«هديّة من أجلك»… الفنية تغفل رفع رصيد الحكاية

لا بدّ من القول إن غاية أيّ تكرار عمل ما في الحياة، هو هدف لتأصيله، فكيف إن كان هذا في السياقات الأدبية. خصوصاً عندما يكون العمل الأدبي موجّهاً إلى الطفل، تماماً كما حدث في قصة الكاتب أحمد العباسي «هدية من أجلك».

أقصد بكلمة تكرار، أي هو فعل يحصل في القصة بحامل السرد الذي يؤدّيه شخوصها، وكما جاء في أحداثها، أن يتداول عدد من الحيوانات هدية أهديت لأحدهم للتفضيل، بحيث أن كل واحد منها يؤثر للآخر على نفسه ويقدم له الهدية.

تلك هي الإشارة التي أراد الكاتب تأصيلها وتثبيتها في متخيل الطفل. أولاً بثّ فعل العطاء في روحه، جعله يتلمس بكلّ حواسه حالة الفرح والبهجة التي يحصل عليها من خلال تقديمه الهدية لصديق وتفضيله على نفسه. رغم أن الطفل غالباً ما يكون منحازاً إلى أناه، لكن فكرة زرع العطاء فيه وبطريقة شائقة كما فعلها العباسي، تُنمي فيه هذه الميزة من خلال تعبئته معنوياً.

إنه الإيثار، عندما يتلقى المرء هدية، ثم يحملها كما هي ليفرح بها صديقه وكذلك الصديق الذي بدوره يؤثر بها لصديق وهكذا دارت الدائرة لتشكل حلقة قوية متكاملة متعاضدة.

لكن يجب التنبّه إلى عدم الوقوع في الأفخاخ، يعني لا يكفي أن تكون طيب القلب إلى درجة السذاجة، فربما تسقط ضحية مكيدة ما. إذ ليس كل من قال أنه صديق يعني أنه وفي وأمين. فكثير من أعمال الخير تنقلب شراً على مفتعليها، ليس لشيء سوى أنهم أبرياء ولا يضمرون شراً في داخلهم.

هذا ما جرى مع صديقنا أرنوب بعدما حصل على هدية من الفأر، حيث قرر إهداءها لصديقه المحبّ سلحوف وكذلك سلحوف يقرر تقديمها لصديقهم النسر المريض الذي يؤثر الاسد ملك الغابة بالهدية لانه يستحقها فعلاً. كذلك الأسد بدوره يستشير الأصدقاء لأنه يرى بأن الضبع هو الأحق بها. حينها يحتج أرنوب بالقول: لكنه شرير. ليبادر الأسد بالتبرير لأرنوب بالقول: أنت مخطئ يا صديقي، أمس رأيته قرب منزلك، سألته عما يفعله هنا فأجابني: أنه يحرسك من غدر الثعلب الماكر. وهنا تصير الهدية من حق الضبع الذي يفرح ويعجل في فتحها لتنفجر في وجهه وتحرقه.

أليست المقولة تقول: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها؟

إذن، ما كانت الهدية سوى فخ نصبه الضبع لأرنوب وهو من دفع الفأر

لإيصالها له.

فنياً، برع الكاتب في تمرير فكرته والأهداف المراد توصيلها بطريقة مرهفة، من محسنات السرد والحواريات بلغة يتداولها الأطفال، وذلك بحامل الرسم المرافق.

وددت ألا يختمها بالفعلة الشنيعة التي ارتكبها الضبع، بل أن يترك حاملها طيب، فقد ملأني بها كقارئ. وأن يبعد الطفل عن قصص المكائد، هو رأي وهو قابل للنقاش.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى