فضائح ترامب: روسيا – غيت تنتقم للمكارثية

خليل إسماعيل رمَّال

منذ تنصيب رئيس تلفزيون الواقع في أميركا، لم يتوقف سيل المفاجاَت والفضائح في البيت الأبيض والتي تكاد تكون يومية.

الفضيحة الجديدة بطلها هذه المرَّة جيف ساشينز، وزير عدل دونالد ترامب الذي تمّ تثبيته في منصبه الجديد رغم معارضة شرسة من الديمقراطيين بسبب سجله العنصري في الجنوب الأميركي ضدّ السود. وعلى ما يبدو قد يلاقي ساشينز، نفس مصير الجنرال مايكل فلين الذي أُطيح به بسبب اتصاله مع السفير الروسي وإبلاغه إياه بالعقوبات ضدّ بلاده وإخفاء ذلك عن نائب الرئيس مايك بينس. لكن علقة ساشينز ستكون أكثر سخونة هذه المرَّة لأنه في جلسة الاستجواب التي خضع لها في مجلس الشيوخ من أجل الموافقة عليه وزيراً للعدل، نفى تحت القسم أن يكون على علمٍ باتصال أيّ عضو في فريق ترامب خلال الانتخابات وبعدها مع الروس، كما لم يُفصح عن اجتماعه هو مرَّتين مع السفير الروسي. وإذا عرفنا أنَّ ساشينز يملك سلطة عليا على وكالة المباحث الجنائية «أف بي آي» وكلّ المدّعين العامين في البلاد يتبيّن لنا عمق هذه الأزمة الجديدة! ولن ينفع وزير العدل إعفاءه لنفسه من التدخُّل في التحقيقات التي قد تقوم بها وزارته والأجهزة الأمنية التابعة لها حول «روسيا غيت»، لأنه سيبقى على رأس السلطة العدلية ولن ينعدم نفوذه أبداً والمقبل من الأيام سيشهد صراعات بينه من جهة وبين الديمقراطيين الذين لن يقبلوا بأقلّ من استقالته من منصبه لأنه في أول أسبوع من تسلّمه لمهامه خرق مبادئ الثقة والاستقامة والصدق التي يجب أنْ يتحلى بها المنفِّذ الأول للقانون في البلاد.

مشكلة ترامب أنَّه رغم حذقه التجاري إلا أنَّه لا يعرف أن ينتقي الأشخاص المناسبين في المواقع المناسبة!

وهكذا بعد أكثر من نصف قرن من «المكارثية» في أميركا، تحققت نبوءة السناتور جون مكارثي الذي أرعب أميركا من خلال سلطة لجنته الحكومية المطلقة التي أناط بها كشفَ النشاطات «غير الأميركية» أو الشيوعية في بداية الحرب الباردة ومحاكمتها. لكن اليوم هناك حرباً ناعمة من نوع آخر تشنّها روسيا غير الشيوعيَّة، على الولايات المتَّحدة من خلال التجسُّس والهاكرز وربَّما أكثر من ذلك، لأنّ الظاهر أنَّ ما خفي هو أعظم كما أوضحنا في مقالة سابقة بعد سقوط فلين.

المفارقة أنَّ مشكلة ساشينز طغت على خطاب ترامب أمام الكونغرس والذي كاد يكون طبيعياً بل إيجابياً يُحسَب له حيث توقف المراقبون عند لهجته المعتدلة حول التعاون مع المشرِّعين من الحزبين لحلّ أزمة البلد بالرغم من تطعيم خطابه بالسموم الكلامية المعهودة حول المهاجرين. لكن اللافت في الخطاب تركيزه على المنحى الداخلي وعدم تطرقه إلى السياسة الخارجية والتبخير الإجباري لـ»إسرائيل» كما يفعل كلّ الرؤساء عادةً كما أنَّ امتعاضه من صرف 6 تريليون دولار على «الشرق الأوسط» بدل إنفاقها على تجديد وبناء أميركا، بحدّ ذاته أمرٌ جيد لأنه بقدر ما يهتمّ البيت الأبيض بالبيت الداخلي ويستهجن هدر الأموال من خلال المعونات الخارجية بقدر ما يضرّ هذا بمصلحة «إسرائيل» التي تعتاش على المساعدات الأميركية. وكما قلنا سابقاً هذا الرئيس هو أولاً وآخراً رجل أعمال يفكِّر بميزان الربح والخسارة ولا بدّ أن يكتشف كم تكلف تل أبيب الولايات المتَّحدة مالياً وسياسياً.

قد يكون ما تقدّم تفاؤلاً مفرطاً أو نوعاً من التمني، والأيام فقط ستثبِت مدى صحته أو بطلانه ولكن ما شهدناه حتَّى اليوم هو تراجع ترامب عن وعده بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس المحتلَّة. ومن الآن وحتى ذلك الحين، يستمتع العالم بمشاهدة الفيلم الأميركي الطويل الذي يُعرَض يومياً على الإعلام والسوشيال ميديا!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى