الغارات الأميركية في سورية: تنسيق، موافقة، خرق للسيادة أم ماذا؟

حميدي العبدالله

مفردات كثيرة جرى تردادها في الأيام القليلة الماضية تعليقاً على الغارات الأميركية التي استهدفت مواقع لـ»داعش» في الرقة ومواقع للنصرة في ريف إدلب. هل هذه الغارات تمّت بموافقة سورية، أو بالتنسيق معها، أو بأخد اذنها، أم أنها انتهاك للسيادة السورية؟

بيان الخارجية السورية كان واضحاً، أنّ الولايات المتحدة أبلغت سورية بشكل مباشر عبر مبعوث سورية الدائم لدى الأمم المتحدة، وبشكل غير مباشر عبر الرسالة التي تلقاها وزير الخارجية السوري من نظيره الأميركي بواسطة وزير الخارجية العراقية، وأفضل تلخيص لحقيقة ما جرى على هذا الصعيد ما جاء على لسان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي قال حرفياً: «سورية لم تطلب الغارات الجوية، لكنها كانت على علمٍ مسبقٍ بها». وعلى ضوء ما جرى عملياً وفي ضوء بيان الخارجية السورية وتصريحات بان كي مون يمكن تسجيل الملاحظات التالية:

الملاحظة الأولى، أنّ نوعاً من التنسيق تمّ التوصل إليه عبر إبلاغ الحكومة السورية بتوقيت الغارات الجوية، وهذا الإبلاغ لا يرقى إلى مستوى الإذن، لأنّ الإذن يتطلب إعطاء موافقة سورية مسبقة، وعلى الرغم من أنّ هذه الموافقة ممكنة لأنه من غير المنطقي أن ترفض الدولة السورية أي مساهمة لضرب تنظيم يشكل تهديداً لأمنها وأمن مواطنيها, ومن مصلحة سورية أن توافق وليس لديها أيّ أسباب لاشتراط الموافقة بطلب لا تستطيع تلبيته الولايات المتحدة نظراً لآثاره السلبية على حلفائها وعلى معارضي سياسة الإدارة الأميركية في سورية داخل الكونغرس، وهو طلب التنسيق العلني والمكشوف، فإنه يمكن القول إنّ التنسيق قد حصل بطريقة غير مباشرة، لأنّ الولايات المتحدة وحلفاءها غير قادرين على شنّ غارات جوية في منطقة ينشط فيها الطيران السوري من دون إعلام الحكومة السورية بذلك بشكل مسبق، وهذا ما حصل، وأنّ ما جرى رغم أنه لا يرقى إلى مستوى الإذن، إلا أنه حصل على موافقة الدولة السورية، وعكَسَ نوعاً من أنواع الإذن، إضافةً إلى شكل من أشكال التعاون والتنسيق في مواجهة عدو مشترك.

الملاحظة الثانية، الغارات هي خرق للسيادة السورية لأنها لم تتمّ بناءً على طلب الحكومة السورية، أسوةً بما فعله العراق، ولكن هذا الخرق لا يتطلب الردّ عليه بأبعد مما صدر رسمياً عن الدولة السورية، طالما أنه اقتصر على توجيه ضربات لعدو الدولة والشعب السوري الأكثر خطورة وفعالية، أي تنظيمي «داعش» و»النصرة».

الملاحظة الثالثة، هذا التعاون والتنسيق غير المباشر تنطبق عليه مقولة ماوتسي تونغ الزعيم الصيني التاريخي، عندما اضطر إلى تجميد صراعه مع الكيومنتانغ لمواجهة الاحتلال الياباني لبعض الأراضي الصينية، حين وصف تحالف الضرورة بين الحزب الشيوعي وبين الكيومنتانغ، بأنه تحالف قائم على قاعدة «السير منفردين والضرب بشكل مشترك».

الملاحظة الرابعة، حتى الآن فإنّ الغارات الأميركية والدول الحليفة لها التي شاركت في هذه الغارات هي في مصلحة السوريين، فهذه الدول تقوم بترويض الوحش الذي قدمت له كل أسباب القوة، وهي تكفّر عن أعمالها السابقة.

الملاحظة الخامسة، يتخوّف الكثير من السوريين من احتمال استغلال ضرب «داعش» و»النصرة» لتوجيه ضربات للجيش السوري، لا سيما أنّ دولاً مثل السعودية وقطر تشارك في الغارات الجوية، ولكن دون ذلك الكثير من الحسابات، أولاً، الإدارة الأميركية شرعت ضرب «داعش» ولم تشرع ضرب الجيش السوري مباشرةً عبر طيرانها، وثانياً، موقف حلفاء سورية الإقليميين إيران والدوليين روسيا حازماً من هذه المسألة، وثالثاً، العوامل التي منعت واشنطن من استغلال الكيماوي عام 2013 لشنّ عدوان على سورية، لا تزال قائمة، بل إنها قائمة بقوة أكبر مما كانت عليه في السابق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى