الجبير في العراق على «الطريقة اللبنانية»

روزانا رمّال

حركة سعودية – تركية منسجمة تتمظهر في ملفّات رئيسيّة ومفصلية في المنطقة بدأت من لبنان حتى العراق اليوم. وهو سلوك موازٍ لحجم المتغيّرات التي وحّدت الأتراك والسعوديين عند مرحلة «تصعيد» كشف عن عنوانها في تفجيرات حمص على وقع جولة مفاوضات جنيف الحالية مع بيانات «حرب» من وفد المعارضة واتهامات لضلوع الحكومة السورية بالتفجيرات أعادت عقارب الساعة الى الوراء والمساعي السلمية الى المربع الأول في مشهد «مظلم» من صفحات التفاوض السوري على ما يُعرف بالصفيح الساخن.

لم تكن واردة عودة تركيا لوحدة الموقف مع السعودية، بعدما كان تتطلّع انقرة بتسليمها كلمة الإقليم «السنية» عبر توسّع أدوارها بشراكة متينة مع روسيا وإيران. كل هذا قبل أن يتبين اهتزاز الموقف الأميركي الجديد وضعف ترامب في مسألة الحسم تجاه الدفع باتجاه علاقات جيدة بين بلاده وروسيا حتى الساعة بعد اعتراضات شاملة ضمن المؤسسة الأميركية، خصوصاً من جهة الـ»سي آي إي» ووزارة الدفاع ومعهما اعتراضات سياسية متعددة الأشكال لا تزال تعتبر موسكو هي العدو الاساسي للادارة الأميركية، ولا تزال تعتبر اي تحالف بين الادارة الحالية وموسكو أمراً غير مرغوب فيه.

العودة التركية نحو الشراكة مع السعوديين تجسّد مرحلة من التصعيد قبل التوصل للتفاهمات الكبرى. وهي مرحلة تحتاج فيها انقرة حالياً لمؤازرة الرياض ورفع الشروط الأميركية قبل انجلاء مصير العلاقة الأميركية الروسية. الأمر الذي يحتّم الوقوف عند ثوابت لا تربح فيها إيران ولا تخسر فيها «إسرائيل» بالحالتين كمصلحة أميركية مثبتة وجب على الحلفاء التحرّك وفق خريطتها.

وبعد أن شهدت العلاقات العراقية – التركية توتراً غير مسبوق على خلفية القاعدة العسكرية في بعشيقة بالشمال العراقي، والتي تضمّ حوالي 2000 جندي تركي، والتصريحات التركية العالية النبرة تجاه الحكومة العراقية توجّه رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم في 5 كانون الثاني للعراق عائداً بخلاصة مفادها «أن أمن تركيا لا ينفصل عن أمن العراق»، وأن «حقبة» جديدة من العلاقات بين الطرفين بدأت، وأنه تمّ الاتفاق على نهج مشترك لمحاربة «الإرهاب»، مع طلب عراقي بانسحاب القوات التركية من بلدة بعشيقة قرب الموصل.

وزير الخارجية السعودية عادل الجبير زار وبشكل مفاجئ العراق بعد 14 سنة من شبه قطيعة سعودية في خطوة تحمل الكثير من الحسابات والأبعاد، أكد فيها أن بلاده «تتطلع إلى بناء علاقات مميّزة مع العراق. وثمة رغبة مشتركة في العمل معاً في الحرب ضد الإرهاب». زيارة معطوفة مع نيات سعودية لتعيين سفير جديد لدى المملكة في العراق، ما يؤذن بفتح صفحة جديدة بكل الاحوال.

الحركة التركية السعودية نحو العراق تأتي بعد حركة تركية سعودية تجاه لبنان زار فيها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قصر بعبدا لتهنئة الرئيس ميشال عون بانتخابه في الثاني من كانون الثاني مع تأكيد العزم على تعزيز التعاون المشترك بين البلدين ليتبع الزيارة وفد سعودي يضمّ أمير منطقة مكة الأمير خالد الفيصل، ووزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية لتهنئة الرئيس عون بعد زيارة الوزير تامر السبهان بيروت قبل انتخاب عون وبعده في زيارات أرخت اهتماماً لافتاً من المملكة بالعهد أكد أنها ليست بوارد ترك الساحة اللبنانية خالية بوجه خصومها الإقليميّين.

بهذا الإطار كشفت أوساط سياسية واسعة الاطلاع لـ«البناء» ان زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير اللافتة للعراق هي «احتواء» ومحاولة للدخول السعودي للعراق على الطريقة اللبنانية. واليوم تتكشّف تفاصيل تفاهم أميركي تركي سعودي في العراق يشبه التطبيع الذي جرى في لبنان وطرح تساؤلات عديدة حينها عندما برزت ليونة سعودية نحو الرئيس عون بداية عهده يُضاف إليها اهتمام تركي ملحوظ. تتابع الأوساط «الأميركي مهتمّ بالعراق أكثر اليوم، لأن عنده وجوداً مباشراً فيه وعلى السعودي والتركي تأمين التغطية السياسية المؤاتية له بحدود نفوذهما المحلي، ما يتطلب انفتاحاً على حكومة العبادي وتنشيط علاقاتهما من دون أن يعني هذا «إيجابية» بالعلاقة السعودية – الإيرانية، بل هي مواجهة سعودية – إيرانية بطريقة تشبه الطريقة اللبنانية ما يبقي العلاقة بين إيران والسعودية وتركيا في العراق ولبنان واقعة ضمن معادلة الدخول على اللعبتين «للمنافسة» وتحسين الشروط وليس لـ«الاشتباك»»، يختم المصدر.

يبدو أن قطيعة الحكومة العراقية من ثم التصعيد بوجهها التي جرّبتها كل من السعودية وتركيا لم تثبت جدواها، بل كرّس كلا الخيارين إخراج كل من الرياض وأنقرة من المعادلتين اللبنانية والعراقية في وقت استطاعتا دخولها بعدما قبل الطرفان الحلّ على أساس وصول العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية واعتبار حيدر العبادي حيثية مقبولة للتعاون في الملفات الأمنية والسياسية والدخول على العراق، حيث النفوذ الإيراني فتمّ حصر المعارك الكبرى في لبنان والعراق بين حزب الله والحشد الشعبي حصراً، وهو الموقف الأميركي الرئيسي. كل هذا نتيجة انعدام أفق التوافق الروسي الأميركي العريض في الوقت الراهن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى