الولايات المتحدة وسورية والغارات: تحالف الطرف الثالث
عامر نعيم الياس
وسط الجدل الدائر في دوائر صنع القرار الغربي حول الضربات الجوّية الأميركية على سورية وجدواها وقانونيتها، برز مؤشران في الصحافتين البريطانية والأميركية في غاية الأهمية حول مقاربة الصعوبات التي تعترض هذا الملف المعقّد، وطريقة الالتفاف عليها تجلياً بالتالي:
ـ التسريبات الصادرة عن بعض المصادر الدبلوماسية الغربية حول ضرورة العمل مع سورية عبر طرف ثالث وبشكل سرّي، يجنّب واشنطن الإحراج أمام حلفائها على الجوّ وفي الأرض، نظراً إلى المصالح المتعارضة التي تغلّف ما يسمّى بالتحالف الدولي للحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية».
ـ ما نشره الكاتب البريطاني روبرت فيسك في صحيفة «إندبندنت» البريطانية حول «وجود اتصال بين الاستخبارات الغربية والاستخبارات السوريّة منذ أشهر لبحث سبل التعاون سريّاً».
بُعيد هذه التسريبات بأيام، شنّت الطائرات الحربية الأميركية، يوم أمس، بمشاركة من خمس دول عربية السعودية، الإمارات، الأردن، البحرين، وبدعم من قطر ، غارات جويّة هي الأولى من نوعها على مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية ـ داعش» في الرقة السوريّة، وأيضاً ما يعرف عبر الإعلام الأميركي بتنظيم «خراسان».
وزارة الخارجية السوريّة أصدرت بدورها بياناً قالت فيه إن «الجانب الأميركي أبلغ مندوب سورية لدى الأمم المتحدة بأنّه سيتم توجيه ضربات إلى داعش من قبل واشنطن وحلفائها قبل الغارة بساعات» وبعد ذلك «تلقى وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلّم رسالةً من نظيره الأميركي جون كيري عبر وزير خارجية العراق يبلغه فيها أن أميركا ستستهدف قواعد داعش وبعضها موجود في سورية» وشدّد بيان الخارجية السورية على «احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها وفقاً للمواثيق الدولية… وأن التنسيق مع العراق مستمر وعلى أعلى المستويات لضرب الإرهاب تنفيذاً للقرار 2170»، وعليه فإن البيان، معطوفاً على ما سبق من تسريبات إعلامية، يعكس عدّة أمور أهمها:
أولاً، ما جرى في العراق من تغييرات أخيرة في هيكلية الحكم لا يمكن فصله عن شكل التحالف الدولي لأوباما في الحرب على «داعش». فاستبدال المالكي بالعبادي وإسناد حقيبة الخارجية لإبراهيم الجعفري تحديداً، ترجم اليوم عبر شرعنة عمل ما يسمّى الطرف الثالث، أو الاتصال غير المباشر لطلب إذن من الحكومة السوريّة لضرب تنظيم «داعش» داخل أراضيها.
ثانياً، الدور العراقي في الحرب الأميركية على الإرهاب، ودخول المرجعية الشيعية على خطّ رسم حدود التدخل الأميركي الجديد في العراق، معطوفاً على تأكيد بيان الخارجية السورية على «استمرار التنسيق مع العراق وعلى أعلى المستويات لضرب الإرهاب»، يعكس محاولة استغلال محور المقاومة في المنطقة لتحالف أوباما ضدّ «داعش» من أجل تعزيز مواقع الدولتين العراقية والسورية على الجغرافية الخاصة بهما، إضافةً إلى تشريع التحرّك العسكري والأمني المشترك بين بغداد ودمشق ورفع مستوى التنسيق بين البلدين، ليرتقي إلى ما يمكن تسميته «الحلف الموازي» أي تحالف طهران ـ بغداد ـ دمشق للحرب على الإرهاب في إطار القرار 2170.
ثالثاً، قبيل الضربة الأميركية على سورية، ترأس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماعاً لمجلس الأمن القومي الروسي أعلن فيه الناطق بِاسم الكرملين أنّ المجلس ناقش اقتراحاً من الرئيس بوتين لتشكيل تحالف من أجل محاربة تنظيم «داعش»، تبعه اتصال جرى بين أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون والرئيس الروسي، أكد فيه الأخير على ضرورة احترام سيادة سورية في أيّ عمل يستهدف «داعش» على أراضيها. تحرّكات لحظةٍ أخيرة تكشف عن العمل على إرساء تفاهمات تضبط الأوضاع ولا تخرجها عن نطاق السيطرة، بحيث تحفظ الأطراف كافة ماء وجهها.
إذاً، أبلغت واشنطن دمشق عبر العراق، أما موسكو فتولّت التواصل مع الأمم المتحدة، الطرف الثالث حضر في المعادلة وهو العراق المقبول من كافة الأطراف المنخرطة في لعبة الحرب. دور ليس غريباً على الحروب الأميركية في المنطقة التي لطالما كان فيها طرف ثالث ينسّق بالوكالة عن واشنطن مع قوة لا تريد واشنطن التعامل معها بشكل مباشر وعلنيّ في مواجهة «العدو المشترك»، كما حصل في حربَيْ العراق وأفغانستان.
كاتب سوري