الجماعات الإرهابيّة: السلاح مقابل السلاح!

حسين حمّود

في كلّ مرحلة سياسيّة أو أمنيّة حسّاسة، يكاد يكون مخيم عين الحلوة قنبلة موقوته على أهبة الانفجار. هذا ما تؤكّده الاشتباكات المفاجئة التي يشهدها المخيم بين فترة وأخرى، وذاك ما كان عليه يوم الاثنين الماضي إذ اندلعت معارك عنيفة من دون سابق إنذار، بالرغم من الحوادث المتفرّقة التي كانت تحصل بشكلٍ متفرّق وتتمّ السيطرة عليها. أمّا اشتباكات الاثنين والثلاثاء الماضيَين، فقد أخذت منحىً خطيراً، لربطها بأسباب غاية في الأهمية تجاوزت مسألة الحقوق الإنسانيّة للّاجئين الفلسطينيّين، والتي كان قادة الفصائل يتذرّعون بها لتبرير انضمام بعض الفلسطينيّين إلى الجماعات الإرهابيّة والقتال إلى جانبهم ضدّ الفصائل الأخرى، وجعل مخيّم عين الحلوة على فوّهة بركان دائم.

أمّا الأسباب التي كانت وراء الأحداث الأخيرة، فهي مغايرة بحسب مصادر فلسطينية. فقد لفتت المصادر إلى أنّ المعارك جاءت في ظلّ أجواء سياسيّة وأمنيّة أحاطت بملف السلاح الفلسطيني المتفلّت، وضرورة تنظيمه بعدما تكاثرت فروع التنظيمات الإرهابيّة في عين الحلوة وغيره من المخيّمات، وهي تحت إمرة إرهابيّين لبنانيّين وفلسطينيّين. وهؤلاء يهدّدون أمن واستقرار المخيمات بشكل متواصل، ولا سيّما عين الحلوة، مع ما لهذا الأمر من تداعيات أمنيّة سلبيّة على الجوار وتحديداً مدينة صيدا، التي تشكّل عمقاً بشرياً لعين الحلوة وممرّاً إلى الجنوب. وهي أيضاً، تضمّ جماعات سلفيّة تتعاطف مع التنظيمات الإرهابيّة في المخيم، ومن أبرز المتعاطفين هم جماعة أحمد الأسير، الذي عانت صيدا وجوارها من قرى الجنوب الويلات الأمنيّة والاقتصاديّة والسياسيّة من إرهابه إلى حين إلقاء القبض عليه وملاحقة عناصر تنظيمه، وقد تمكّن بعض هؤلاء من الفرار إلى مخيم عين الحلوة.

وتشير المصادر إلى أنّ هذا الموضوع أثاره المسؤولون اللبنانيّون مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس أثناء زيارته بيروت الأسبوع الماضي، مشدّدين على ضرورة تنظيم السلاح في المخيّمات وعدم استمرارها ملاذاً للإرهابيّين الفارّين من وجه السلطات اللبنانيّة، التي تخوض بدورها حرباً ضدّ الجماعات المذكورة، وهي تحقّق نجاحاً باهراً في هذه الحرب. وكان ردّ عبّاس هو أنّ الفلسطينيين هم ضيوف على لبنان ولن يكونوا عاملاً تفجيرياً فيه، والمطلوب فقط تحسين ظروف حياتهم في المخيمات إنسانياً واقتصادياً حتى ينعموا بحياة كريمة، وأنّ المخيمات هي تحت القانون اللبناني وتلتزم بما يقرّره وما تقضي به السلطات اللبنانيّة، وهذا يجب أن يطبّق على الجميع من دون استثناءات.

لكنّ الردّ على عبّاس من الجماعات الإرهابيّة جاء عسكرياً في مخيم عين الحلوة إذ اندلعت اشتباكات بالأسلحة الرشّاشة والصاروخية بين حركة «فتح» ومجموعات بلال بدر، التي نسّقت أمنيّاً أيضاً مع الجماعات الأخرى الحليفة لها، لتنتهي المعركة بفرض وقف إطلاق النار على الجماعات المذكورة من خلال كلّ الفصائل التي اجتمعت في سفارة دولة فلسطين في بيروت، وذلك بعد رفض بدر أيّ اتفاق لوقف النار، معلناً أنّه يستعدّ لخوض ما سمّاه «المعركة الكبرى»، وهو ما يؤكّد معلوماتٍ سابقة عن أنّ الجماعات الإرهابيّة كانت تُعدّ لإعلان إمارتها في عين الحلوة.

حتى الآن، لم تظهر أيّة إجراءات عملانيّة ولا حتى بوادر سياسيّة وتنظيمية لإقفال ملف التقاتل نهائيّاً، وفي المقابل اقتصار تعهّد الجانب الفلسطيني بإخراج المطلوبين اللبنانيّين المختبئين في مخيم عين الحلوة منه. أمّا مسألة الجماعات الإرهابية المتواجدة في المخيم، فلم تتّضح بعد طريقة معالجتها، فيما الأخيرة تدرس القيام بخطوة «نوعيّة» بالمعنى السلبي، وهي ربط سلاحها ووجودها بسلاح حزب الله!

وتُشير معلومات في هذا السِّياق، إلى أنّه في حال تمّ الطّلب من الجماعات الإسلاميّة في المخيمات تسليم سلاحها، فإنّها ستشترط في المقابل سحب سلاح حزب الله! بالرغم من معرفة تلك الجماعات أنّ هذا الطلب مستحيل التحقّق، الأمر الذي يثير تساؤلاً عن ماهيّة ارتباطات الجماعات المذكورة، لبنانياً وإقليمياً! إذ لا يُعقل أن تفكِّر في هذا الطلب إنْ لم تكن مستندة إلى دعمٍ قوي، وتقوم هي بوظيفة تنفيذ أجندة محدّدة ضمن المحور المعادي للمقاومة، وهو ما كان أكّده قائد الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب، الذي اتّهم إبّان الأحداث الأخيرة «مجموعة مأجورة» بتوتير الوضع، وقال: «من يعملون على التوتير يجب تسليمهم إلى الدولة اللبنانيّة، لأنّهم مأجورون ولديهم أجندات خارجية لا تمتّ إلى القضية الفلسطينية بِصِلة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى