«اتفاق أوسلو» في مواقف رافضيه
رامز مصطفى
عقدان من الزمن قد مرّا على اتفاق أوسلو، وأصيب أصحابه من الفلسطينيين بخيبات أمل من إمكانية تطبيقه. وهم الذين اعترفوا في أكثر من مناسبة ومكان أنّ «اتفاق أوسلو» قد انتهى بفعل السياسات التي اعتمدتها حكومات الكيان المدعومة من الإدارات الأميركية بجناحيها الديمقراطي والجمهوري، في عدم تمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق تطلعاته الوطنية على أرضه فلسطين. ومن دون الخوض كثيراً في استعراض هذه المواقف المعبّرة عن أنّ «اتفاق أوسلو» لم يُبق للفلسطينيين إلاّ فتاتاً لسلطة هشة محكومة لمعايير ناظمها التنسيق الأمني، والتي تحوّلت مع الوقت ومرور الزمن إلى أساسيات ملزمة بغضّ النظر عن تعثر وانسداد أفق المفاوضات العبثية.
لقد تناولت في مقالة سابقة مواقف أصحاب هذا الاتفاق المشؤوم، وإلى أين قادت هذه المواقف. وفي هذه المقالة لا بدّ من استعراض مواقف القوى التي رفضت الاعتراف بهذا الاتفاق، ورأت فيه نكبة جديدة من شأنها القضاء على تطلعات وأماني الشعب الفلسطيني، وإمكانية أن تكون له دولة ذات سيادة. وبالتالي عرّضت الحقوق الثابتة والتاريخية والمشروعة للتبديد والتفريط والتنازل. وإنْ استعرض في المقالة مواقف هذه الفصائل والقوى، إلاّ أن هذا لا يعني التقليل من شأن الكثيرين من شخصيات وأصحاب رأي وكتاب ومثقفين وأدباء وإعلاميين وحقوقيين… الخ. كان لهم مواقفهم الرافضة لهذا الاتفاق.
الشهيد الحكيم جورج حبش، وصف «اتفاق أوسلو» بأنه هو القوة الفاسدة بالنضال الوطني الفلسطيني، باعتباره حلاً لم يتضمّن الحقوق الوطنية المتفق عليها برنامجياً في إطار م. ت. ف. فهو لم يأت بالدولة المستقلة، ولم يُعِد الأرض إلى أصحابها، ولا تزال المستوطنات قائمة وهي في تزايد مستمر، والقدس تهوّد على أشهاد العالم ومرأى ومسمع موقعي الاتفاق المذلّ. وهذه الوضعية متناقضة تماماً مع الأهداف المعلنة لمنظمة التحرير، ومتناقضة مع كلّ المسيرة النضالية والكفاحية للشعب الفلسطيني». وأضاف: «إنّ اتفاق أوسلو كان بمثابة الفراق مع البرنامج الوطني، وهذا أوجد شرخاً في صفوف الشعب الفلسطيني وقواه السياسية من دون مؤيد ومعارض، والقيادة التي وقعت الاتفاق لم تعد في نظر قطاعات واسعة من شعبنا وقواه في الموقع الوطني، وعليه فمسألة الحوار من حيث المبدأ لم تعد قائمة لأنّ أساس اللقاء معها لم يعد قائماً بعد خروجها الصريح من البرنامج الوطني وتنكّرها للميثاق الوطني لمنظمة التحرير».
أحمد جبريل الأمين العام للجبهة الشعبية – القيادة العامة، بدوره قال: «إنّ مواجهة الحال الاستسلامية السائدة، وبالذات في الساحة الفلسطينية، ليست بالمسألة السهلة ولا يمكن الإجهاز على أوسلو بالضربة القاضية»، وأضاف: «إننا نخوض صراعاً مريراً وطويلاً ومعقداً ضدّ مشروع له أبعاد إقليمية ودولية»، ولفت جبريل إلى «أنّ المواجهة هي مع المشروع الأميركي – الصهيوني الذي يمثل أوسلو احد أوجهه».
أما الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي مؤسّس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين فقد شدّد على «أنّ اتفاق أوسلو، اتفاق تدميري وتنازلي، ويأتي من خارج أيّ سياق تاريخي أو طبيعي. وأننا لم نتسلّم غزة أو أريحا في سياق نضالنا وجهادنا وإنما في السياق المعاكس»، مضيفاً: «إنّ الكيان الصهيوني مثل رجل يعاني مشاكل حادّة ومستعصية، وفجأة يظهر من يقول له أنا مستعدّ أن أخلّصك من كلّ هذه المشاكل بدون أن تدفع شيئا أو تخسر شيئاً، بالعكس فستقبض ثمناً مرتفعاً ومرتفعاً جداً».
أما نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية فقال: «ها هو فريق أوسلو يتخبط الآن في مأزقه ويعلن بلسانه كلّ ساعة أنّ كلّ عملية السلام في طريق مسدود، ومهدّدة بالانهيار بعدما بشَّر هذا الفريق بأنّ الاتفاق يفتح على إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان ويربط بين إعادة انتشار قوات الاحتلال وبين الوصول إلى حقّ تقرير المصير والدولة المستقلة».
مؤسّس حركة حماس الشهيد الشيخ أحمد ياسين، قال: «إنّ اتفاق أوسلو كان نقطة سلبية في تاريخ الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والتنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني».
ولفت الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان شلح إلى «أن القضية الفلسطينية مرّت بالعديد من النكبات بعد حرب فلسطين عام 1948، أبرزها اتفاق أوسلو، وهو نكبة فلسطين الثانية».
وقال الأسير المناضل أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية في رسالة له: «لا يوجد أيّ مبرّر منطقي أو مشروع يجيز لفريق أوسلو استمرار المراهنة على المفاوضات، فالتجربة على مدار أكثر من عقدين أثبتت فشلها، ولم يتبقَّ من هذا الاتفاق سوى سلطتين في الضفة والقطاع لا تستطيعان العيش خارج غرفة الإنعاش، ورزمة من الالتزامات الأمنية لحماية أمن الاحتلال، وعلى الأرض تستمرّ الإجراءات العدوانية لحكومة الاحتلال في إطار سعيها إلى فرض الحلّ الانتقالي أو طويل الأمد، والدولة بحدود موقتة فُرضت على شعبنا وعلى المجتمع الدولي».
واعتبر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل «أنّ الحركة ستتعامل مع مسار أوسلو بواقعية شديدة»، مضيفاً: «إنّ عدم الاعتراف بإسرائيل لا يعني عدم القيام بخطوات تراعي ظروف الواقع ومتطلباته والمرحلة القائمة». وقال مشعل: «لدينا سلطة نشأت على أساس أوسلو وسنتعامل مع هذا الواقع بواقعية شديدة ولكن بشكل لا ينتقص مع حق شعبنا». وأضاف: «إنّ حماس لا تخضع للضغوط بالنسبة إلى مسالة الاعتراف بإسرائيل لأنّ الاحتلال لا شرعية له ولن نتخلّى عن حقوقنا». وأضاف مشعل: «لكننا واقعيون ونعلم أنّ الأمور تجري على أساس أنّ عدم اعتراف طرف بطرف آخر لا يعني انه لن تكون هناك خطوات تراعي ظروف الواقع ومتطلباته والمرحلة القائمة».