الجيش السوري إلى منبج برعاية روسيّة وقبول تركي ولا ممانعة أميركيّة؟ جنيف يرسم معادلة الحلّ السياسي بالحرب على النصرة وحكومة انتخابات
كتب المحرّر السياسي
تلقّت جماعة الرياض صفعة رابعة في الجولة الرابعة من محادثات جنيف، فبعد تحميلها مسؤولية الفشل في تشكيل وفد موحّد للمعارضة، وفشلها في إصدار إدانة واضحة لتفجيرات حمص الإرهابية وبالتالي إفشال فرص التفاوض المباشر، خرجت خلاصة مفاوضات أسبوع كامل بعنوان سياسيّ لا مكان فيه لنظرية الانتقال السياسي وهيئة الحكم الانتقالي والبحث السياسي محصور وفقاً لجدول الأعمال الذي أعلنه المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا بماهية الحكم المتعدّد والمدنيّ وحمايته لمبادئ وحدة سورية وسيادتها، والبحث بدستور جديد ووصولاً لمغزى العملية السياسية القائم على التحضير لانتخابات ترسم مستقبل سورية بأصوات السوريين، ما يجعل العملية السياسية متمحورة على تشكيل حكومة انتخابات. أما الصفعة الرابعة فقد تمثلت بإلزام وفد الرياض ببند مكافحة الإرهاب الذي حاول الوفد المماطلة والتهرّب لأيام للتملّص من إضافته، وما فيه وفقاً لنص دي ميستورا من حصرية لا تترك مجالاً لمناورات وفد الرياض. فالإرهاب محدد بجبهة النصرة وتنظيم داعش ومن يقاتل معهما، وليس من ترغب السعودية بإضافته على لسان جماعة الرياض.
كان المخرج الذي حصلت عليه جماعة الرياض شكلياً جداً وتمثل بالدمج بين مساري أستانة وجنيف في جلسة مقبلة في الثالث والعشرين من الشهر الحالي، فرضته التطورات وفرضت معه توازي البحث بالسلال الأربع بعد إضافة الإرهاب كسلة رابعة، وهذه هي رؤية الدولة السورية منذ بداية المحادثات. وهو ما كانت جماعة الرياض تُصرّ على رفضه، وهو دمج جاء بقوة التطورات التي شهدها الميدان السوري، على جبهتي الشمال الشرقي وتدمر، حيث صار الجيش السوري القوة المحورية التي تتقدّم على محاور تجعله على أبواب الرقة، خصوصاً مع تحسين مواقع الجيش في دير الزور وتبلور مثلث القوة المحيط بالرقة، بين تدمر وتادف ودير الزور، بينما فشل الأتراك في توظيف دخول مدينة الباب للتقدم نحو الرقة لاصطدامهم بالعقبة الكردية وإصرارهم على تخطيها بالقوة، خلافاً للمواقف الروسية والأميركية خصوصاً، ما فتح المجال مع تقدّم الجيش السوري في شمال شرق سورية وصولاً إلى التماس مع خطوط الانتشار للمجموعات الكردية، فرض حلاً أعلنته وزارة الدفاع الروسية، يقوم على انتشار الجيش السوري في المناطق الكردية غرب الفرات خصوصاً في منبج، والتزام الأتراك وميليشياتهم بمندرجات أستانة التي تضمن عدم التصادم مع الجيش السوري. وبدا من الكلام الذي أعلنه مدير العمليات في رئاسة الأركان الروسية سيرغي ردسكوي، أنه حلّ يحظى بقبول تركي وعدم ممانعة أميركية انطلاقاً من قرب مناطق الانتشار الأميركية من النقاط التي سينتشر فيها الجيش السوري وفقاً للحل المعلن، ما فتح الباب على تطورات كبرى وأسئلة تتصل بمدى اختيار الروس والأميركيين الذهاب إلى إنجاز اتفاقات صامتة تفادياً للحملات الداخلية الأميركية على الإدارة الحالية، وجعل هذه التفاهمات تلقى حضورها في الميدان بدلاً من تسويقها الإعلامي أولاً؟
لبنانياً، تسير الحكومة والأطراف السياسية على قاعدة ترك المؤجل لموعده فيما يخصّ قانون الانتخاب والتعامل معه في الكواليس، والانشغال بالراهن والراهن هو الموازنة وبعدها التعيينات الأمنية. وفي الموازنة تقدم يسمح ببلوغها المجلس النيابي بالتزامن مع موعد جلسة اللجان المشتركة للبحث في سلسلة الرتب والرواتب التي ستقرّ موازنتها وتترك تفاصيلها للجلسات النيابية، بينما البنود الضرائبية تبدو قد أنجزت ومعها إجمالي الإنفاق ليتركز البحث على موازنات الوزارات المفصلة، بعدما جرى تخطي العقدة القواتية بوضع حل خصخصة الكهرباء ضمن الموازنة وما رتبه من سجال بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.
الموازنة إلى المجلس النيابي
أرجأ مجلس الوزراء إقرار الموازنة الى يوم الثلاثاء المقبل في جلسة ستكون حاسمة، كما رجحت مصادر وزارية لـ»البناء» لبتّ الإيرادات الضريبية والنفقات.
وفي جلسة عقدها المجلس أمس، في السراي الحكومي برئاسة الرئيس سعد الحريري، أقرّ خلالها غالبية البنود الضريبية التي كانت عالقة، أشار مصدر وزاري لـ«البناء» الى أن «الجلسة كانت منتجة وإيجابية مع توافق سريع بين الوزراء على بنود الموازنة التي تسلك طريقها بسلاسة وسهولة باستثناء بعض المواد التي تحتاج الى صياغة على أن يتمّ البحث في جلسة الثلاثاء المقبل بموازنة الوزارات، لأن بعض الوزراء لديهم اقتراحات حيالها وبعدها ستقرّ الموازنة وتحال الى المجلس النيابي».
ولم يتم التطرق الى موضوع خصخصة الكهرباء الذي طرحه وزراء «القوات اللبنانية»، ولم ترد ضمن جدول أعمال الجلسة، ولن تحصل أي خلافات أو سجالات حول هذا الموضوع، لأنه منفصل عن الموازنة على أن يتم التطرق اليه في جلسات لاحقة.
..والسلسلة إلى اللجان المشتركة
أما كلفة سلسلة الرتب والرواتب البالغة 1200 مليار ليرة، فستضم الى مشروع الموازنة، أما إقرارها مع جداولها والأسلاك والإصلاحات الملازمة لها، سيستكمل بحثها في جلسة اللجان المشتركة في المجلس النيابي الاثنين المقبل، لكن مصادر وزارية أوضحت لـ«البناء» أن «مجلس الوزراء سيُفرد المبلغ اللازم في احتياط الموازنة لتغطية السلسلة وستحال إلى المجلس النيابي لدرسها وبعد إقرارها ستصرف الحكومة المبلغ المرصود الذي يتجاوز مبلغ 1200 مليار».
سلّة التعيينات قيد الدرس
وبشأن التعيينات الأمنية والعسكرية علمت «البناء» أن «سلة التعيينات لم تنضج بعد، وهي قيد الدرس وسيتمّ إقرارها الأسبوع المقبل في حال تم التوافق حول المواقع، ولن تواجه الحكومة عقبات حولها». ورجّحت مصادر وزارية أخرى أن «تبتّ التعيينات الأمنية بجلسة الأربعاء في قيادة الجيش وقوى الأمن الداخلي وجهاز أمن الدولة، بينما لم يُدرج بند التعيين في جهاز التفتيش القضائي على جدول الأعمال، وكذلك في المديرية العامة للأمن العام، حيث لم تنته ولاية المدير الحالي اللواء عباس إبراهيم».
وإذ أوضح وزير الدفاع يعقوب الصراف، قبيل الجلسة أنه «لم يوضع بعد جدول الأعمال للأربعاء لنعرف ما إذا كان هناك من تعيينات عسكرية أم لا، وأننا نحضر لهذه التعيينات منذ أسابيع»، بات من المحسوم تعيين العميد جوزيف عون قائداً للجيش مكان العماد جان قهوجي والعميد عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي مكان اللواء ابراهيم بصبوص على أن يبقى اللواء إبراهيم في منصبه بعد انتهاء مدة خدمته في السلك العسكري ويقدّم استقالته ويتمّ تعيينه في مجلس الوزراء مديراً عاماً للأمن العام.
.. والقانون إلى الحكومة
وعلى صعيد قانون الانتخاب، سيتمّ تخصيص جلسات متعاقبة في الاسابيع المقبلة لبحث قانون الانتخاب وكل الصيغ المتداولة والتي طرحت في السابق وسيكون نقاش مفتوح ومفصل وحاسم حتى التوصل الى قانون جديد هو من أولويات الحكومة، كما أدرجت في بيانها الوزاري، لكن مصادر وزارية محسوبة على رئيس الجمهورية لفتت لـ«البناء» إلى أن «قانون الانتخاب يناقش بين الكتل السياسية وعندما يحصل اتفاق يعرض على مجلس الوزراء لإقراره وحتى الساعة لا قرار بنقله الى الحكومة».
وأكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن «المرحلة الراهنة هي مرحلة الإنجازات الكبيرة التي ستبدأ، لأنه من غير المعقول أن تستمرّ الدولة في الوضع الذي كانت عليه، بل ستنطلق بنهج جديد».
وقال: «لقد كنّا في حقبة وأصبحنا في أخرى ستكون ديناميكية ومتحركة وزاخرة بالأفكار والتصميم والعمل».
«المستقبل» يسوّق للفراغ وحزب الله يرفض
لم ينسحب المناخ التوافقي الذي ساد جلسة الحكومة أمس، على المفاوضات في اللقاءات الثنائية والثلاثية حول قانون الانتخاب التي لم تشهد أي تقدم جديد ولم تظهر معطيات توحي بولادة قريبة لصيغة توافقية قبل مهلة 21 آذار المقبل بعد تجاوز المهلة الدستورية الأولى في 21 شباط الماضي.
واستبعدت مصادر تيار المستقبل لـ«البناء» التوصل الى اتفاق في القريب العاجل، مؤكدة أن «لا مؤشرات حتى الآن توحي باقتراب التوافق»، وعلمت «البناء» أن «تيار المستقبل يسوّق لفرضية الفراغ النيابي الذي قد يكون الخيار الأفضل بالنسبة لديه مقارنة بخيارات السير بالنسبية الكاملة أو طروحات رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ويعتبر المستقبل أن حزب الله كما وقف مع العماد ميشال عون في مسألة رئاسة الجمهورية حتى النهاية، سيقف معه في تفضيل الفراغ النيابي على التمديد للمجلس الحالي أو انتخابات على الستين، وبذلك يضمن المستقبل تأجيل الانتخابات كحد أدنى ثلاثة أشهر ليتسنى له التحضير للانتخابات في أيلول المقبل»، لكن حزب الله وفق مصادر مطلعة جزمت بأنه لا يحبذ الفراغ في الرئاسة الثانية، مهما كانت الظروف، مؤكدة لـ«البناء» أنه «لن يقبل التمديد للمجلس الحالي أيضاً ولو ليوم واحد إلا في حالة واحدة هي إقرار قانون جديد وإجراء تمديد تقني ثلاثة أشهر لتدريب المواطنين والأجهزة الإدارية عليه»، وجددت المصادر «تمسك حزب الله بالنسبية الكاملة، حيث يحاول الحزب من خلال اللقاءات التي تجري إقناع القوى الأخرى السير به».