أربعة وزراء سابقون يلتقون في «دار الندوة» حول الأدب… والكتاب خامسهم «اِقرأ يا نائل» لفوزي صلّوخ… سيرة كاتب وبلدة ووطن
بحضور حشد كبير من الشخصيات السياسية والدبلوماسية والثقافية والاجتماعية، يتقدّمهم رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، وممثلان عن قائد الجيش ومدير عام قوى الأمن الداخلي، ومنسق عام تجمّع اللجان معن بشور، وممثلون عن سفارات عربية، وحشد كبير من أعضاء منتدى سفراء لبنان وأعضاء مجلس إدارة «دار الندوة»، وأمين عام اتحاد المحامين العرب السابق المحامي عمر زين، نُظّمت في «دار الندوة» ـ الحمرا، ندوة لمناقشة كتاب «اِقرأ يا نائل»، لكاتبه وزير الخارجية السابق فوزي صلّوخ، تحدّث فيها الوزراء السابقون بشارة مرهج رئيس مجلس إدارة الدار ، الدكتور بهيج طبارة، وغازي العريضي وصلّوخ.
مرهج: إتقان الردّ
افتتح مرهج الندوة، وألقى كلمةً جاء فيها: «أقرأ يا نائل»، كتاب رائع خطّ كلماته يراع الصديق فوزي صلّوخ، الدبلوماسي البارز والوطنيّ الصميم والوزير الملتزم الذي أجاد تقديم الأطروحة السياسية، وأتقن الردّ على كل من أراد النيل من لبنان وسيادته ومقاومته.
والكتاب الذي بين أيدينا قصة طريفة وعميقة فيها الاستعادة، وفيها الرسالة، ومعهما العبرة. والاستعادة في تأريخها الواقعي، وسرديتها الجملية تكشف لنا عن تحولات «القماطية» البلدة اللبنانية الوادعة ـ من أعمال جبل لبنان ـ التي تزيّن قضاء عاليه، وتتكامل مع محيطها تراثاً وتقاليدَ وحضوراً.
وتتداخل هذه القصة مع التطورات التاريخية التي عاشها لبنان منذ مطلع القرن العشرين وتدخل في عمق العلاقات بين اللبنانيين، جماعات وأفراداً، وترسم بالكلمات تلك الوجوه الرحبة الناهضة إلى التواصل والوحدة والألفة، فيقرأ نائل في ذكرياتها ما لذّ وطاب من حكايات السماحة والتآخي والجسارة، إلى هبات القرى وحنين الكبار وروعة الصداقة، ويتعرّف من أحاديثها إلى المدارس العريقة التي تألقت بأساتذتها ومدرائها في روابي بمكّين وسوق الغرب وعاليه وعبيه ودير الشير، فيدرك أهمية تلك المدارس ودور روّادها في تكوين المجتمعات وتقدّمها، فيفهم نائل كيف كان الناس ينتسبون إلى المدارس ويتحزّبون لفكرة العلم والانجاز قبل غزوة المليشيات التي سجنت الحقائق في عصبياتها الضيقة.
ويطّلع نائل في الكتاب على العلاقات بين الطوائف تراعي الجيرة والحرمات والكرامات، ويرى العائلات تشد أزر بعضها. فإذا به يلتقي بطيف المطران كبوجي يشارك مع الآباء في دير الشير أهل «القماطية» أفراحهم وأتراحهم فيبادلونه التحية بأحسن منها. ثم يأخذه جدّه إلى عاليه يوم احتفت الحكومة اللبنانية بالوفود العربية القادمة للمشاركة في الدورة العادية لجامعة الدول العربية عام 1947، فإذا الحديث ينصبّ على فلسطين وما تعيشه من أخطار. وإذا بالشاعر علي الحاج يعتلي المنبر داعياً، بالزجل وحبّات العيون، إلى نصرة جوهرة العرب قبل أن يطبق عليها الوافدون من كل صقع.
ويقلّب نائل الصفحات فتهمس السطور إليه بالتواصل مع الجذور والتمسك بالتراث وعطاءات الأجداد لتبقى الأصالة في الحياة اللبنانية الحديثة، ويبقى لبنان منارة للعلم والثقافة والحرية في منطقة تنصب عليها حمم الاستعمار وتستشري في أوصالها عصبيات قاتلة.
طبّارة: التعلّم من الأخطاء
وكان طبّارة أول المداخلين، فقال: القماطية، هذه البلدة الوديعة المتكئة على سفح جبل بين عاليه وسوق الغرب، أي مسقط رأس فوزي صلّوخ، حيث حبا وترعرع، ونشأ وشبّ، في محور الكتاب الذي بين أيدينا.
معها تعيش حياة القرية اللبنانية الهانئة، المضيافة، المحبة، ومنها تطلّ على تقاليد لبنان وتراثه، على تاريخه الحديث، وعلى الأحداث التي مرّ بها الوطن، أو مرّت به فتركت أثار بصماتها على عقلية أبنائه وقواعد العيش المشترك. وقد شاء المؤلّف استعراض كل ذلك على شكل رسالة بأسلوب سهل وشيق موجهة إلى حفيده نائل، ومن خلاله إلى أبناء جيله كدعوة للتعلق بالجذور، كما بالتراث اللبناني المجيد، وبالأصالة اللبنانية التليدة.
وأضاف طبّارة: يروي الكتاب كيف أن أهالي القماطية من مسلمين ومسيحيين كانوا يذهبون إلى دير الشير لتقديم التهاني إلى رئيس الدير والرهبان في جميع المناسبات، وكان الراهب يمر بمناسبة عيد الغطاس على منزل آل صلّوخ ويرشّ الماء المصلّى عليه من أجل المباركة.
كما يذكر بحزن ما أصاب المنطقة من تغيير وتبديل فزالت، أو تكاد، الصورة الجميلة ذات الألوان المتنوعة، المتقاربة خلقاً وخلقاً ومحبّة، ليحلّ مكانها اللون الواحد، الباهت الحزين الذي لا تتقبله نفس مطمئنة ولا عقل راجح.
ثم استعرض الوزير طبّارة المراحل التي مرت بها بلدة القماطية من تأليف حكومة عام 1941 إلى الحرب العالمية الثانية إلى معركة الاستقلال عام 1943 وعلى العهود الرئاسية التي تعاقبت على لبنان من عهد الشيخ بشارة الخوري في مرحلة تثبيت دعائم الاستقلال على أساس الميثاق الوطني، ثم ينتقل إلى مرحلة تجديد الولاية بعد انتخابات نيابية مزوّرة، هذه المرحلة التي يصفها المؤلف بالصعود نحو الهاوية، والتي انتهت باستقالة الرئيس تحت ضغط معارضة الشارع…
وختم طبّارة كلامه بالقول إلى نائل: كل ما أرجوه أن تتعلّم من أخطائنا، فتتجنّبها، للحفاظ على بلد يكون فيه الولاء مباشرة إلى الوطن، لا أن يأتي في المرتبة بعد الولاء إلى الطائفة أو المذهب. بلداً يعتبر أن صيغة العيش المشترك والاعتدال والتسامح واحترام الرأي الآخر هي التي تضفي عليه أصالته وفرادته سيداً حرّاً مستقلاً ينعم بالرفاهية والازدهار والسلم والأمن والامان.
العريضي: الانتماء
من ناحيته، قال العريضي: إنّ الأسلوب الذي اعتمده الوزير فوزي صلّوخ بأن يخاطب حفيده وأن يخصّصه بعنوان هذا الكتاب، ومن خلاله أن يطلّ على تاريخ وحاضر ويضع بين أيدينا هذه الوثيقة للمستقبل، لذلك هو رواية مهمة جداً ووصية في الوقت ذاته.
وأضاف العريضي: العنوان القماطية، والقماطية جارة بيصور، لي جزء من عمري في ملاعب القماطية وعلى أرض القماطية مع أخوان في الندوة التي جاء على ذكرها القديم في البلدة في الحزب التقدمي الاشتراكي وشخصيات وطنية كان لها دورها في تعزيز روابط بين أبناء المنطقة الواحدة في كل المراحل وكل الظروف التي مررنا بها ومر بها الجبل ومرت بها هذه المنطقة بمراحل صعبة وسوداء مرت فيها القماطية والجوار ساهمت كثيراً في تجاوز كلّ المآسي والأحداث وقد عادت الامور إلى طبيعتها الآن.
القماطية مميزة بأهلها وبموقعها، الاهل الذين جاء ذكرهم الوزير صلوخ في كثير من المحطات الوطنية بكل ما للمعنى من كلمة التي لم تكن تتعلق بقضية لها ارتباط فقط بمنطقتنا أبناء القماطية كما ذكر في الكتاب ساهموا وشاركوا رجالاً ونساء، لي ملاحظتان عن النساء لأصل إلى الواقع الذي نعيشه الآن.
الرجال والنساء من القماطية شاركوا في مناسبات كبيرة كان لها الأثر الهام جداً في حفظ سيادة البلد وكرامة البلد، وعزّة البلد بشكل عام بشراكة مع ابناء مناطق لبنانية أخرى وبشكل خاص على أرض العاصمة بيروت التي تحتضن كل أبناء لبنان.
وتابع العريضي: في الكتاب تلازم بين قناعات فوزي صلّوخ، انتماء فوزي صلّوخ، انتماء القماطية إلى لبنان، وانتماء لبنان إلى المنطقة. ولذلك هناك سرد طويل عن هذا التلازم وعن هذا الانتماء عندما خصّص فصولاً للحديث عن المنطقة والصراع على هذه المنطقة. وهذه المسألة مهمة جدا لأنّني من المقتنعين بتجربة متواضعة بأن لبنان يقرأ من الخارج ومن لبنان يستطيع الانسان ان يقرأ كل الخارج. نظراً إلى خصوصية هذا الواقع اللبناني وهذه الفرادة التي يتمتع بها موقع هذا البلد. واستخدم تعبيراً جميلاً عندما قال «لعنة الجغرافيا» بمعنى موقع البلد والصراع على البلد. لذلك، إنّ البُعد الوطني في كلام فوزي صلّوخ وفكره، في قراءة مسار الاحداث على المستوى الوطني هو ما نحتاج اليه وما نفتقده. ويوم اهتز هذا الانتماء القومي وهذا الشعور القومي وهذا الفكر القومي ذهبنا إلى فئويات وطائفيات هذه هي نتائجها أمامنا اليوم على مستوى كل المنطقة التي تدمر بالكامل ولا يستفيد منها الا العدوّ «الإسرائيلي» من دون ان يدفع أي ثمن، وفي ذلك استشهادات كثيرة على الصراع مع «إسرائيل» في منطقتنا وفي وطننا.
صلّوخ: نصاعة الغد
وفي الختام، تحدّث صاحب كتاب «اقرأ يا نائل» المحتفى به، فقال: «اقرأ يا نائل»! ليس محض قراءة في سفرٍ يختصر رحلة حياة، بل هو وضع تجرّبه النفس بكيانية اللذات، موضع العبرة والاستعبار، لتتشكل منها نقاط العمر فتكون جوهرة المتاع في نهايات الجهاد، يقلّبها حفيدي، مستحضراً حيناً، ومعتبراً منها رغم تقلّب وجوهها في كل الاحيان، فينأى عن مزالقها ويتمسك بعرى شواهد صوابها، وما لدي إلا زهرتها من حديقة دارنا وخلائق وجودنا، نرجو لهم نصاعة الغد وسلامة المسير.
وأشاد صلّوخ بمواقف الوزيرين بهيج طبارة وغازي العريضي على مواقفهما وثباتهما على مبادئهما وعن رئيس مجلس إدارة «دار الندوة» الوزير السابق بشارة مرهج وقال: «الوزير بشارة مرهج، هو رجل الحركة الثقافية السياسية الدائمة، انه متواضع النفس، كله أخلاق، لطيف الروح، طيّب المعشر، أنيس المجلس. لا يباهي بمنصب أو جاه، ولكن يحق له أن يباهر ويفاخر بما قام به من اعمال جادة في خدمة المجتمع وفي خدمة الثقافة، وفي خدمة لبنان، نائباً أميناً على رسالته، ووزيراً بليغ الاداء.
وختم الوزير صلّوخ قائلاً: ما كنت أتوقع يوم راودتني الافكار بالعودة إلى الجذور، ان يوفقني الله بتأليف كتاب يحظى بتقدير من قرأه أو من اطلع عليه من الاصدقاء والمحبّين. كما أنّني لم أكن انتظر من ندوة عريقة بلقاءاتها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، هذه الندوة التي تواجد على منبزها عددٌ من اساطين السياسة والاقتصاد، وجحاجح العلم والأدب والمعرفة. لم أكن انتظر مثل هذه الدعوة للقاء يجري فيه تقويم هذا الكتاب «اِقرأ يا نائل».