفلسطينية في لبنان، فلا تتحول بؤراً لمن يبغي استغلال مآسي الشعب الفلسطيني، واستثمارها في الإرهاب والإخلال بالأمن».
وتابع: «لقد سقطت الأحادية في العالم، ولا يمكن أن تبنى دولة على آحادية دينية ترفض الآخر وتطرده من أرضه ومن هويته ومن ثقافته، وتتوقع بعد ذلك أن تنعم بالسلام. من هذا المنطلق، شددت للرئيس عباس على أن التحدي الأبرز الذي يواجه عالمنا العربي، هو مدى قدرتنا على فرض الحل العادل والشامل، لجميع أوجه الصراع العربي «الإسرائيلي»، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية، ومرجعية مؤتمر مدريد، والبنود المتكاملة للمبادرة العربية للسلام، التي تؤكد الحق العربي في الأرض، وفي قيام الدولة الفلسطينية الحرة والمستقلة، وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين».
وأردف: «تطرقنا أيضاً إلى أوضاع منطقتنا، وهي تجتاز مرحلة غير مسبوقة من التفتت والنزف. وكان الرأي متفقاً على أن الإرهاب الذي يضربها، لا يمكن أن يكون مصدره الدين، فأي دين منه براء. وهو يستلزم منا وقفة واحدة في مواجهته، تقوم أولاً على تغليب قوى الاعتدال في مواجهة تيارات التطرف، ثم الإحاطة بشبيبتنا ومجتمعاتنا تربوياً وتنموياً كي لا تقع فريسة سهلة في براثنه».
وشكر الرئيس عون نظيره الفلسطيني عنايته بأوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأكد «أهمية دوره في المحافظة على استقرارها، فلا تتحول بؤراً لمن يبغي استغلال مآسي الشعب الفلسطيني، واستثمارها في الإرهاب والإخلال بالأمن».
وقال: «كانت مطالبتنا مشتركة لوكالة الأونروا للاستمرار في تلبية الاحتياجات الحياتية للفلسطينيين، بانتظار إيجاد الحل السياسي النهائي لقضيتهم، على قاعدة حقهم الطبيعي في العودة. وكان الرأي متفقاً أيضاً على أننا مدعوون جميعاً، عشية انعقاد القمة العربية في المملكة الأردنية الهاشمية، إلى العمل لإعادة إحياء دور الجامعة العربية لنتمكن من مواجهة الأزمات متضامنين، ونلتزم جميعاً بميثاقها، ما من شأنه أن يساهم في بلورة العديد من الحلول لما هو قائم على الساحة العربية. كما اتفقنا على التواصل المستمر لتنسيق المواقف والتعاون بما يخدم مصالح بلدينا وقضايا العدالة والسلام التي دفع اللبنانيون والفلسطينيون، وما زالوا، الغالي من أجل تحقيقها».
ورد الرئيس عباس بكلمة هنأ فيها الرئيس عون على انتخابه الذي أنهى أزمة كبيرة في لبنان، وقال: «أنا على ثقة بأن هذه الزيارة وهذه المباحثات مع فخامة الرئيس ولقاءاتي غداً اليوم مع رئيسَي الحكومة ومجلس النواب ومع مختلف القوى اللبنانية، ستعمل على تعزيز علاقات الأخوة والتعاون بين الشعبين والبلدين الشقيقين».
وأكد عباس أن «اللاجئين الفلسطينيين على الأرض اللبنانية ما هم إلا ضيوف عليكم». وقال: «نحن على ثقة بأنكم ستستمرون في حسن رعايتكم لهم واحتضانهم، ومن جانبنا، فإننا نعمل دائماً أن يكون وجودهم إيجابياً إلى حين عودتهم المؤكدة إلى ديارهم ووطنهم فلسطين، الذي نصرّ عليه، ونحرص كل الحرص دائماً لأن يبقى أبناء شعبنا بمنأى عن الدخول في صراعات المنطقة. وشعبنا في لبنان أكد انضباطه وحفاظه على الأمن والاستقرار في المخيمات».
وأشار عباس إلى أن العملية السياسية تراوح مكانها، رغم أننا نمد أيدينا للسلام وفق قرارات ومرجعيات الشرعية الدولية. وأضاف: «إسرائيل» ما زالت تصر على مواصلة احتلالها لأرضنا، وإبقاء شعبنا في سجن كبير، وهو ما لن نقبله وسنواصل العمل بالطرق السياسية والدبلوماسية واستخدام أدوات القانون الدولي وحشد الدعم الدولي الثنائي والمتعدّد، وسنعمل على تطبيق قرار مجلس الأمن 2334، وسنواجه النشاطات الاستيطانية وقرار الكنيست الأخير الذي يشرّع سرقة الأرض الفلسطينية».
وأشاد بالتزام جميع الفصائل الفلسطينية برؤيتنا هذه، شاكراً جميع أجهزة الدولة اللبنانية في هذا الخصوص، الأمر الذي يساهم في تعزيز العلاقات الفلسطينية اللبنانية.
وأضاف: «تعلمون، بأننا نقف مثلما تقفون ضد الإرهاب بأشكاله ومصادره كافة، ونحن منذ البداية دعونا إلى الحوار البناء بين الأطراف في الأقطار التي تشهد صراعات، وأكدنا كذلك ضرورة صون وحدة وسلامة أراضي كل قطر عربي».
وتابع: «في الوقت نفسه سنواصل عملية البناء الداخلي لمؤسساتنا الوطنية وفق معايير عصرية وعلى أساس سيادة القانون والنهوض باقتصادنا الوطني، ودعم صمود أهلنا في القدس. ومن ناحية أخرى، سنواصل العمل على توحيد أرضنا وشعبنا وتحقيق المصالحة الوطنية، وإعادة إعمار ما دمّره الاحتلال في قطاع غزة، وتحقيق المصالحة والذهاب إلى الانتخابات العامة، علما بأننا سنعقد الانتخابات البلدية خلال شهر أيار المقبل».
وكان الرئيس الفلسطيني وصل إلى مطار بيروت الدولي عند الرابعة من بعد ظهر أمس، حيث كان في استقباله رئيس بعثة الشرف وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول، محافظ بيروت القاضي زياد شبيب، قائد منطقة جبل لبنان العسكرية في الجيش العميد جورج خميس، مساعد قائد جهاز أمن المطار العميد عزام الحسن، مدير عام الطيران المدني محمد شهاب الدين وأعضاء سفارة فلسطين في لبنان وفصائل منظمة التحرير والتحالف.
وبعد استراحة قصيرة في المطار، انتقل الرئيس الضيف يرافقه رفول إلى القصر الجمهوري الذي وصله عند الرابعة والنصف، حيث استقبله الرئيس عون عند المدخل الخارجي للقصر قبل أن تُقام مراسم الاستقبال الرسمي ويتوجها إلى المنصة الرئيسية. وبعد عزف النشيدين الوطنيين الفلسطيني واللبناني وتحية الرئيس الضيف العلم اللبناني، عرض الرئيسان عون وعباس حرس الشرف قبل أن يصافح الرئيس الضيف الشخصيات اللبنانية المستقبلة وهم: وزير الخارجية والمغترين جبران باسيل، رفول، مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، ميراي عون الهاشم، مستشار الرئيس الأمني والعسكري العميد بولس مطر، المستشار الإعلامي جان عزيز، رئيس فرع الأمانة العامة في رئاسة الجمهورية عدنان نصار، مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية السفير شربل وهبة، مدير المخابرات في الجيش العميد الركن كميل ضاهر، مدير أعمال فرع الشؤون الدستورية والقانونية القاضي يحيى كركتلي، قائد لواء الحرس الجمهوري العميد سليم فغالي ورئيس مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا.
ثم قدّم الرئيس عباس للرئيس عون أعضاء الوفد المرافق قبل أن تقدّم له الزهور عند مدخل القصر من قبل طفلين باللباس الفولكلوري اللبناني.
بعد ذلك، توجّه الرئيسان عون وعباس بين ثلة من رماحة الحرس الجمهوري إلى صالون السفراء، حيث عقدا لقاء ثنائياً دام حوالي نصف ساعة قبل ان ينضم اعضاء الوفدين لتعقد محادثات موسعة، حضرها عن الجانب اللبناني: باسيل ورفول، ابراهيم، وهبة، ضاهر، مطر، عزيز وشلالا. فيما حضر عن الجانب الفلسطيني: رئيس كتلة «فتح» البرلمانية عزام الأحمد، مستشار الرئيس باسل عقل، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة نبيل ابو ردينة، مدير عام جهاز المخابرات اللواء ماجد فرج، مستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية مجدي الخالدي، السفير الفلسطيني في لبنان اشرف دبور وأمين سر حركة «فتح» والفصائل الفلسطينية في لبنان فتحي ابو العردات.
ومساء، أقام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مأدبة عشاء في قصر بعبدا على شرف الرئيس الفلسطيني محمود عباس والوفد المرافق. وشارك في المأدبة إلى الرئيسين عون وعباس، رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة غسان حاصباني، والوزراء: يعقوب الصراف، علي حسن خليل، جبران باسيل، حسين الحاج حسن، ميشال فرعون، نهاد المشنوق، جان أوغاسبيان، جمال الجراح، بيار رفول، نقولا تويني، طارق الخطيب، بيار أبي عاصي، اواديس كدنيان، سيزار أبي خليل، رائد خوري.
وشارك أيضاً قادة الأجهزة العسكرية والأمنية، وعدد من المدراء العامين وكبار موظفي القصر الجمهوري وشخصيات إعلامية، إضافة إلى الوفد الفلسطيني المرافق للرئيس عباس.
وقبل بدء العشاء، عقد لقاء ضمّ الرئيسين عون وعباس في حضور الرئيسين بري والحريري، تم خلاله استكمال المباحثات التي أجراها الرئيس الفلسطيني بعد الظهر في قصر بعبدا مع الرئيس عون.
وقبل دخوله إلى قاعة العشاء، دوّن الرئيس عباس في السجل الذهبي النص التالي:
«تغمرني السعادة وأنا أزور لبنان الشقيق في عهد فخامة الرئيس العماد ميشال عون، وأتيقن بأن زيارتي هذه ستوثق علاقتنا الأخوية، وستعزز سبل التعاون المشترك بين بلدينا وشعبينا، مؤكدين مجدداً وقوفنا إلى جانب لبنان الذي لن ننسى مواقفه وتضحياته لنصرة القضية الفلسطينية واستضافته الموقتة لشعبنا على أرضه لحين عودتهم، وسنظل دوماً إلى جانب لبنان في كل ما يتطلع إليه من طموحات وأهداف سامية تعزز وحدة لبنان والوئام بين أبناء الشعب الواحد والصمود في وجه التحديات الراهنة.
مع أطيب تمنياتنا لفخامة الرئيس العماد ميشال عون بالصحة والسعادة والنجاح في مهامه، ولشعب لبنان وحكومته ومجلس نوابه دوام التقدم والازدهار والمستقبل».
وخلال العشاء، ألقى الرئيس عون كلمة جاء فيها «لا شك في أن ما يعاني منه الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال «الإسرائيلي» والممارسات المدانة المستندة الى مفهوم القوة، سيبقى حاضراً في كل فكر حر وقلب نابض بالديمقراطية يتوق إلى الحرية والاستقلال والتجذر في الأرض واستعادة الحقوق المشروعة». وتابع قائلاً «سنواصل العمل للوصول إلى السلام الذي تستحقونه، لأنه منذ مئة عام إلى اليوم لم يعرف أحد منا الراحة والاستقرار».
وقال الرئيس عباس «إن ما يزيدني سعادة هذا المساء أن أكون أول الضيوف والزائرين، وهذا تعبير عن حبنا وتقديرنا لشعب وقيادة لبنان التي تعاملت بوعي كامل وتوحدت للاستحقاق الدستوري بانتخاب فخامة الرئيس العماد عون، الأمر الذي جنّب لبنان الكثير من المخاطر، وأتاح الفرصة لأن تنطلق الحكومة بقيادة سعد الحريري نحو البناء والتنمية وبدعم من مجلس النواب برئاسة الرئيس نبيه بري ومباركة جميع القوى الوطنية، ليواصل لبنان أداء رسالته الوطنية والقومية».
وجدّد الرئيس عباس شكره الشعب اللبناني على احتضانه للشعب الفلسطيني واستضافته الموقتة لحين العودة، وعلى وقوف لبنان إلى جانب القضية الفلسطينية في جميع المحافل الدولية وفي جميع المراحل.
وأشاد عباس بالتنسيق اللبناني الفلسطيني في معالجة أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأكد أهمية ما تقوم به أجهزة الدولة والجيش اللبناني من دور متميز في هذا الصدد.
وقال الرئيس الفلسطيني «إننا نواصل جهودنا وعملنا من أجل إنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» لبلادنا وتحقيق شعبنا حريته واستقلاله، من خلال الأدوات السياسية والدبلوماسية، ولقد أحرزنا العديد من الإنجازات في مجال تعميق جذور دولة فلسطين في النظام الدولي. ومن ناحية اخرى، نواصل بناء مؤسساتنا الوطنية والنهوض باقتصادنا ودعم صمود أهلنا في القدس وقطاع غزة والشتات، ومواصلة العمل لتوحيد أرضنا وشعبنا وتحقيق المصالحة الوطنية، الأمر الذي سيزيد قوتنا ويساعدنا على تحقق طموحات شعبنا ونيل حريته واستقلاله في دولته بعاصمتها القدس الشرقية، وتطبيق مبادرة السلام العربية، كما جاءت في قمة بيروت عام 2002».
إلى أن طاولات العشاء ازدانت بلوحات وصور لأشجار لبنانية وفلسطينية، مع ترتيب للزهور من وحي هذه الأشجار.
وبعد العشاء، غادر الرئيس الفلسطيني قصر بعبدا إلى مقر الإقامة في فندق هيلتون – حبتور.