بحمدون والرفيق سعد ضاهر خيرالله
الأمين د. شوقي خيرالله
تستحق «بحمدون» أن يصدر كتاب / كتيب عنها يحكي بدايات تأسيس العمل الحزبي، ويعرض للكثير من المآثر، ومنها زيارة زعيم الحزب اليها وسيَر رفقاء شهداء ومناضلين.
بتاريخ 15/04/2015 عمّمت نبذة عن الرفيق سعد خيرالله، وفيها كنت أوردت أنه الرفيق الأول من أبناء بلدة «بحمدون» بناء لما كان أفضى به إليّ الرفيق الدكتور ميشال خيرالله.
في مؤلفه «سراديب النور» يفيد الأمين شوقي خيرالله في الصفحات 159-161 انه هو الذي أدخل الرفيق سعد خيرالله الى الحزب، وانّ رفقاء آخرين كانوا انتموا في بحمدون وبيروت.
ننقل أدناه ما جاء في تلك الصفحات آملين من رفقاء آخرين من بلدة بحمدون، من بينهم حضرة الأمين المحامي ميشال نعمة أن يكتبوا ما يُغني تاريخ الحضور القومي الاجتماعي في بحمدون، فننشر ما يردنا لمزيد من فائدة الاطلاع…
« سعد ضاهر موسى الياس بوفشخة خيرالله عضو في الحزب منذ 1944. أنا أدخلته في الحزب وقسّمته اليمين مع جوزف شكري متى وعفيف خليل الهبر، ثم من بعدهم دخّلنا حفيظ قبلان عبد النور، وكان قد دخل في بيروت جان بو عبلا ثابت. ثم أدخلنا جبرايل مشرق الحداد وجرجي نجيب حسان متى والياس يارد. ثم أقسم عزيز جبران مجاعص 1 الذي أصبح صهري زوج أختي ندى. ثم نمر الهاشم وفهد الهاشم من بطلون. ثم أدخلت جبرايل مشرق الحداد.
« هذا الرفّ من قوميي بحمدون هم الرفّ الثاني بعد الأول الذي كان دخل في الثلاثينات. أذكر منهم أولاً عزيز يوسف صخر ثابت 2 الذي هو أول منفذ عام في بيروت منذ الحقبة السرية حتى بعد انكشاف أمر الحزب. ودخل في أثره أخوه عبدالله صخر ثابت، وفاضل خليل متى، وفريد مراد متى وعادل جبرايل عبد النور وفيليب سعيد مجاعص. ولكن هذا الرف الأول الطليعي همد عمله ونشاطه منذ بداية الحرب العالمية الثانية.
« فلما دخلتُ أنا في أواخر 1942 كانت بحمدون خلواً من أيّ نشاط قومي فيما كانت تعجّ بالشيوعيين من الأرثوذكس في أغلبيتهم وقلة من الموارنة. الأولون كانوا انتموا بدافع عصبية ارثوذكسية للمسكوب والقياصرة وذكريات الحماية الروسية، والثانون اتباعاً للرفيق انطون ثابت الذي كان عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وهو ماروني المذهب.
« سعد ضاهر خير الله نموذج فذ في الأخلاق والتصرف والوفاء والصدق وغرابة الأطوار وطهارة الحياة. لا أعرف بحمدونياً واحداً أم غير بحمدوني يكره أو يبغض أو يمكنه أن يخدش سعد ضاهر خيرالله. قصصه في مديرية بحمدون وطريقة إيمانه وأساليب شروحه متعة للسمع والنظر معاً لأنه ممثل مسرحي شّيق وموهوب. وما كان من معنى ولا نكهة لمسرحية أم لحفلة أم لعلفة أم عرس أم عيد ليس سعد فيه مسرغساً مشبّراً مغنياً ما ليس يسمعه أحد أم خطيباً محباً ودوداً أخاً للجميع.
« سعد ضاهر عضو في الحزب منذ قبل عودة الزعيم العام 1947. وقد تعرّف سعد والمديرية جميعاً على الزعيم في بيتنا يوم أقام الحزب جناز الأربعين للرفيق جوزف شكري متى 3 وخطب الزعيم في الكنيسة ثم استراح في بيتنا. فسلّم عليه الناس وتقدّمت اليه المديرية فرداً فرداً كما سبق ووصفت في مذكراتي وحصل يومها ما حصل مع الرفيق جبرايل حداد. بعد خروجهم من الصالون الذي كان الزعيم فيه، تسلّم سعد والمديرية جبرايل مشرق الحداد وقطّعوا وقتاً كثيراً ومراراً كثيرة في تكرار ما حصل وكيف حدثت القصة. الأمين نواف حردان شاهد حصولها لأنه كان آنذاك أستاذاً في مدرسة بحمدون الرسمية وكان ينشط إذاعياً وإدارياً عبر المديرية.
« سعد يستأهل كراسة تامة أو فصلاً طويلاً وبخاصة معاشقه النظرية واطلاعه على الموسيقى الغربية واقتناءه لمكتبة مطالعة وسماع محترمة، وثم غزواته على الكروم والبساتين ليلاً نهاراً، وشمه شماً للعفارات الباقية. وينبغي أن نذكر أنه ابن بيت فلاحي زراعي شبعان وأنه صاحب يد خضراء في تطعيم كرم وعريشة وبستان، وأنه سيد من شال عرقاً في الخمارة. إنه واحد من زمرة خبراء نادري المثال مع لبيب صليبي وشفيق زيادة خير الله وأديب موسى خير الله ابن عم سعد وضاهر مراد متى و توفيق خليل جبور عبد النور وغيرهم. وصية سعد إذا مات قبلنا أن ندق له السمفونيا السابعة لبتهوفن وأن ندفنه على صداحها في الخسف، في رزقاته، وليس في مقابر البلدة. يقول: «الخسف أشرح تحت الزيتونات والنجاصات والتينات. اذا بتحبوني نزلوني لتحت!» المؤسف أنّ الخسف والمقبرة العامة وبيت سعد ومكتبته وكلّ بحمدون أصابها زلزال الفتنة الصهيونية وصارت قاعاً بلقعاً وأعجاز نخل خاوية. ولم يبق في الحيارة تين ولا زيتون ولا نجاص ولا شجرة برية.
« كان سعد قبل اندلاع الفتنة يشتغل في مؤسسة ميشال اندراوس للأكسسوار في بيروت وأصبح تاج المحلّ وقيدوم العمل والتنظيم الدقيق والإدارة الجيدة والناجحة برغم شبه أميّته. وكان يسكن شقة في عين الرمانة مع عيلته. فلما جنّ لبنان وحلّ الغضب هجر سعد عين الرمانة ولجأ الى مرقد عنزته بحمدون وساهم فيها بجميع ما يقي البلدة والجيرة من امتداد الفتنة. واحتلّ المحتلون بيته في عين الرمانة. فكان يصيبه حزن عميق بين حين وآخر وعبقات غضب. فحسبنا جميعاً أنّ ذلك من أثر الاحتقان العام المتفشي في لبنان وبسبب توقف الأعمال وصعوبة المعاش «مثلنا جميعاً» ولكنه مرة بقّ البحصة العصية فقال لي: احتلوا البيت في عين الرمانة!! فليحتلوه! وأخذوا الفرش؟ ياخذوه، بس! بدي من البيت شغلة وحيدة.
ما هي يا سعد؟ لعلي أتوسط حتى مع الكتائب والأحرار وحراس الأرز وكلّ الفئات الموجودين في عين الرمانة والشرقية؟!
قال: عندي البطاقة الحزبية موقعة بيد الزعيم وخطه. بدي ياها وليأخذوا كلّ شيء!
وجمتُ مكبراً محباً، وخائفاً من عجزي عن هذه الوساطة المستحيلة، فقلت له:
بل أظنهم إذا كانوا وجدوا البطاقة وعرفوا بالتوقيع لمن هو، فإما أحرقوها ونتفوها وإما استولى عليها مثقف منهم فاحتفظ بها. وأحسب إذاك أنهم مستعدّون لإعطائك جميع عفش البيت ما عدا البطاقة. وعسى ألا يكون جاهل قد وجدها وعرفها إذن لقد أحرقوا بيتك من الباب للمحراب. وحتى كتابة هذا الكتاب راح البيت في عين الرمانة ومعه العفش والنفش، ولم يبيّن أثر للبطاقة الحزبية. وصار سعد مهجراً في بيروت وضواحيها، وإذا ذكر البطاقة دمّع وهو في الخامسة والسبعين. وتحيا سورية.
هوامش
1 – عزيز مجاعص: تولى مسؤولية منفذ عام طرابلس، وقد أتيت على ذكره في اكثر من مناسبة. والد الرفيقة نداء عقيلة الأمين حافظ صايغ.
2 – عزيز ثابت: للإطلاع على ما نشرنا عنه، الدخول الى قسم «من تاريخنا» على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
3 – جوزف متى: نعمل على جمع معلومات عن الرفيق المذكور، الذي يرد اسمه: جوزف بحمدوني، في أمكنة اخرى.