الانتخابات في لبنان «مؤجّلة» حتى موعد الانتخابات التشريعيّة العراقية؟

روزانا رمّال

كشفت مصادر سياسية رفيعة لـ«البناء» أن المرحلة المقبلة في المنطقة محكومة بفوضى سياسية وديبلوماسية وعسكرية لمدة سنة أقلّه ما يعني التهاب الملف السوري وتفاوضاً على صفيح ساخن يجعل من مسألة تحديد النفوذ واقتسامها أمرين غير ممكنين حالياً، بسبب عجز الرئيس الأميركي دونالد ترامب حتى اللحظة على السير بالاتفاق الأميركي – الروسي الذي وضع بنوده الثنائي جون كيري وسيرغي لافروف ما يعني عودة التصعيد الى الواجهة بالملفين السوري والعراقي ومعهما اللبناني لجهة استبعاد إمكانية التوصل لمجلس نيابي جديد يسبق الخروج بحصيلة توازنات القوى في المنطقة، الأمر الذي يجعله يتقاطع مع حلول موعد الانتخابات العراقية بعد سنة تقريباً.

تضيف المصادر لـ«البناء» لقد دخلت تركيا والسعودية على الملفين العراقي واللبناني معاً بزيارات متكرّرة للبلدين. فأنقرة التي أرسلت وزير خارجيتها لتهنئة عون أرسلته أيضاً الى العراق بعد خلاف على معسكر «بعشيقة». الأمر نفسه بالنسبة للسعودية في لبنان حيث توالت زيارات مسؤوليها إليه آخرهم الوزير تامر السبهان ورفع منسوب الاهتمام بالساحة اللبنانية. وتختم الأوساط «اليوم دخلت تركيا والسعودية على الملفين معاً, وبات باستطاعتهما زرع المناصرين وتحضير الحلفاء بالعراق ولبنان من الآن حتى موعد الانتخابات العراقية وتعزيز وضعهم الانتخابي في لبنان تحضيراً لما قبل الانتخابات العراقية بعد سنة. فلماذا تُسلم كل من السعودية وتركيا «المجالس النيابية» بالمنطقة لإيران وحلفائها اذا كان الاتفاق الأميركي – الروسي بظل إدارة ترامب الجديدة «متعثراً»، وقد عاد على أساسه التصعيد وهذا ما تؤكده تفجيرات حمص خلال مفاوضات جنيف؟

هذا الكلام يأخذ الى مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لبنان. وهو الأمر غير البعيد عن الساحة اللبنانية، والذي يشي بإمكانية أن تكون هناك نية إقليمية مقبلة على استغلال «تعثّر» التوصل لقانون انتخاب، أو ربما إيعاز بعدم النجاح في هذا الأمر لتقطيع الوقت والمرحلة الغامضة الراهنة لحين توضيح الصورة أكثر. فظروف انتخاب العماد ميشال عون التي أتت تحت مظلة اتفاق أميركي روسي أو هدنة أنتجت تقارباً إقليمياً وإجماعاً على ضرورة السير بحتمية التقارب الأميركي الروسي أما اليوم فتبدّلت الحسابات بشكل ملحوظ حتى أن العلاقة التركية الإيرانية الجيدة نسبياً بدأت بالتراجع منذ قدوم ادارة ترامب وبدء الضغط على إخراج إيران وحلفائها أبرزهم حزب الله من سورية.

الانتخابات النيابية وحسم الأكثريات فيها أخذت طابعاً أحادي الجانب منذ زمن الوجود السوري، ولا يمكن إغفال هذا المنطق على دولة متقطعة الأوصال عملياً و»توافقية» ظاهرياً، بحيث فرضت القوى السياسية الحاكمة فيها هويّات المجالس النيابية وفقاً لقرارات إقليميّة محدّدة شكل المرحلة، فكان أن طغى في مجلس النواب في انتخابات 2009 حلفاء أميركا والسعودية، وهي قوى 14 اذار بعد أن خرجت سورية من لبنان بقرار 1559 الذي ترجم تغيير ميزان القوى حينها.

الأمر نفسه كان طاغياً في زمن الوجود السوري، حيث كانت الأكثريات تتماهى مع تلك المرحلة، فندرت معارضة الوجود السوري حينها، في وقت كان حضور دمشق في بيروت ترجمة لقرار دولي دخلت سورية على اساسه الى لبنان في «الأحداث» اللبنانية.

بالعودة للعراق وإمكانية أن ترتبط النتائج اللبنانية بالعراقية، فإن هذا الحساب هو أساسي في نظرة القوى الإقليمية الكبرى للتوازنات والتحالفات المحلية بالبلدين، فمسألة الاستسلام لإيران وحلفائها ليس وارداً حالياً على ما يبدو، ولهذا السبب هناك محاولات للتقارب من حلفاء إيران كنوع من غرس جذور لعلاقة قادرة أن تتحوّل أرضية تقطع نصف الطريق قبل اي لحظة تفاوض غير مباشرة في المنطقة، ومن جهة أخرى تؤسس للرهان على استجلاب حلفاء إيران بمجرد مد اليد إليها والتعاون معها. وهو الامر الذي راهنت عليه السعودية في مسألة القبول بميشال عون مرشحاً رئاسياً، حيث كان معوّلاً على تغيره بعد ان يتسلم السلطة.

العرقلة في انتاج قانون للانتخابات اصبحت مقلقة مع تقدّم الوقت الذي لا يعمل لصالح الحساب المحلي اللبناني بعدما تبينت عودة التسخين للملفات في المنطقة في ظل انتظار الإدارة الأميركية المرتبكة وغير القادرة على التقدم نحو روسيا، كما كان مؤملاً من ترامب الذي وعد وأغدق بهذا الإطار حتى هزم أمام القرار الأميركي الداخلي واضطر لإقالة مستشار الأمن القومي الذي رشحه «مايكل فلين» على خلفية اتصاله بالسفير الروسي بواشنطن والحديث عن أمور أساسية بينها «وعود برفع العقوبات الأميركية على روسيا». بات ترامب مضطراً لرفع الشبهات عن أعضاء فريقه، وهو الأمر الذي يُعيد عقارب الساعة إلى الوراء في المنطقة التي لن تشهد انفراجات من دون تقدّم ديبلوماسي روسي أميركي سريع.

تعدّدت ساحات الاشتباك الإيراني مع السعودية وتركيا اللتين تمثّلان العالم السني، وفي هذا الإطار تداخلت المصالح.

التمديد لمجلس النواب بات «بديهياً»، إذا لم يتم التوصل لحل سريع لقانون الانتخاب مع تعقّد مسألة المشاورات والصيغ المطروحة ورمي التهم بين القوى والمعطّلين. ما يعني أن «تأجيل» الانتخابات هو المرجّح حتى تتوضح صورة الانتخابات التشريعية في الملفات المتشابكة إقليمياً، فهل تأخذ بعض القوى على عاتقها السير بإيعازات إقليمية وتعطيل الانتخابات؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى