لماذا أميركا وروسيا وتركيا موجودة في سورية؟

د. عصام نعمان

دولتان كبريان بعيدتان عن سورية وثالثة إقليمية كلها موجودة فيها وحريصة على عدم إخفاء هذه الحقيقة، بل حريصة على تظهيرها بوسائل عدّة.

روسيا موجودة بقواتها البرية وطائراتها الحربية بطلب من حكومة سورية وبموافقتها. أميركا وتركيا حاضرتان فيها بقواتهما البرية وطائراتهما الحربية من دون موافقة حكومة سورية، بل بالرغم منها.

لماذا هذه الدول الأجنبية موجودة في سورية؟

الجواب: لأنّ لكلٍّ منها أهدافاً ومصالح. روسيا أعلنت مراراً بلسان أعلى مسؤوليها أنها في سورية بطلب من حكومتها لمواجهة تنظيمات إرهابية تمكّنت من السيطرة على مناطق شاسعة في مختلف أنحاء البلاد. ثم هي هناك لأنّ أعداداً كبيرة من الإرهابيين الناشطين فيها قادمون من روسيا تحديداً او من جمهوريات إسلامية أعضاء في الاتحاد الروسي، ولا تخفي موسكو رغبتها في تصفية هؤلاء تفادياً لعودة قسمٍ منهم الى البلاد ومباشرة حربٍ إرهابية ضدّ حكوماتهم ومجتمعاتهم. تركيا موجودة في سورية لأنها تعتبر قوات الأكراد السوريين الناشطة في المناطق السورية المحاذية لحدودها عدواً لكونها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني التركي المعارض للحكومة المركزية في أنقرة والذي يستبطن في رأيها نيات انفصالية، وانّ هؤلاء جميعاً إرهابيون بامتياز ويستوجبون الاستئصال بلا رحمة. الى ذلك، تسعى تركيا الى إقامة «مناطق آمنة» في شمال سورية على طول حدودها معها من أجل غرضين:

أ ـ منع اتصال الأكراد السوريين في شمال سورية الشرقي الحسكة مع اخوتهم في شمالها الغربي عفرين .

ب ـ توطين عشرات آلاف المهاجرين والنازحين السوريين في «المناطق الآمنة» تخفيفاً من أعباء إقامتهم الحالية داخل تركيا.

أميركا موجودة في شمال سورية بدعوى محاربة «داعش» ودعم الأكراد السوريين الذين يقاتلونه في مناطق إقامتهم التي قام بالسيطرة عليها. كما تقوم واشنطن بتسليح قوات الأكراد السوريين التي تقاتل «داعش» بأمل مشاركتها الأميركيين في معركة استخلاص الرقة التي يتخذها «داعش» عاصمة لـِ «خلافته» المعلنة بين نهري الفرات ودجلة.

الأهداف المعلنة للدول الثلاث تتعارض في ما بينها، كما أنها تخفي أغراضاً ومصالح أخرى متعارضة أيضاً. واذا كانت الأغراض والمصالح الخفية غير واضحة وموضع جدل فإنّ الأهداف المعلنة واضحة لدرجة أنها تسبّبت وستتسبّب بالمزيد من الاحتكاك والاشتباك بين الدول الثلاث. لتفادي الاشتباك اجتمع في مدينة انطاليا التركية رؤساء أركان جيوش أميركا وروسيا وتركيا، فهل توصلوا الى اتفاق؟

يتضح من تصريحات مسؤولين ينتمون الى الدول الثلاث الواقعات الآتية:

ـ التوصّل الى اتفاق مبدئي بين الحلفاء اللدودين الثلاثة على «تطهير سورية من الجماعات الإرهابية ومنع حصول اشتباكات بين اطرافها المختلفين».

ـ تأكيد وزارة الدفاع الروسية على حصول اتفاق على ضرورة «رفع المستويات القتالية لمواصلة الكفاح ضدّ المسلحين».

ـ تأكيد الناطق باسم رئيس الأركان الأميركي الجنرال جوزف بدفورد أن قادة الجيوش الثلاثة توافقوا على إجراءات ضرورية «لتفادي الحوادث، وناقشوا الوضع الحالي للمعركة ضدّ جميع المنظمات الإرهابية في سورية مع جهود لشنّ معركة أكثر فاعلية عليها».

ـ رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم كشف أنّ نتائج اجتماع انطاليا «قد تغيّر الصورة تماماً»، ذلك انّ الولايات المتحدة «ربما نفذت هذه العملية استعادة الرقة مع وحدات حماية الشعب الكردية وليس مع تركيا. وفي الوقت عينه تمدّ الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب بالأسلحة. إذا جرت هذه العملية بهذه الطريقة فستكون هناك تداعيات على العلاقات التركية الاميركية، لأنّ وحدات حماية الشعب تنظيم إرهابي ونحن نقول ذلك في كلّ منبر».

ـ يبدو أنّ الأتراك مستاؤون من نتائج اجتماع انطاليا لدرجة ان مكتب الرئيس التركي أعلن أنّ أردوغان قرّر زيارة روسيا ليبحث مع بوتين في العلاقات الثنائية وملفات اقليمية ودولية وخصوصاً سورية.

يُستخلَص من تصريحات المسؤولين المعنيين في الدول الثلاث أنّ الاتفاق الأساس الذي انتهى اليه اجتماع انطاليا قد اقتصر على ضرورة تفادي حصول اشتباكات بين الجيوش الثلاثة العاملة في سورية، وانّ ثمة اختلافات واضحة وعالقة حول مسألة تحرير الرقة من «داعش»، وحول تصنيف هوية «وحدات حماية الشعب» الكردية ودورها في القتال، وحول أبعاد التفاهم الأميركي الروسي، لا سيما لجهة «الجهود الرامية لشنّ معركة اكثر فعالية ضدّ جميع المنظمات الإرهابية في سورية».

الى ذلك، ثمة غموض حول أهداف كلٍّ من الدول الثلاث في مرحلة ما بعد دحر «داعش» وأخواته في سورية والعراق. لعلّ طرح بعض الأسئلة الملحّة تلقي ضوءاً على احتمالات واردة في هذا المجال.

ـ هل في تسليح أميركا للوحدات الكردية المقاتلة في سورية وإشراكها في معركة الرقة إشارة لعزمها على دعم الأكراد السوريين لإقامة كيان للحكم الذاتي في شمال سورية الشرقي المحاذي لجنوب شرق تركيا حيث تقيم أكثرية أكرادها؟

ـ هل يدفع احتمال قيام حكم ذاتي للأكراد السوريين حكومة أردوغان الى تقليص ارتباطها بأميركا وأوروبا والحلف الأطلسي، وبالتالي تعزيز تفاهمها وتعاونها مع روسيا في المجالات الاقتصادية والاستراتيجية؟

ـ هل يؤدي «رفع مستويات المواجهة ضدّ التنظيمات الإرهابية في سورية» الى انخراط أميركا الى جانب سورية وروسيا في الحرب التي تشنانها ضدّ تنظيم هيئة تحرير الشام «النصرة» المدعومة ضمناً من تركيا في محافظة ادلب؟

ـ هل «وحدات الشعب» الكردية قادرة وحدها، بدعمٍ من أميركا، على تحرير الرقة، لا سيما بعدما قطع الجيش السوري الطريق اليها بوصوله الى منبج وضفة الفرات الغربية، ام انّ ذلك يستوجب، برضا واشنطن او عدم رضاها، قيام الجيش السوري الذي بات على مسافة غير بعيدة من «عاصمة الخلافة» بدورٍ رئيس في تحريرها؟

ـ هل تنوي أميركا بعد إخراج «داعش» من الرقة دفع مقاتليه جنوباً نحو محافظة دير الزور ومساعدته، بدعمٍ من المقاتلين الدواعش المنتشرين في محافظة الأنبار العراقية، لإقامة كيان سياسي على امتداد الحدود السورية – العراقية لفصل سورية عن العراق وتالياً عن إيران؟

ـ هل قيام طائرات «التحالف الدولي» الأميركية قبل أسبوع بتدمير جسر الميادين على نهر الفرات جنوب دير الزور هو لمنع تعاون سورية والعراق في جهدٍ مشترك للحؤول دون قيام كيان انفصالي على حدودهما»؟

أسئلة تبحث عن أجوبة في الحاضر الراهن والمستقبل المنظور.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى