قالت له

قالت له

قالت له إن أردت الاختيار بين ثلاثة فأيّهما تختار؟

فقال لها وما هي خياراتي؟

فقالت أن تعيش حبّنا في شهر عاصف من الحب الصافي كلاماً ومشاعر وأحاسيس وتواصل لا ينقطع لا مكان فيه للغضب والعتب والانشغال والانفعال، فهي ثلاثون بنهاراتها ولياليها لا مكان فيها إلا للفرح وبلوغ ذروة الاندماج والعشق والغرام والسهر والسمر والضحك والعطر والنبيذ والنار والثلج والبحر والشمس!

فقال اخترتها فقد اشتقت أن أراك بعيداً عن تعب الدنيا وهمومها واهتماماتها ومصاعب سجالاتنا وخلافاتنا، حتى كدتُ أنسى أحياناً أننا حبيبان وأظننا شريكَيْ عمل في شركة مفلسة يتبادلان الاتهامات.

فقالت مهلاً فلتسمع خيارَيْك الآخرين!

فقال لك سمعي فهاتي نوّرينا!

قالت أن تكون معي لخمس سنوات نفترق بعدها لنهايتها موعد مسبق، فكما يقال إنّ شغف الحب يبرد في سنوات خمس، ومتى علمنا أن الافتراق مقبل، صار كل منا يرغب بأن يغرف من الحبّ ما اشتهى وأن يترك ما لا يفيد الجدال فيه، لأنه لما بعد الافتراق أيام آتية لا يفيد فيها نقاش استباق وافتراض، بل يفسد ما قبلها.

فقال لها أعجبني الابتكار ففيه جمع بين الحب المستديم والوعد بالفراق، وما بينهما حزن وفرح ورغبة وقلق وتعلّق ورضا وسعي للإرضاء، وبحث عن صناعة البسمة، لكن ما بينهما أيضاً دورة طبيعية للحياة لا يفيد في حجبها التصنّع. فالوقت طويل ولا طاقة للبشر على لبس الأقنعة بلا تنفس الهواء الطلق طوال أيامها ولياليها، وفيها مرضٌ وتعبٌ وحنوٌ وحاجة لمن يؤنس الوحشة ويخفّف الألم ويرعى الضعف، كما فيها حاجة لمن يتحمّل النزق والانفعال والأنانية والغلوّ والمبالغة، قبل أن يتذكر أن الزمن يمضي والمهلة تقترب، وليس له أن يبدّد الباقي في ما لا يتّصل بالفرح.

فقالت وما بالك تعشق كل جديد لعلك تصاب معي، بهذه العدوى وتنساني بجديد، فلم تسمع بعد ثالث الاختيارات؟!

فقال يعجبني أنك تحسنين التلاعب بأهوائي وتعزفين بالتتابع على أوتاري، فتأخذين لحني حيث تريد موسيقاك، فقد بدأ الإيقاع فوقعت وتلاه الوتر فتوترت، والآن ثالثك ما عساه يكون إلا النفخ فأنتفخ؟!

فتبّسمت وقالت إليك الخيار الثالث، أن تنتفخ معيشتنا معاً للعمر كله، فنستسلم لكون أحدنا لم يحسن الوقوع على مَن هو أجمل وأفضل وأكمل، فلمَ يضيع العمر مزيداً من بحث سقيم وتفكير عقيم، فنرتضي أننا تعانقنا بقوة ما أرادته لنا الحياة ويُقبل كل منا شريكاً لا يستغني عنه راضياً أو غاضباً أو عاتباً، وكلما ابتعدنا شعرنا بمزيد من الحاجة فندير العمر برضا ولا تتطلّع عيون أحدنا للبحث عن إغواء وغزل ورضا للغرور بجذب العيون ولو تسبّب بقرحة لحبّه المجنون، فنقمع نزواتنا الخفيفة وأنانياتنا السخيفة، لكن نرتضي أن الحياة حلوٌ ومرٌّ وعتبٌ وغضبٌ وفرح وحزن وشوق وملل وضعف وقوة وحاجة واستغناء وتضحية وأنانية. وهذا هو الإنسان خليط عجيب من المواسم والمراسم والقواسم.

فقال لها إليك اختياري أن نتعاهد على خمس تتجدّد خمساً فخمساً، كلما فزنا في الامتحان فلا يموت التوقّع ولا تقتل المفاجأة ولا يتعب السعي للفوز بالتحدّي. وفي كل خمس شهر مما تعدين يعصف بالشوق والحب والفرح والحنين.

فقالت وإليكَ قبلة في أول التمرين!

فضمّها تحت جناحه متأبطاً كتفها يقول لو تعرفين!

فقالت ماذا عساي أن أعرف!

قال كنت أنوي مفاتحتك بخيار الافتراق لنحفظ ما كان بيننا من الاحتراق!

فقالت كنت سأقول لك ما تريد، فقد أحسست بجمالك أكثر وأنت بعيد!

فقال لكنك تعرضين خيارات التلاقي!

فقالت غلبتني أشواقي!

فقال ولم أنطق بما عقلت، لأن العقل يجنّب القلب العذاب، بينما يمسك القلب باللسان ليمنع العقل من النكران، فالقلب يهوى من يعذّبه ويرنو لعذب الكلام ويحيا الحب على الحرب لا على السلام، فنحن كائنات التناقض لا كائنات الانسجام!

فقالت أنتظر منك قبلة الختام!

فقال هي قبلة للحرب وقبلة للسلام، ومني إليك ومنك إليّ فصارت أربعاً مسك الختام.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى