قالت له
قالت له ماذا عساي أن أستفيد من خبرتك عن فارق العمر بين الحبيبين؟ ولماذا يسلّم الناس غرباً وشرقاً، بأن يكون الرجل أكبر سناً من المرأة؟ فهل هذا منصف أم هو من تقاليد غابرة تتيح للرجل المسنّ أن يتّخذ من المرأة الشابة زوجاً له يستنفد قدراتها في الأعمال المنزلية ويمتّع نفسه يحيويّتها وشبابها وينتهي بها الأمر ممرّضة له في شيخوخته؟
فقال لها قد يكون ثمّة بعض مما تقولين، لكن في الفارق أيضاً بعضٌ من سنن الحياة. فالمرأة مُجبَرة على التفكير بالانتجاب في سن سقفها منتصف العقد الثالث إن أرادت نمو عائلة طبيعية تتشكّل من أبناء عديدين، بينما سقف عمر الرجل للإنحاب مفتوح والرجل يحتاج لوقت يبذله بعد خروجه للحياة ليستعدّ لمتطلّبات الزواج من استقرار مالي طالما هو المسؤول الرئيسي عن معيشة كريمة لعائلته، ما يعني أن بينه وبين بدء التفكير بالزواج عشر سنوات تزيد عن المرأة، إذا اعتبرنا تاريخ خروجهما للحياة في سن واحدة هي منتصف العقد الثاني.
قالت هذا يعني إن سقف فارق العمر هو هذه السنوات العشر.
فقال ينقص أو يزيد.
فقالت وإن زاد.
قال على ألا يبلغ الرجل ضعف عمر المرأة.
فقالت وما الحكمة؟
قال كي لا يبدآن كأب وابنة وينتهيان كمقعد وممرّضة. وتراه في البدايات مثلاً أعلى ومصدر قوة ومهابة ونضج، وفي النهاية عنوان ضعف وهزال ومصدر ارتباك وإحراج.
قالت ليس بالضرورة إن كان معتدل الصحة وقادر العقل وكان بينهما من الحب ما يكفي، فوحده الحب يجعله شاباً.
فقال عندما ينتصف عمر المرأة عن عمر الرجل يبدأ شريكاً في تموين شخصيتها ومكانتها وبناء خبرتها وينظر إليها كأنها من صناعته وينتظر دائماً عرفاناً بهذا كلما تراجع في الحياة وتقدّمت، كحكاية الأب وابنه التي تروي أن أباً كان يسأله ابنه طفلاً عن العصفور عشرين مرة السؤال نفسه ويجيبه كل مرة الجواب نفسه ويضحك وينتهي معه بقبلة. ولما كبر الأب وبدأت علامة الشيخوخة عليه سأل ابنه السؤال ذاته عن العصفور ذاته مرتين، وهو يتظاهر بالسمع الثقيل فرآه يتبرّم ويغضب ويصرخ ويسخر من شيخوخته، ليروي له الحكاية وهو يبكي.
فقالت له لكننا نقرأ تاريخ العظماء كتّاباً وفلاسفة، وقد كانت حبيباتهم تصغرهم عمراً بكثير ومصدر إلهام للشعر والرسم والفلسفة.
فقال لها لأن العظماء لا يشيخون بنظر مَن يُحبّهم، فالحبّ هنا يتخطّى الظاهر بكثير ويختلط فيه الرضا عن النفس بالمكانة والعظمة وتدفّق الفكر والفن والإبداع، فيبقى شاباً بإنتاجه ويصير مجرّد شاب يكبر بالعمر، ولأن مكانة العظماء ومقدراتهم تتيح لهم إخفاء ما لا يُحبّون أن تراه الحبيبة في تقدّم العمر.
فقالت وما أجمل ما سمعت عن نصائح فارق العمر؟
فقال لها رجل دمشقي عتيق أخبرني أن أهل الشام وضعوا معادلة قوامها أن يتزوّج الرجل إمرأة عمرها نصف عمره مضافاً له سبع سنوات، فإن كان في الثلاثين كانت في الثانية والعشرين وإن كان في الأربعين كانت في السابعة والعشرين وإن بلغ الخسمين كانت في الثانية والثلاثين.
فقالت بعد تأمّل وحساب على أصابعها، وبعدما شهقت أنفاسها إذن نحن نطبّق وصفة القدماء ونعيش حبّ العظماء.
فقال إذن أنت تقصدين حبّك لغيري. فقالت أقصد أبي أليس حبّ الفتاة الأول لأبيها؟
فقال هزمتِني، بعدما كدتُ أسقط بالضربة القاضية وضمّها ومضى.