استغلال الحرب وانهيار الدولة لتحقيق مكاسب على الأرض بدعم من السعودية وحلفائها
ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
ثالثاً: الموجة الرابعة
أ – أرضٌ خصبة للجهاديين
تبدو الموجة الرابعة من العنف الجهاديّ في اليمن في أوج قوتها بسبب التيارات الكامنة وراء إذكائها، بما في ذلك انهيار الدولة وتأجيج الطائفية. وبينما يحقق داعش مكاسب إقليمية وابتكارات إيديولوجية تهيمن على الموجة الرابعة من العنف الجهادي العالمي وتحديداً في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط.
ـ في اليمن، فقد اتخذت القاعدة في جزيرة العرب زمام المبادرة في التطوّر والتكيّف والتحوّل بسرعة الى بيئة حاضنة ما بعد عام 2011. وقد تمظهر توسعها هذا بقوة على مرحلتين: حدثت الأولى في أعقاب الانتفاضة الشعبية ضدّ الرئيس علي عبدالله صالح عام 2011، أما الثانية فقد تجلّت في سياق العملية الانتقالية السياسية الفاشلة والحرب التي أعقبت ذلك.
1. الانتفاضة
خلال الانتفاضة، تطوّرت القاعدة في جزيرة العرب من منظمة جهادية في المقام الأول، الى أخرى دولية تسعى الى تحقيق تمرّد عنصريّ كبير وضرب الجذور العميقة للمجتمع اليمني وبسط سيطرتها الإقليمية. وفي العام 2011، نشأت مجموعة أخرى موازية للقاعدة وتدعى أنصار الشريعة AAS ، بهدف توسيع جاذبيتها المحلية، والانفصال عن باقي المكوّنات المحلية للتميّز عنها في اسمها وصفاتها، وهو ما يرى إليه اليمنيون باعتباره أداةً للنظام سيئة السمعة، كثيرة الهجمات ضدّ المصالح الغربية، ومن المرجح أن ينتج عن ذلك ردود أفعال عسكرية، وخصوصاً من قبل الولايات المتحدة، ضدّ المجتعات الداعمة لها. كذلك، فإنّ هناك محاولات حثيثة لمعالجة هذه المسألة من خلال «الربط المزدوج» لتحقيق التوازن بين الأهداف العالمية المستهدفة للغرب وطرد الكفار من شبه الجزيرة العربية مع الحاجة الماسة لمعالجة المظالم المحلية، مثل الفساد وانعدام العدالة. أما في الممارسة العملية، فإنّ أنصار الشريعة، تمارس دورها باعتبارها الذراع المحليّ للمتمرّدين المحليين، فيما تتابع القاعدة في جزيرة العرب توجيه الضربات ضدّ المصالح الغربية.
وتحت شعار أنصار الشريعة، تمكنت القاعدة في جزيرة العرب من الاستيلاء على العديد من المدن، بما فيها عاصمة محافظة أبين الجنوبية وذلك في أيار عام 2011، وتحكّمت في هذه المناطق لأكثر من سنة. وتماشياً مع استراتيجية القاعدة العالمية، فقد تابعت على نحوٍ متزايد نهجاً تدريجياً بدأ بفرض قبولهم كواقع بين السكان المحليين، متطلّعين نحو الحصول على الدعم الناشط من خلال المدنيين المنضمّين للدفاع عن الأراضي التي تسيطر عليها القاعدة هناك. وهذا الدعم المحلي المترافق مع السيطرة الإقليمية، أدّى الى خلق إمارات متعدّدة، يُفترض أن تؤدّي في نهاية المطاف الى إنشاء الخلافة التي ستشكل لاحقاً البؤرة الرئيسية لشنّ الهجمات من قبل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، خارج حدود اليمن.
عانى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في بداياته من نكسات متلاحقة في ظلّ حكم عبد ربه منصور هادي، الرئيس الانتقالي في اليمن، الذي استولى على الرئاسة من صالح كجزءٍ من الصفقة السياسية المعروفة باسم مبادرة مجلس للتعاون الخليجي GCC في شباط 2012. وفي أيار من العام نفسه، حصل مزجٌ بين خدمات الأمن اليمني وبين الميليشيات المحلية، المعروفة باسم اللجان الشعبية، التي أطاحت بتنظيم القاعدة في محافظة أبين، منهيةً بذلك أول تجربة لها مع الحكم. وإبان معاناتها مع الهزيمة، تحوّلت استراتيجيتها الى شنّ هجمات غير متكافئة، أصبحت أكثر وأوسع نطاقاً مما كان عليه قبل عام 2011. وكان الرئيس المؤقت قد قدّم أيضاً تفويضاً مطلقاً للولايات المتحدة لمتابعة حملة الطائرات بدون طيار ضدّ الجهاديين. ومع ذلك، فإنّ التحركات العسكرية ضدّ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، أثبتت عدم كفاءتها وعجزها عن إطلاق الفرص السيساية الجديدة في البلاد.
2. الانتقال المتعثّر
بحلول العام 2014، رزحت اليمن تحت حكم انتقاليّ سياسيّ، سعى حثيثاً في وجه محاربة الفساد والتناحر السياسيّ. شكّل مؤتمر الحوار الوطني حجر الزاوية في مجال إطلاق مشروع الإصلاح الدستوري، كما فشل في حلّ القضايا المحورية، بما في ذلك بنية الدولة في المستقبل. وفي هذه البيئة، أصبح الحوثيون هم الفائزون الأوائل، وهي حركة شيعية ميليشيوية، قاتلت في جولات ست، أيام حكم صالح وصراعه مع التنظيمات الجهادية في جزيرة العرب 2004 2010 . وقد قدّموا أنفسهم على أنهم غرباء عن السياسة، معارضين لمبادرة دول مجلس التعاون الخليجي، الذي أصرّ على تقسيم السلطة بين الأحزاب السياسية المتناحرة.
وعلى مدار الفترة الانتقالية، تمكّن الحوثيون من قلب موازين القوى العسكرية، وذلك من خلال تمكنهم من السيطرة على المناطق الشمالية الإسلامية والقبلية المعارضة للحكم السنّي، بما فيها تلك المتحالفة مع المقاتلين السلفيين، أعضاء التجمّع اليمني للإصلاح، المنحازة لقوات محسن علي العسكرية، وعشيرة آل الأحمر العسكرية لا تمتّ بصلة لعلي محسن الأحمر ، من اتحاد قبائل حاشد، وذلك في سلسلة من المعارك العنيفة بين عامي 2013 و 2014. كما عمدوا إلى تزوير التحالفات مع الأعداء السابقين، صالح ومؤيدي حزب المؤتمر الشعبي، الذين شعروا بالتهميش بسبب تحوّل دول مجلس التعاون الخليجي، وسعوا الى الانتقام من تحالف محسن / الأحمر / التجمّع اليمني للإصلاح الذين انضمّوا الى الانتفاضة الشعبية عام 2011.
وبدعم من حزب المؤتمر الشعبي العام، نجح الحوثيون في السيطرة على صنعاء، في أيلول 2014. وفي شباط 2015، وبسبب الخلاف حول الدستور قاموا بالإطاحة بحكومة هادي. وبعد مرور شهر واحد فقط على هذه الحوادث، وبسبب الانزعاج من التطورات العسكرية للحوثيين، التي تُنسب الى التدخل الإيراني، قامت المملكة العربية السعودية، متحالفةً مع الإمارات العربية المتحدة، ومدعومةً من الولايات المتحدة الأميركية، المملكة المتحدة وفرنسا، بإطلاق حملة عسكرية برية وبحرية وجوية ضدّ تحالف الحوثي / صالح، بهدف استعادة حكومة هادي.
وبينما غرقت اليمن في لجّة الحرب، ازدهرت بيارق تنظيمي القاعدة وداعش هناك. أعلن تنظيم القاعدة الحرب على الحوثيين أوائل العام 2011، غير أنها نادراً ما أثبتت صحة مقولاتها الخطابية، ولم تنفذ سوى عدد قليل من الهجمات. تغيّر كلّ ذلك في العام 2014، حين اقتحمت قوات الحوثيين معمل صعدة. وفي منتصف كانون الأول 2014، ادّعى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مسؤوليته عن 149 هجوماً ضدّ الحوثيين في 14 ممحافظة في أقلّ من تسعين يوماً. أما البيضا، وهي محافظة تقع على مفترق طرق بين الشمال والجنوب حيث حدود المقاطعات الثماني، فقد كانت نقطة ارتكاز لهذه الاعتداءات المتكرّرة، حيث اضطرّ الحوثيون الى الانتقال إلى منطقة أخرى تحت ذريعة محاربة داعش، أو الدولة الإسلامية في العراق والشام. وهو مصطلح فضفاض لطالما استخدمه الحوثيون لتوصيف مكوّنات المجموعات الواسعة والمتعدّدة لخصومهم.
وفي الوقت عينه، استغلّ كلّ من داعش والقاعدة ازدياد وتيرة العنف الصراعات الطائفية. وبدأ ذلك في 20 آذار 2015 من خلال تنفيذ أربع هجمات انتحارية منسقة ضدّ المساجد التي يرتادها الحوثيون في صنعاء، وذلك بعد يوم من القتال العنيف الذي اندلع بين الموالين لصالح ومقاتلي الانحياز هادي في عدن. تفجيراتٌ عنيفة برّرت سعي الحوثيين للسيطرة على عدن باعتبارها معركة لازمة ضدّ تزايد الفراغ الأمني الذي خلقه القتال المتنامي بين الطرفين.
وبعد مضيّ أسبوع واحد على بدء الهجوم الجوّي للتحالف السعودي ضدّ قوات الحوثي / صالح، انتقلت القاعدة مرة أخرى إلى السيطرة على أرض أخرى، في المقاطعة الشرقية هذه المرة، أيّ حضرموت. قامت بالسيطرة على عاصمة المحافظة المكلاّ دون أيّ مقاومة تذكر وسيطرت على مساحات شاسعة من الأراضي في المناطق الساحلية. وهناك، تمكّنت من عرض مهارات الحكم، عبر تطبيق الدروس المستفادة من تجاربها السابقة في أبين. بقيت القاعدة في المكلاّ لأكثر من سنة، فيما كانت قوات التحالف تقاتل قوات الحوثي / صالح فوق الأراضي اليمنية بدون استثناء.
وبعد مضيّ ما يقرب من عامين على القتال، انغمست كلّ من القاعدة AQAP وأنصار الشريعة AAS في معارك دموية ضدّ كتلة الحوثي / صالح، وذلك على جبهات متفرقة، شملت محافظات البيضا، الشبوة، مأرب وتعز. أرقامٌ من الصعب تقييمها، وقد تضخمت لتصل الى ما يقرب من 4000 قتيل بحلول العام 2015، وذلك وفقاً لتقديرات وزارة الخارجية الأميركية. وبموازاة ذلك، تنامت قدرتها بشكل واسع. فقد أصبحت تستحوذ على مجموعة كبيرة من الأسلحة الجديدة، بما فيها الأسلحة الثقيلة من المخيمات العسكرية اليمنية التي تموّلها وتغذيها القوات السعودية وحلفائها، والتي ورّدت أيضاً بعضاً من هذه الأسلحة الى مقاتلي الحوثيين. وفيما أُجبرت القاعدة على الانسحاب من المكلاّ بسبب الحملة العسكرية التي قادتها الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية في نيسان 2016، بقيت بعيدة من متناول الهزيمة، وقامت بدلاً من ذلك بالانتقال الى المحافظات المجاورة والمختلطة التي يعيش فيها السكان المحليين. واستمرّت بممارسة هذا العنف مرةً تلو الأخرى ضدّ مناطق في أبين وشبوة المجاورة.
لم تتمكن داعش من السيطرة على الأراضي، وبعض البقايا الصغيرة. ومع ذلك، فقد وجدت أرضاً خصبة لها في بعض المدن مثل عدن، التي عانت كثيراً من الصراعات الطائفية العنيفة في أعقاب استيلاء الحوثيين على المنطقة. لم تتمكن داعش من المحافظة على الأراضي، باستثناء القليل منها. ومع ذلك، فقد كانت النتيجة أنّ داعش استفادت من الهجمات القتالية بين الحوثي وقوات هادي وحلفائه في الجنوب.