مختصر مفيد خريطة طريق لفهم قانون الانتخابات النيابية
وظيفة قانون الانتخاب إقامة علاقة صحيحة بربط النيات بالنتائج بين ثلاثة أطراف هي الناخب والمرشح والنائب، بعملية حسابيّة بسيطة يفهمها منذ البداية حتى النهاية الأطراف الثلاثة، وتسير بسلاسة وبساطة بينهم في تحقيق الأغراض التي أرادها الناخب من اختياره لمرشح أو لائحة أو مرشح ولائحة بما يعادل الجهد الانتخابي الذي بذله الناخبون لحساب مرشحيهم ليصيروا نواباً منتخَبين.
القانون المثالي هو الذي يجمع ميزات أهم نظامين انتخابيين الأكثري والنسبي بأكثر صيغهما عدالة في التمثيل، ضمن مجلسين مستقلين ينفصلان ويجتمعان في الجلسات والصلاحيات، وفقاً لتوزيع يراعي خصوصية وحاجات كل بلد، فيكون النسبي خارج أي قيد على المرشح والناخب للوائح مقفلة يرمز لها باسمها أو بلون معيّن وتنال نسبة مقاعدها بنسبة ما تنال من أصوات وتولى توزيع مقاعدها على أعضائها بتشاور تُنهي به الهيئة الناظمة للعملية الانتخابية تعاونها مع رؤساء اللوائح قبل الإعلان عن هيئة المجلس المنتخب على أساس الدائرة الواحدة عموماً، بينما المجلس المنتخب على أساس النظام الأكثري فيراعي المناطق والطوائف والقوميات ويكون لدوائر صغرى ما أمكن ويفوز فيها مَن ينال الأصوات الأكثر.
يحتاج القانون المثالي لأحزاب وطنية كبرى عابرة للمناطق والطوائف والقوميات من جهة، تتقاسم بسلاسة مقاعد المجلس المنتخب على أساس النسبية خارج أي قيد، وضمن جعل الدولة دائرة واحدة، ويدور التنافس الحزبي على البرامج والأفكار والطروحات من جهة مقابلة. وبالمقابل يحتاج شخصيات لامعة في مناطقها وطوائفها تعكس همومها وهواجسها تكون نجوم الانتخابات المحلية على أساس النظام الأكثري ليتشكّل منها المجلس الموازي.
في لبنان يبدو النظام المثالي، كما عرضه الدستور في المادة 22 حاجة ملحّة تنتظر جدولاً زمنياً تنفيذياً لدورات متلاحقة عدة تساعد على إنضاج الشروط التي تجعله المناسب وتلافي صفة المناطقية والطائفية الملازمة لتكتلاته الحزبية الكبرى من جهة، وتحرّر الانتخاب من ثقل الأوزان الشخصية للمرشحين الحزبيّين من جهة أخرى، وتمنح الناخب الفرصة لمقارنة اللوائح ببرامجها وطروحاتها ويصير مكان الشخصيات المجلس الموازي، فيُنتخبون لأشخاصهم ومواقفهم ومتابعتهم لهموم الناس ومعرفتها بهم وثقتها بنقل همومهم وهواجسهم المناطقية والطائفية وتمثيلها.
النظام الأكثري المعتمد في لبنان وفقاً لقانون الستين أو سواه يُعتبر نظاماً محبطاً للعملية التصويتية. فهو يعتمد على إلغاء الحاصل التصويتي لما يصل أحياناً إلى ثلثي الناخبين عندما تتنافس أربع لوائح مثلاً، وتفوز منها مَن تحصل على ثلاثين في المئة فقط من أصوات الناخبين فيحقق رغبة هذه النسبة ويتلف قيمة تصويت السبعين بالمئة من الناخبين ويفسد مقاصدهم من العملية الانتخابية، عدا كونه محبطاً عندما يذهب لدوائر متوسطة وكبرى تزيد عن الثلاثة مقاعد فيصير الناتج النهائي للعملية التصويتية قابلاً للتوقع ويحبط الناخبين عن الإقبال والمشاركة في التصويت.
النظام النسبي الذي يجمع القيد الطائفي ويراعي توزيع المقاعد على أساسه ويعتمد دوائر متوسطة مجبر على اعتماد الصوت التفضيلي. وهو يقضي على الإحباط بإقصاء المتنافسين، لكنه يجلب كثيراً من الأحيان مرشحين بسبب تعقيد التوفيق بين عناصر النسبية والتوزيع الطائفي والصوت التفضيلي كعملية رياضية وحسابية معقدة لا يمكن حسابها من الناخب لضمان غرضه من التصويت وصلته البسيطة بالنتائج، فلا تعبّر النتائج بالأمانة اللازمة عن هدفية التصويت، بقدر ما تحقق عدالة التوزيع بين اللوائح المتنافسة، وأحياناً يتحوّل رئيس اللائحة الذي جلب ترشيحه الناخبين للتصويت إلى فرصة لفوز مرشح من اللائحة بديلاً منه لم ينَلْ أعلى التصويت التفضيلي، بل ربّما أقلّه، لكنه المقعد الذي بقي شاغراً بعد نيل اللوائح المنافسة حصصها بمعيارَيْ النسبة والصوت التفضيلي.
النظام المختلط الذي يجمع النسبية بالصوت التفضيلي في دوائر والصوت الأكثري في دوائر ويراعي في كليهما التوزيع الطائفي يحوّل الناخب آلة عمياء تنتخب من دون أن يكون في عقل الناخب خريطة طريق لصلة تصويته بوصول مرشحه المفضل لائحة كان أم شخصاً، وتصير معادلة القانون مع الناخب دعوة لتصويت لا يملك تصوراً عن كيفية تأثيره في منح مرشحه أو مرشحيه فرص الفوز، عدا عن التعقيدات التي يخلقها حول نوعية النواب المنتخبين على أساس كل من النظامين وعلاقتهما بالناخبين، والأخطر صدقية المعايير التي تمّ على أساسها توزيع المقاعد بين النظامين ومدى سلامتها وصحتها بالربط السبيي للتوزيع، وحجم الدوائر ومدى مواءمته لمقتضيات كل من النظامين وسلاسة تطبيقهما عليها.
النظام النسبيّ بالصوت الأكثري أو المركب القائم على التأهيل في دورة أولى على النظام الأكثري وانتخاب في دورة ثانية بين اللوائح على أساس النظام النسبي، مع مراعاة التوزيع الطائفي والمناطقي للمقاعد النيابية، يكون صالحاً وبسيطاً ومقبولاً وسلساً فقط في حال تمّ التأهيل في دوائر صغرى لاختيار الأربعة الأوائل عن كل مقعد وحصر تشكيل اللوائح بينهم على مستوى لبنان دائرة واحدة، بحيث تتنافس عملياً ما يعادل أربع لوائح مكتملة، والأرجح ما يقارب العشر لوائح غير المكتملة وتنال كلها نصيباً من التمثيل بحجم ما تنال من الأصوات، وتتوزّع مقاعدها باعتماد التصويت التفضيلي حكماً مع قبول مسبق لسلبياته التي تصير هنا محدودة التأثير بحجم لبنان دائرة واحدة.
النظام الأمثل في حال لبنان الراهن هو النظام الأكثري بالتصويت النسبي الذي ينطلق من اعتبار المحافظات الخمس متحدات سياسية اجتماعية غير متنازع على رسوخها في الذاكرة اللبنانية. ويقوم على تصويت بسيط يجريه الناخب باختيار ما لا يزيد عن نسبة مئوية من عدد مقاعد الدائرة تتراوح بين 20 و40 وفقاً لأحجام الكتل السياسية المتحركة في الدائرة، بحيث يمنحها فرص تشكيل لوائحها الحرة بلا ضغوط تحالفات قسرية، وتشكل نسبة الـ40 الحالة الأقرب لوضع الكتل الكبرى وتأثيرها الانتخابي في لبنان، وهذا يمنح ناخبيها فرص منحها الوصول الوازن إلى المجلس النيابي، لكن من دون إلغاء منافسيها بفتح الباب للائحتين أو أكثر في مقابلها، ويمنح هذا النظام القوى ذات الحجم المتوسط والصغير فرص التحالف لتشكيل لوائح تنافس وتملك فرص الدخول للمجلس النيابي ويستنهض المهمّشين نحو المشاركة، لأن الانتخاب علمياً للوائح يختلط فيها الحزبي بالشخصي، فغالباً تعيد البيوتات تركيب لوائحها الخاصة قبيل التصويت، كما يفتح الباب على مستوى المحافظة كدائرة وسطى لتشكيل تكتلات شبابية ومدنية قادرة على التأثير في العملية الانتخابية.
تعتمد المحافظات الخمس دوائر انتخابية.
يراعى التوزيع الطائفي والمناطقي المعتمد للمقاعد النيابية.
يحق للناخب اختيار عدد من المرشحين بما يتناسب مع التوزيع الطائفي للمقاعد لا يزيد عن 40 أو 30 من المقاعد المخصصة لدائرته 9 أو 7 في كل من الجنوب والبقاع و8 او 5 في بيروت و11 أو 8 في الشمال و14 أو 10 في جبل لبنان ، ويمكن تثبيت الرقم نفسه لكل الناخب بحق اختيار عشرة مرشحين في الدائرة. .
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.