طهران لن تهزم ما دامت على عهدها مع فلسطين…

مصطفى حكمت العراقي

من خلال متابعة بسيطة وتركيز أبسط لوقائع مؤتمر الأمن العالمي الأخير الذي جرى في المانيا لنكتشف انّ الدنيا كلها تعيش في أمن واطمئنان ولا يعكر صفوها إلا إيران ومن معها من حلفاء! كما انّ كلّ مشاكل الأرض تمّ تصفيرها واتحدت الدول مع بعضها لتتخذ من طهران عدواً مشتركاً لا يوجد غيره، لأنّ طهران تعتبر الأخطر على أمن العالم واستقراره كما صوّرتها كلمات معظم المشاركين في هذا المؤتمر، وعلى رأسه وزير خارجية العدو الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الذي كان «عريس الحفل»، وأحاط به الغرب ومعظم العرب والأتراك من كلّ حدب وصوب، وكانت خطبته العصماء التي كرّر فيها كلمة إيران اكثر مما ذكر «إسرائيل»…

تبع ليبرمان السناتور الأميركي الجمهوري ليندسي غراهام قائلاً انّ الكونغرس يبحث فرض عقوبات جديدة على إيران بسبب برنامجها الصاروخي الذي يهدّد استقرار الشرق الأوسط وينتهك قرارات الأمم المتحدة، وطالبها ان تغيّر سلوكها وكأنه أصبح راعي تحسين السلوك في العالم…

أما من نافق بقضية فلسطين حتى النخاع ولم يبق مكروهاً إلا وعمله، ونعني رجب أردوغان ومن يقف في زمرته المشؤومة فقد جاهر وزير خارجيته بما يضمر في داخله من حقد طائفي بغيض، اذ عبّر جاويش أوغلو الذي كان يستجدي طهران قبل أشهر قلائل عندما كانت أنقرة في مأزق اقتصادي كاد ان يودي ببلاده نحو الانهيار، بعد ان فرضت روسيا عقوبات اقتصادية صارمة للردّ على إسقاط إحدى طائراتها في سورية، حينها وبعدها ذهب رئيسه أردوغان لرفع التبادل التجاري بين أنقرة وطهران، وهو ما حصل، والآن نجد السيد جاويش أوغلو يتبجّح في كلمته في ذات المؤتمر بالقول إنّ الدور الإيراني في المنطقة يزعزع الاستقرار، خاصة انّ إيران تسعى لنشر التشيّع في العراق وسورية، وكأنه تناسى انّ الشيعة مذهب إسلامي وليسوا حزباً سياسياً، كما أنه أغمض عينيه عن عشرات آلاف المسلحين الذين جلبتهم المخابرات التركية لنشر الإرهاب في سورية والعراق لأهداف يتبيّن تدريجياً أنها كانت طائفية حقيرة تنمّ عن حقد وجهل من قام بها…

هنا يمكن القول بأنّ جاويش أوغلو قد يكون علم فجأة او صحا من سباته العميق بإقدام إيران على زعزعة استقرار المنطقة وسعيها لنشر التشيّع في هذه الأيام، وليس قبل ستة أشهر عندما ذهب اليها متوسلاً طالباً الدعم والمساندة قائلاً حينها بسعي حكومته للتعاون بين دول الجوار الإسلامية التي قد تصبح مع مجيء ترامب للبيت الابيض أعداء أشدّ من ذي قبل، بدليل التطابق في توصيف التهديد الذي تمثله إيران بين وزير الأمن الإسرائيلي ليبرمان ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير كتعبير عن التطابق بين تل أبيب والرياض الذي بدأ يظهر للعلن بعدما كان مخفياً في ما سبق وصولاً إلى التنسيق العلني بين أنظمة عربية و«إسرائيل» باعتبارهم معتدلين من وجهة نظر السفاح نتنياهو، وهنا سرّ التعاون، حتى انّ ليبرمان مثل الرياض ودافع عنها في المؤتمر أكثر من تل أبيب، حتى قال إنّ وجهة إيران الرئيسية في نهاية الأمر هي السعودية، وتابع قائلاً: إنّ هدف إيران هو زعزعة الاستقرار وتقويض السعودية في الشرق الأوسط، إضافة الى لقائه مع وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس في ميونيخ بأنّ المشاكل الثلاث الأساسية التي ستواجه «إسرائيل» والولايات المتحدة هي إيران ثم إيران ثم إيران. وشدّد على ضرورة «بناء تحالف حقيقي وناجع لمواجهة الإرهاب الذي تنشره إيران في العالم، وانشغالها في تطوير الصواريخ، والتسلح النووي».

اما موقف الجبير فجاء كأسلافه وأسياده رافضاً الدعوات الإيرانية للحوار متهماً طهران بأنها هي الراعي الرئيسي للإرهاب في العالم وقوة مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، وتريد تدميرنا، حتى انّ وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفيني ذهبت بعيداً واعترضت على مشاركة وزير الخارجية الإيراني في مؤتمر ميونيخ. وأوضحت موقفها بالقول: «هل من المعقول أن يحصل وزير الخارجية الإيراني مجمد جواد ظريف، على الشرعية في مؤتمر أمني محترم في أوروبا، وهي دولة تدعم الإرهاب وتموّل حزب الله، الذي نفذ هجوماً على الأرض الأوروبية كما تدّعي…»؟

هنا يمكن القول بأنّ سرّ كلّ ما نراه من تصعيد وهجوم متصاعد نحو طهران مكلّلاً ببوادر إنشاء حلف يضمّ دول عربية مع واشنطن وتل ابيب هو شعار «الموت لإسرائيل» الذي يتردّد في طهران خلال مسيرات يوم القدس والمؤتمرات التي تستضيفها إيران لدعم المقاومة وحركات التحرّر بمشاركة عشرات الدول والشخصيات الذين ينعتهم الغرب بالإرهاب لأنهم يطالبون بتحرير كلّ الأراضي العربية المحتلة وإزالة الكيان الاسرائيلي الغاصب، وهنا فإنّ من يظهر العداء لطهران يخدمها أكثر مما يضرّها لأنّ التاريخ أكد مراراً انّ من يقف مع فلسطين ويجعلها قضيته المركزية لن ينحني رأسه ولن يخسر رغم الخذلان العربي من أنظمة التبعية لأميركا في المنطقة، وستظلّ القدس كما كانت عنصر توحيد للعرب والمسلمين وجميع أحرار العالم، وانّ طهران التي ملأت خزائن المقاومين من صواريخ الموت لإسرائيل لن تنهزم ما دامت على عهدها مع فلسطين…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى